وعليكم السلام ورحمة الله
وبركاته
(اعلم أنه لا فرق في الحكم على من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه
أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله
أو عَرض به أو شبهة بشئ على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه
أو الغض منه والعيب له فهو ساب له ، ولا يمترى فيه تصريحاً كان أو تلويحاً،
وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم
أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو عيره بشئ مما
جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم ). قاله القاضي
عياض وغيره من أهل العلم
أما عن حكم من يفعل ذلك ، لا نعلم خلاف بين
أهل العلم بل فيه الإجماع على أن يقوم ولي الأمر ( الحاكم ) بقتله ولا تقبل توبته
وهذا قول أبى بكر الصديق رضى الله عنه
مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه
والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلمين لكنهم قالوا: هي ردة وقال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة
كالزندقة وعلى هذا وقع الخلاف في استنابته وتكفيره وهل قتله حد أو كفر ، وقال أيضاً أجمع
العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمة القتل ومن
شك في كفره وعذابه كفر.
وعن أبى المصعب وابن أبى أويس سمعنا مالكا يقول: (من سب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل: مسلما كان أو
كافرا ولا يستتاب) وعن أصحاب مالك أنه قال: (من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من
النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب، وقال أصبغ، يقتل على
كل حال أسر ذلك أو أظهره ولا يستتاب لأن توبته لا تعرف، وقال عبد الله بن عبد الحكم
من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب) وحكى الطبري مثله
عن أشهب عن مالك.
وقال ابن
المنذر:
(وأجمعوا على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أن له القتل) .
وقال ابن
حزم : (كل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يقتل ولابد).
وقد نقل
شيخ الإسلام في (الصارم المسلول) عن غير هؤلاء حكايتهم للإجماع على قتل
وتكفير شاتم الرسول صلى الله عليه
وحجة الإجماع
في وجوب قتل من سب النبي أو عابه صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى :(إِنَّ
الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيَا
وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَابًا مُهِينًا ) الأحزاب:57
قلت: ولعنه الله تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة تستوجب
الطرد من رحمة الله والعذاب المهين ولا تكون إلا للكافر وحكم الكافر في الدنيا
القتل.
وقوله تعالي:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا
تَشْعُرُونَ) الحجرات: 2
قلت: فرفع الصوت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم
يحبط العمل ولا يحبط العمل إلا الكفر والكافر يقتل . فكيف بمن يرد حكمه ويتحاكم
لغير شرعه أو يَعرض به أو يستهزئ ويتطاول على شخصه وجنابه الكريم؟
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)التوبة : 61
وقوله تعالى: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ
اللَّهُ
وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ
ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ
يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المجادلة:8
وقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ) التوبة: 65-66.
فالاستهزاء برسول الله كفر وردة بنص القرآن، فسب رسول
الله أعظم من الاستهزاء لما فيه من التنقص والإيذاء العظيم له عليه الصلاة
والسلام، فهو كفر من باب أولى.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ،
عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
مَنْ
سَبَّ نَبِيًّا فَاقْتُلُوهُ ، وَمَن سَبَّ أَصْحَابِي فَاضْرِبُوهُ " رواه الطبراني في الأوسط والصغير.
وفي رواية: من سب الأنبياء قتل ومن سب أصحابي جلد
وقد ذكر ابن حزم في كتابه المحلى وبإسناده فقال: حدثنا
صمام نا عباس... عن عروة بن محمد عن رجل بن بلقين قال: (كان رجل يشتم النبي صلى
الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفيني عدواً لي؟ فقال خالد بن
الوليد: أنا. فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله). والأحاديث في هذا الباب
والمواقف كثيرة ، لا تعد ولاتحصى.
وخلاصة القول:
أنَّ السابَّ إن كان مسلماً فإنه يَكفُرُ ويُقْتَلُ
بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، ... وممن حكى الإجماع على ذلك من
الأئمة .إسحاقُ بن رَاهُوْيَه وغيره، وإن كان ذمِّيّاً فإنه يقتل أيضاً في مذهب
مالكٍ وأهْلِ المدينة، ... وهو مذهبُ أحمد وفقهاءِ الحديث...
وقد نَصَّ أحمدُ على ذلك في مواضعَ متعددة. قال حَنْبَل: سمعت أبا عبدالله يقول:
كلُّ من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقَّصه - مسلماً كان أو كافراً - فعليه
القتلُ، وأرى أن يُقتل ولا يُستتاب.
وننبه:
على أن إقامة العقوبات من (حدود ـ وقصاص ـ وتعزير) في شريعة الإسلام من خصائص وشأن ولي الأمر ( الحاكم ) ومن ينوب عنه من (السطلة التنفيذية) ،ولا يحق لأحد مهما كان أن
يقيم العقوبات بنفسه في الدولة الإسلامية، كما لا يحق (للحاكم أو من ينوب عنه ) أن (يسقط العقوبة أو يعطلها )، مادام النبي صلى الله عليه
وسلم قبض ، وأما في حياته صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي فالأمر بيده إن شاء عفى
وإن شاء أقام الحد.
هذا . والله أعلى وأعلم