وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولا:
هذه الفرية من الشبهات التي يلقيها أعداء الإسلام من الملاحدة
والمستشرقين بأن هذا الدين فرق بين المرأة
والرجل ، وأنه انتقص من حق المرأة وجار عليها . وكذلك التشيكك في عدالة أحكام
الإسلام. وهذا من جهلهم بالشريعة وللأسف تناقلها عنهم بعض المسلمين.
ثانياً:
1ـ إن الحديث الذي ورد لم يكن تعريضاً بالنساء ، بل جاء في مناسبة
وكانت خاصة بالنساء وليس بمجمع من الرجال.
عن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
- في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل
ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن)، قلن: وما نقصان
ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادةُ
المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)، قلن: بلى، قال:(فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا
حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ )، قلن: بلى، قال: (فذلك من نقصان دينها) متفق عليه.
2ـ الحديث لم يقرر في صيغته قاعدة عامَّة أو
حكم عام ، بل هو تعجُّب رسول الله من التناقض القائم في ظاهرة تغلُّب النساء وفيهن
ضعف على الرِّجال ذوي الحزم.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد نقصان العقل ليس في
كل شئ ، بل في موضع الإشهاد على الدين لأنه مقام الإرشاد إلى طرق
الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل وليس في موضع الشهادة في
المنازعات.
قال تعالى:( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل
وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة : ٢٨٢
وأما نقصان الدين تفسيره بأمر محدد، وهو ما يعتريها من تركِ الصيام والصلاة في
الحيض والنفاس، فهذا نقصٌ جُزئيٌّ مَحصور في بعض العبادات، وليس على الدَّوام،
فليس هذا قدحًا فيها أو منقصة؛ وإنَّما هو نقص حاصلٌ بشرع الله عزَّ وجلَّ وهو
الذي شرعه سبحانه وتعالى رفقًا بها وتيسيرًا عليها؛ لأنَّها إذا صامت مع
وجود الحيض والنفاس أضرها ذلك".
ثم لا يلزم من
هذا أن تكون أيضًا دون الرجال في كل شيء، وأنَّ الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجال أفضلُ من جنس النساء في
الجملة، لكن قد تفوقُه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم من امرأة فاقت كثيرًا
من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، ، وفي تقواها لله عزَّ وجلَّ وفي منزلتها في
الآخرة، وقد تكون لها عناية ببعض الأمور، فتضبط ضبطًا كثيرًا أكثر من ضبط بعض
الرجال في كثير من المسائل التي تُعنى بها وتَجتهد في حفظها وضبطها من قرآن أو
سنة، والتاريخ على مر العصور يشهد لها بذلك ، وفي القرآن قصص لنساء يضرب بهن المثل
في ذلك ، من ملكة سبأ إلى آسيا إلى مريم عليها السلام إلى ابنة شُعيب عليه السلام إلى السيدة خديجة وأم سلمة رضي الله عنهما وغيرهن
كثير.
ثالثاً :
أما بالنسبة لأخذ
الأحاديث عند السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها فهذا له عدة أمور منها:
1ـ إن السيدة عائشة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن،
ولهن خاصية وميزة عن سائر نساء العالمين فهن اختيار الله عز وجل لنبيه صلى الله
عليه وسلم.
قال تعالى:(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ
لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ) الأحزاب: 32
وقال تعالى:(وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا
لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا) الأحزاب : 31.
وقال تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
الأَحْزَاب :33
وقال تعالى:(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى
فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
لَطِيفًا خَبِيرًا) الأَحْزَاب :
34
والمعنى: اعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى
على رسوله -صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة ، قاله قتادة وغير واحد،
واذكرن هذه النعمة التي خُصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون
سائر الناس.
رابعاً :
1ـ
أما عن خصية السيدة عائشة رضي الله عنها ، فقد أعدها الله عز وجل وجعلها في حجر
النبي صلى الله عليه وسلم من أول مهدها حتى تحمل السنة النبوية من المنبع وخاصة في
كل ما يخص النساء والحياة الزوجية وخصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم.
