وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
هذا تحريف وتدليس في أسباب نزول حكم من
الأحكام في القرآن الكريم ، ومخالفة صريحة لما أجمع عليه جمهور المفسرين في كتب
التفسير من أسباب نزول السورة التي سميت بسبب نزول هذا الحكم .
قال تعالى : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ
الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ
مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ
اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ،فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )المجادلة:1ـ 4.
قال القرطبي : الَّتِي اِشْتَكَتْ إِلَى اللَّه هِيَ
خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة . وَقِيلَ بِنْت حَكِيم . وَقِيلَ اِسْمهَا جَمِيلَة .
وَخَوْلَة أَصَحّ ، وَزَوْجهَا أَوْس بْن الصَّامِت أَخُو عُبَادَة بْن الصَّامِت
، وَرَوَى الْحَسَن : أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ! قَدْ نَسَخَ اللَّه
سُنَن الْجَاهِلِيَّة وَإِنَّ زَوْجِي ظَاهَرَ مِنِّي , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُوحِيَ إِلَيَّ فِي هَذَا شَيْء ) فَقَالَتْ :
يَا رَسُول اللَّه ، أُوحِيَ إِلَيْك فِي كُلّ شَيْء
وَطُوِيَ عَنْك هَذَا ؟ ! فَقَالَ : ( هُوَ مَا قُلْت لَك )
فَقَالَتْ : إِلَى اللَّه أَشْكُو لَا إِلَى رَسُوله . فَأَنْزَلَ اللَّه : "
قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي
زَوْجهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه " الْآيَة . وَرَوَى
الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث قَتَادَة أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُ قَالَ :
إِنَّ أَوْس بْن الصَّامِت ظَاهَرَ مِنْ اِمْرَأَته خُوَيْلَة بِنْت ثَعْلَبَة
فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ
: ظَاهَرَ حِين كَبِرَتْ سِنِّي وَرَقَّ عَظْمِي . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى
آيَة الظِّهَار , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَوْسٍ : ( اِعْتِقْ رَقَبَة ) قَالَ :
مَالِي بِذَلِكَ يَدَانِ . قَالَ : ( فَصُمْ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) قَالَ : أَمَا إِنِّي إِذَا أَخْطَأَنِي أَنْ
آكُل فِي يَوْم ثَلَاث مَرَّات يَكِلّ بَصَرِي . قَالَ : ( فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) قَالَ : مَا أَجِد
إِلَّا أَنْ تُعِيننِي مِنْك بِعَوْنٍ وَصِلَة . قَالَ : فَأَعَانَهُ رَسُول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا حَتَّى جَمَعَ
اللَّه لَهُ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم .
وَقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه كُلّ
شَيْء , إِنِّي لَأَسْمَع كَلَام خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة وَيَخْفَى عَلَيَّ
بَعْضه , وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجهَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , وَهِيَ تَقُول : يَا رَسُول اللَّه ! أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْت لَهُ
بَطْنِي , حَتَّى إِذَا كَبِرَ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي ,
اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ! فَمَا بَرِحْت حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيل
بِهَذِهِ الْآيَة : " قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل
الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّه " خَرَّجَهُ
اِبْن مَاجَهْ فِي السُّنَن . وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا عَنْ
عَائِشَة قَالَتْ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه الْأَصْوَات , لَقَدْ
جَاءَتْ الْمُجَادِلَة تَشْكُو إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، وَأَنَا فِي نَاحِيَة الْبَيْت مَا أَسْمَع مَا تَقُول , فَأَنْزَلَ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " قَدْ سَمِعَ اللَّه
قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا " . انتهى
وَقَدْ مَرَّ بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي خِلَافَته وَالنَّاس مَعَهُ عَلَى حِمَار فَاسْتَوْقَفَتْهُ طَوِيلًا وَوَعَظَتْهُ وَقَالَتْ : يَا عُمَر قَدْ كُنْت تُدْعَى عُمَيْرًا , ثُمَّ قِيلَ لَك عُمَر , ثُمَّ قِيلَ لَك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَاتَّقِ اللَّه يَا عُمَر , فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ خَافَ الْفَوْت , وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَاب , وَهُوَ وَاقِف يَسْمَع كَلَامهَا , فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوز هَذَا الْوُقُوف ؟ فَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّل النَّهَار إِلَى آخِره لَا زِلْت إِلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة ، أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوز ؟ هِيَ خَوْلَة بِنْت ثَعْلَبَة سَمِعَ اللَّه قَوْلهَا مِنْ فَوْق سَبْع سَمَوَات ، أَيَسْمَعُ رَبّ الْعَالَمِينَ قَوْلهَا وَلَا يَسْمَعهُ عُمَر ؟
ثانياً:
هذا من الافتراء والكذب المحض على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه
بأبي هو وأمي لم يحدث منه هذا.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ" رواه البخاري
وعن عبد الله بن الزبير قال: قلت لأبي: "
ما لي لا أسمعُكَ تحدِّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُحدِّث فلان وفلان ؟ قال: أمَا إِنّى لم أُفَارِقهُ منذُ أسلمتُ ، ولكني سمعتُهُ يقول:
مَنّ كذبَ عليَّ
مُتَعَمِّدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري
وقال أنس
بن مالك: " إني ليَمْنَعُني أن أحدِّثكم حديثا كثيرا :
أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنّ تعمَّد عليَّ كذبِا فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه مسلم
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لا تكّذِبُوا عَلَيَّ، فإنَّهُ
مَن كَذَبَ عليَّ يلج النَّارَ" أخرجه البخاري ومسلم
وفي رواية
: " مَنْ
تَقَوَّلَ عليَّ ما لم أقُلْ، فليتبؤأ مقْعدَه من النَّار"رواه البخاري .
ثالثاً:
إن هذه القصة لو رويت في أي من الكتب لا تصدق ، لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان خلقه القرآن الكريم ، بل هو سيد المتخلقين بالخلق الجميل ، وسيد
المتأدبين الذي آدابه رب العالمين ، وأرحم بهذه الأمة من نفسها ، بل هو رحمة
للعالمين . فهل يصدق أن تأتي امرأة تشكو فعل زوجها وتريد حكم ، ويعرض عنها النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولا يبين لها هذا الحكم ، والقاعدة الأصولية تقول :
" لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة " لأن
النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع عن الله عز وجل بواسطة الوحي. انتهى
وعليه:
يجب على من ادعى هذه القصة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستغفر
الله تعالى ويتوب إليه، وألا يتكلم بما يجهل ويترك العلم الشرعي لأهله، حتى لا يبدل
ولا يغير في هذا الدين، ويحمل الذنب العظيم.
هذا. والله أعلى وأعلم