وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
يجب أنَ نعلم
بأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المجيد المعجز، المُوحى إلى النبي الكريم r المتواتر
إلينا من الله عز وجل بواسطة الملك جبريل عليه السلام، وأنه حجة على المسلمين
والبشر أجمعين وهذا لا خلاف فيه، كما أنه المصدر الأول لتشريع الأحكام .
قال تعالى:(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ)العنكبوت:51.
وقال تعالى:(وَأُوحِيَ
إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ)الأنعام:19.
وقال تعالى:(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا
تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا
مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)المائدة: 48.
وعن معاذ أن رسول الله r حين بعثه إلى اليمن قال: (كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟) قال: أقضي
بما في كتاب الله. قال: (فإن لم يكن في
كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله r قال: (فإن لم يكن في
سنة رسول الله؟) قال: أجتهد وإني لا آلو.قال:
فضرب رسول الله صدري ثم قال: (الحمد لله
الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله).
وعن علي بن أبي طالب قال: «
سمعت رسول الله
يقول: " ستكون فتن ". قلت: " وما المخرج منها؟ " قال: " كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم،
هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره
أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي
لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن
كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا " إنا سمعنا قرآنا عجبا ". هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل
به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم.
ثانياً:
القرآن
الكريم قطعي الورود، أي: ثابت قطعاً
لوصوله إلينا بطريق التواتر المفيد للعلم اليقيني بصحة المنقول، فأحكامه إذن قطعية
الثبوت، إلا أن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية وقد تكون ظنية. والقطعي هو اللفظ
الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً ففي هذه الحالة تكون دلالة اللفظ على الحكم دلاله
قطعية. ومن آيات الأحكام القطعية آيات المواريث.
قال تعالى: (يُوصِيكُمُ
اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ
نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً
فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا
تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ
مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ
عَلِيما حَكِيما)النساء:11.
وقال تعالى:(وَلَكُمْ
نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ
لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ
بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ
وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن
بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً
أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ
فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ
وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ )النساء:12.
وقال تعالى:(يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ
وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا
وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن
كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ
يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )النساء: 176.
ثالثا:
هناك قاعدة أصولية ثابتة: بأنه " لا
اجتهاد في مورد النص "
ويقصد هنا النص القطعي الثبوت الذي لا يحتمل اللفظ فيه
إلا معنى واحد وهذا ثابت في آيات المواريث.
وقيل أيضاً: " إذا ورد الأثر بطل النظر " فكيف لهم أن يريدون النظر في
أحكام المواريث وتغيرها وتحريف آيات الله عز وجل، والتطاول على حرمة القرآن الكريم
وشريعة رب العالمين؟!
رابعاً:
إن تقدير المواريث والأنصبة لكل وارث ، قدرها الله عز وجل
بذاته ولم يتركها لاجتهاد أي حد من الناس، ولا حتى للنبي r
. والاجتراء على تغيرها، اجتراء على الذات الإلهية وأحكامه التشريعية
وخروج عن الإسلام، وكفر بالقرآن والملك الديان، وعودة إلى الجاهلية الأولى، بل من المعلوم من الدين بالضرورة بأنها من خصائص
الإلوهية.
قال
تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ
أُمِرُوا
أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ،
وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ
عَنْكَ
صُدُودًا) النساء : 60ـ61.
وقال
تعالى:(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ
تَسْلِيماً)النساء:65.
وقال تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة:44
وقال
تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة:45
وقال
تعالى:(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة:47
وقال
تعالى:(إِنِ الحُكْمُ إلاَّ للهِ أَمَرَ)يوسف:40.
وذُكِرَ أنه كان بين رجل من المنافقين، ورجل من اليهود قضية
ودعوى، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد وقال ذلك المنافق: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف
وكان من اليهود، ثم إنهم ترافعوا إلى عمر، فلما استثبتَ منهم قال: أنتَ الذي قلتَ:
لا نَرْضَى بِحُكْمِ محمد وفَضَّلْتَ عليه حكم ابن الأشرف ؟!! دخل بيته، وأخرج السيف وقتل ذلك
المنافق، وقال: هذا جزاء مَنْ لم يَرْضَ بِحُكْمِ رسول الله r.
هذا. والله أعلى وأعلم