2ـ كما
ذهب المفسرين إلى أن عائشة رضي الله عنها لها النصيب الأوفر في آية الذكر وأَوْلاهُنَّ
بهذه النعمة ، وأحظاهن بهذه الغنيمة ، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة ، فإنه لم
ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ في فراش امرأة سواها ، كما نص على
ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
3ـ وعن
ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: " فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم
بعشر: قيل: ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكراً قط غيري، ولم ينكح امرأة
أبوها مهاجران غيري، وأنزل الله عز وجل براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من
السماء في حريرة، قال تزوجها فإنها امرأتك، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، ولم
يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه
وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة
التي يدور علي فيها ودفن في بيتي)
4ـ لقد عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها لتكون
المرجع الأول في الحديث والسنة، والفقيهة الأولى في الإسلام
قال الإمام
الزهري: لو جمع علم عائشة، إلى علم جميع
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل.
وقال هشام بن
عروة عن أبيه : " ما
رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة ".
لقد كان علم
السيدة عائشة رضي الله عنها واسعاً غزيراً، فهي ملمة بكل ما تصل بالدين من قرآن
وسنة وفقه، وفي ذلك قال الحاكم في المستدرك إن ربع أحكام الشريعة نقلت عنها (أي
السيدة عائشة).
وقال أبو موسى الأشعري : " ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم حديثاً قط إلا وجدنا عندها منه علماً "
فقد كان
الصحابة يستفتونها في الأمور التي لا يستطيعون اتخاذ الرأي بشأنها ، كما كانت تصحح
لكبار الصحابة والعلماء الآيات والأحكام والأحاديث وتوضح لهم ما خفي عنهم. ومن
أمثلة ذلك : رجوع أبو هريرة رضي الله عنه عما يرويه عن الفضل ابن عباس : أن من
أدركه الفجر وهو جنب فلا يصم فلما سألت في ذلك عائشة وأم سلمة قالت : (كان النبي
صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير حلم ثم يصوم) وعندما علم أبو هريرة بذلك
قال: هما أعلم ورد ما كان يقول في ذلك
وكانت حجرتها
المباركة تعد مدرسة يختلف إليها طلاب العلم والمعرفة الذين وفدوا من مختلف الأقطار
لينهلوا من هذا النبع الغزيز من العلم والمعرفة وكانت تحجب عن الطلاب غير المحار،
كما كانت لا تفتي إلا بوجود الدليل من الكتاب والسنة.
5ـ وتعد السيدة عائشة رضي الله عنها من كبار حفاظ
السنة النبوية الشريفة وقد وضعها المحققون في المرتبة الخامسة في حفظ الأحاديث
وروايتها بعد أبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وابن عباس رضي الله عنهم، ولكنها
تنفرد دونهم بميزة هامة وهي أنها كانت تروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مباشرة ولم تنقلها عن أحد. ولذلك فقد روت أحاديث لم يروها غيرها، بذلك حفظت
لنا جزءاً كبيراً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته في بيته، وكان كبار
الحفاظ يذهبون إلى حجرتها حتى يتحققوا من صحة الأحاديث وقوتها، وكانوا إذا اختلفوا
في شيء احتكموا إليها وعملوا برأيها.
ويقول أبو سلمة بن عبد الرحمن: عن علم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
" ما رأيت أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في رأي إذا احتيج
إليه ولا أعلم بآية فيم نزلت ولا فريضة من عائشة ".
ومن المعروف أنّ السنة المطهّرة ليست قاصرة على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم
فحسب ، بل تشمل قوله ، وفعله ، وتقريره.وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة
إتباعه ، فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله صلى الله عليه وسلم في المنزل ، غير هؤلاء
النسوة اللواتي أكرمهن الله فكن أمهات للمؤمنين وزوجات لرسوله الكريم.
وبعد ذلك الفضل!!
هل تقوم حجة
لطاعن أو ناعق على عدم فضل أمهات المؤمنين وخاصة الفقيهة بنت الفقيه والصديقة بنت
الصديق والحبيبة بنت الحبيب السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها
هذا. والله أعلى وأعلم