بدأت حياتي ضائعا سكيراً عاصيا .. أظلم الناس وآكل الحقوق، آكل الربا, أضرب الناس, افعل المظالم، لا توجد معصية إلا وارتكبتها، شديد الفجور يتحاشاني الناس من معصيتي .
في يوم من الأيام اشتقت أن أتزوج ويكون عندي طفلة فتزوجت وأنجبت طفلة سميتها فاطمة، أحببتها حباً شديدا، وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلت المعصية في قلبي، وَلَرُبَّـَما رأتني فاطمة أمسك كأسا من الخمر فاقتربت مني فأزاحته وهي لم تكمل السنتين .. وكأن الله يجعلها تفعل ذلك، وكلما كبرت فاطمة كلما زاد الإيمان في قلبي .. وكلما اقتربت من الله خطوة كلما ابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي، حتى اكتمل سن فاطمة 3 سنوات، فلما أكملت الـ 3 سنوات ماتت فاطمة,
فانقلبت أسوأ مما كنت، ولم يكن عندي من الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على البلاء، فعدت أسوأ مما كنت وتلاعب بي الشيطان حتى جاء يوم فقال لي شيطاني : لَتَسْكَرَنَّ اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل!! فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر، وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب فرأيتني تتقاذفني الأحلام .. حتى رأيت تلك الرؤيا
رأيتني يوم القيامة وقد أظلمت الشمس .. وتحولت البحار إلى نار.. وزلزلت الأرض ... واجتمع الناس إلى يوم القيامة والناس أفواج وأفواج وأنا بين الناس، وأسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان هلم للعرض على الجبار, فأرى فلانا هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف، حتى سمعت المنادي ينادي باسمي .. هلم للعرض على الجبار، فاختفى البشر من حولي (هذا في الرؤيا)، وكأن لا أحد في أرض المحشر، ثم رأيت ثعبانا عظيماً شديداً قويا يجري نحوي فاتحا فمه. فجريت أنا من شدة الخوف، فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاًً فقلت : آه، أنقذني من هذا الثعبان، فقال لي: يابني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن اِجْرِ في هذه الناحية لعلك تنجو، فجريت حيث أشار لي، والثعبان خلفي, ووجدت النار تلقاء وجهي، فقلت: أهرب من الثعبان لأسقط في النار، فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب، فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني أنقذني .. فبكى رأفة بحالي وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن اِجْرِ تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو، فجريت للجبل والثعبان سيخطفني، فرأيت على الجبل أطفالا صغاراً فسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يا فاطمة أدركي أباك أدركي أباك، فعلمت أنها ابنتي، ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها 3 سنوات تنجدني من ذلك الموقف، فأخذتني بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شدة الخوف، ثم جلست في حجري كما كانت تجلس في الدنيا، وقالت لي: يا أبت ألم يَأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ فقلت: يا بنيتي .. أخبريني عن هذا الثعبان!! قالت: هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك .. أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة..؟ قلت: وذلك الرجل الضعيف؟ قالت: ذلك العمل الصالح .. أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاً ولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيرة ما كان هناك شيء ينفعك.
فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: قد آن يا رب.. قد آن يا رب, نعم ألم يَانِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله, يقول: واغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله, دخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية:( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ).
من كتاب التوابين لابن الجوزي