وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
يجب أن نفرق بين تحديد النسل ومنعه وتنظيم النسل.
فتحديد النسل أو منعه سواء من ولي الأمر أو الزوجين بسبب الرزق محرم ولا يجوز
شرعاً ، بل هو كبيرة من كبائر
الذنوب.
قال تعالى: }وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ
يُغْنِيكُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{ التوبة: 28.
وقال تعالى:}وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ
خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ
خِطْئًا كَبِيرًا{
الإسراء: 31.
وقال تعالى:{وَلاَ
تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}
الأنعام:151.
وعن معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : (يا رسول الله إني أصبت
امرأة ذات حسب وجمال ولكنها لا تلد ، أفأ تزوجها ؟
فنهاه ، ثم أتاه الثانية ، فقال مثل ذلك فنهاه ، ثم
أتاه الثالثة فقال مثل ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)رواه أبو داود
والنسائي، وصححه الألباني.
وحَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ :(عُرِضَتْ
عَلَيَّ الأُمَمُ ،
فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ ،
وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ ، وَالنَّبِيَّ
لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، إِذْ
رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي ، فَقِيلَ لِي: هَذَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَوْمُهُ ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ
، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ
إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ) صحيح البخاري ومسلم
وسنن النسائي وأبي داود ومسند أحمد وسنن الدارمي.
ثانياً:
أما تنظيم النسل من باب المصلحة المشتركة بتوافق
الزوجين ودفع الضرر ورفع مفسدة من مرض أو غيره للزوجة بشرط أن تشهد طبيبة ثقة في
دينها حاذقة في تخصصها بأن الحمل والولادة يعرض حياة الزوجة للخطر، فهذا جائز شرعاً.
فعَنْ جَابِرٍ قَالَ : (كُنَّا
نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وعَنْه أيضاً قَالَ :( كُنَّا
نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ) . صحيح البخاري في كتاب النكاح . باب العزل
وزاد مسلم في صحيحه: زَادَ إِسْحَقُ قَالَ سُفْيَانُ: (لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ
الْقُرْآنُ).
ومعنى قول جابر: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ . بينه الحافظ ابن
حجر بقوله: فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع ولو كان حراما لم نقر عليه وإلى ذلك
يشير قول ابن عمر " كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَام وَالِانْبِسَاط إِلَى نِسَائِنَا
هَيْبَة أَنْ يَنْزِل فِينَا شَيْء عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " أخرجه البخاري.
ثالثاً:
أما عن ما يشاع ونسمعه من البعض بأن كثرة النسل
سبب من أسباب معوقات التنمية ، فلا يقوله إلا من ضعف الإيمان في قلبه وجهل بأن
الرزق من عند الله عز وجل قال تعالى: }وَفِي
السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ{ الذاريات : 22ـ23 .
قلت : جاء في
التفسير بأن أعرابي صاح وقال : يا سبحان الله! مَن ذا الذي أغضب الجليل حتى حلَف ،
لم يصدِّقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين ، قالها ثلاثًا وخرجت معها نفْسُه.
وعن أبي عبد الرحمن
عبد الله بن مسعودٍ قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :
(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون
مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتْبِ
رزقه وأجله وعمله، وشقي أو سعيدٌ) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم.
قال الجرداني : هذا الحديث حديث عظيم جامع لجميع
أحوال الشخص؛ إذ فيه بيان حال مبدئه وهو خلقه ، وحال معاده وهو السعادة أو الشقاء ،
وما بينهما وهو الأجل ، وما يتصرف فيه وهو الرزق.
أو يكون القائل فاهم ويعلم بأن
الرزق من عند الله تعالى، ولكنه فاشل ويعلق فشله على مثل هذا الكلام ، رغم أن
الواقع ينافيه لأن الكثرة السكانية من الموارد البشرية التي لو استغلت لكانت ثروة
ومورد من الموارد التي يستفاد منها ، فالصين واليابان والهند وأمريكا من أكبر
الدول في التعداد السكاني وأقوهم في ترتيب الاقتصاد العالمي.
رابعاً:
إن طلب الذرية وكثرة النسل مطلب من مطالب
الشريعة ، فالزواج مقصده الشرعي (حفظ الفرج والمحافظة على البقاء البشري والذرية وعمارة
هذا الكون) ، وما سمعنا بهذه الدعوات في المجتمعات الغربية رغم إنها من أفكارهم وسموماهم ،
يدسونها في الدول الإسلامية ، حتى يقل نسلهم ويستأصل شأفتهم ، ولكن تكثير النسل لا
يكون غثاء بلا فائدة تفيد الإسلام والمسلمين والمجتمع.
فعن ثوبان قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يوشك الأمم أن تداعى
عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن
قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ
كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم،
وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال
قائل: يا رسول الله، وما
الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا،
وكراهية الموت)رواه أبو
داود وأحمد في مسنده والروياني وغيره.
هذا. والله
أعلى وأعلم