وعليكم السلام
ورحمة الله وبركاته
الأصل أنَّ المرأة قرارها ووقارها في بيتها وعدم
الخروج منه إلا لضرورة وخروجها من البيت بخلاف الأصل ، وعليه فيجب أن يكون هذا
الخروج محكوماً بالضوابط الشرعية المتعارف عليها. فالمرأة التي خرجت من بيتها لهذه
المظاهرات قد خرجت من حيائها قبل خروجها من حجابها بمشاركتها في هذا البلاء وتلك
المصيبة بهذا الفعل الذي فيه إثم عظيم وذنب جسيم.
قال
تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ
تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الأحزاب: 33
معنى هذه الآية الأمر
بلزوم البيت , وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه
بالمعنى . هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء , كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء
بيوتهن , والكف عن الخروج منها إلا لضرورة، ونهاهن عن التبرج . والجاهلية الأولى
كما تقول الجاهلية الجهلاء: وكانت النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرن ما يقبح إظهاره
, حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلها، وكانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ , فتمشي
وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال . قال الحسن: المقصود من الآية مخالفة من قبلهن
من المشية على تغنيج وتكسير وإظهار المحاسن للرجال , إلى غير ذلك مما لا يجوز شرعا
. وذلك يشمل الأقوال كلها ويعمها فيلزمن البيوت , فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن
على تبذل وتستر تام . وكانت عائشة - رضي الله عنها - كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي
حتى تبل خمارها.
وذكر أن سودة رضي الله عنها قيل
لها : لم لا تَحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت : قد حججت واعتمرت، وأمرني
الله أن أقر في بيتي .
قال الراوي : فو الله ما خرجت من
باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها . رضوان الله عليها .
وقال ابن
العربي : لقد دخلت نيفا على ألف قرية فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء
من نساء نابلس , التي رمي بها الخليل صلى الله عليه وسلم بالنار , فإني أقمت فيها
فما رأيت امرأة في طريق نهارا إلا يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد
منهن , فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى
الجمعة الأخرى . وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه
. انتهى
فكيف بالنساء وقد خرجن يزاحمن الرجال في
الطرقات والميادين العامة مصفحةً بجسدها مُفرطه في دينها
قال
تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ
ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا)
النور:59
وقال تعالى: (وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور: 31
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتوى
:
" لأن المرأة يجب أن تصان، وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل؛ ولهذا خصت
بالاحتجاب، وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس
والبيوت، ما لا يجب في حق الرجل؛ لأن ظهور النساء سبب الفتنة، والرجال قوامون
عليهن".
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول
فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "، وقال صلى الله عليه وسلم: " المرأة عورة، فإذا
خرجت استشرفها الشيطان "، أي اتخذها لإشاعة الرذيلة وفتن بها الرجال ، لاسيما إذا
خرجت متبرجة فهنالك يعظم الفساد.
قلت: أما الحديث الذي
ساقه ابن تيمية رحمه الله فقد رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحديث فيه ضعف
بسبب قتادة وهو مدلس ويعنعن. والطرق التي ليس بها قتادة، رجح الدار قطني
وقفها.
وقال
تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً
فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب: 53
فالمرأة المسلمة التي تخاف ربها وتخشى ضياع
دينها وآخرتها لا تفعل هذا الفعل
الشنيع، وقد رفعت صوتها مهللة وبيديها مصفقة
أمثال الذين لا دين لهم ولا خلاق
متشبة بالرجال في الأقوال والأفعال، وهذا من
ضعف الدين والإيمان .
قال
تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا
يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: 31
قال
أهل التفسير:
(كَانَتْ الْمَرْأَة فِي
الْجَاهِلِيَّة إِذَا كَانَتْ تَمْشِي فِي الطَّرِيق وَفِي رِجْلهَا خَلْخَال
صَامِت لَا يُعْلَم صَوْته ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْض فَيَسْمَع الرِّجَال
طَنِينه فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنَات عَنْ مِثْل ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ
شَيْء مِنْ زِينَتهَا مَسْتُورًا فَتَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ لِتُظْهِر مَا هُوَ
خَفِيّ دَخَلَ فِي هَذَا النَّهْي).
قلت:
وهذا
النَّهي في حق صوت الخلخال أو النعال التي تلبسه المرأة فكيف بصوتها الذي فيه
الميوعة والعذوبة واللين والخضوع، وقد رفعته في الشوارع والميدان والساحات وعلى
مسمع ومرأى الملايين من الرجال الأجانب وتناقلته الفضائيات ووسائل الإفساد، وهذا
تحت مسمى الحرية الشيطانية المستوردة لنا من الدول الكفرية والبلدان الشركية التي
لا تعلم قدر المرأة، وعلو شأنها ولم تكرمها كما كرمها الإسلام وحفظها من كل شر
وسوء، وتكفل الأب والأخ والزوج والابن برعايتها وسترها في بيتها ،حتى تكون مؤهلة
لتربية الأجيال الصالحة التي تنفع البلاد والعباد.
وعلى النساء اللواتي
فعلن هذا أن يستغفرن الله عز وجل ويتوبن إليه من هذا الفعل
وكذلك ولي أمرها الذي
علم بفعلها وتركها لشيطانها، ولم يحاسبها على خروجها
لهذا الذنب
العظيم.
قال
تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ
يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)
النساء:17
وقال
تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي
فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
كَبِيرٍ) هود: 3
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ
السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى:25
هذا. والله أعلم