(زينة- سعادة- ستر- سكينة) كلمات تتكرر في الحياة الزوجية كثيرًا، وفي الحقيقة أن لهذه الكلمات وقعها المؤثر في حياة الزوجين، وإذا كان الزوجين على دراية كاملة بالمفهوم الجميل لكل كلمة، لأصبحت حياتهما الزوجية في غاية السعادة.
1. الزينة الساحرة:
يتفق الجميع أن الإنسان ذكرًا كان أم أنثى يحب الجمال، والنظافة والروائح الزكية، ولكل حاسة من حواس الإنسان متعة ولذة، فالعين تستمتع بالنظر، والأذن تستمتع بالسماع، والأنف تستمتع بالرائحة الطيبة وهكذا (فالزينة التي نقصدها بين الزوجين هي زينة الحواس، فتلبس الزوجة لزوجها ما يحب، وكذلك الزوج يتزين لزوجته ما تحب أن تراه فيه، وتتطيب الزوجة لزوجها بما يحب وفي المكان الذي يحب، وكذلك الزوج، وتُسمع الزوجة الزوج الكلام الذي يحب أن يسمعه، وكذلك الزوج فهذا هو مفهوم الزينة، وهو الجمال في الرائحة والكلام واللباس، وكما أن على المرأة أن تكون زينة لزوجها، كذلك يجب عليه ما يجب عليها) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(25)، بتصرف].
وليس معنى أننا نتكلم عن زينة الزوجة أن تلهث المرأة خلف بيوت الأزياء ومصمميها، وأساتذة التجميل، فنحن نقول للزوجة إن كل أنثى في هذه الكون تحب أن تكون أجمل امرأة، وأن يظهر ذلك عليها، فهي فطرة فيها.
والإسلام لا يقاوم رغبة المرأة في التزين، ولكنه يضبط هذه الرغبة وينظم هذه الفطرة، ويجعلها موجهة للزوج.
وعندما نتكلم عن الزينة، لا نطالب الزوجة فقط بأن تكون متزينة لزوجها، بل نطلب من الزوج أيضًا أن يراعي ذلك الأمر، بأن يتزين هو الآخر لزوجته، وقد النبي صلى الله عليه وسلم يتزين، ويهذب شعره، وهو الذي قال أن الله عز وجل جميل يحب الجمال، وقد تعلم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتزينون لزوجاتهم، فها هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه يقول: (إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي) [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، (5/97)].
فلا تهمل في مظهرك أمام زوجتك، ولتحرص أن تشم زوجتك منك الرائحة الطيبة، وأن تراك بأجمل مظهر، فكما تحب أن ترى زوجتك تلبس لك الملابس الفاتنة، كذلك احرص أنت على فعل ذلك أولًا، وستجد أن زوجتك تفعل ما تتمناه بنظرة عينك.
2. السعادة الأبدية:
إن السعادة من أكثر الكلمات التي تتردد في الحياة الزوجية إن لم يكن أكثرها، فمن صفات السعيد: الرضى والقناعة، (ولو تعرفنا على شخصين حديثي الزواج، ولكن طبع الأول أنه دائمًا يشتكي من كل شيء ويتذمر ولا يرضيه شيء، والآخر سهل بسيط قنوع بقدر الله، ولدى الأول مشاكل بسيطة، والثاني مبتل بأسرته وأبنائه، فلو سألنا الاثنين معًا: كيف حالكما بعد الزواج؟ لقال الأول: مشاكل في مشاكل، ولا أجد طعم الراحة أبدًا.
ولقال الثاني: الحمد لله على كل حال، لو كشف لك غطاء الغيب لما اخترت إلا الواقع، والآن أيهما سعيد في حياته؟ لاشك أنه هذا الذي يتمتع برضى وقناعة، ذلك أن سعادة المرء إنما تنبع من داخله) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(7)].
فكن مقتنعًا بالقليل تمتلك الدنيا وما فيها، وكن جليلًا عظيمًا في نفسك، قنوع برزق الله تبارك وتعالى لك، واصبر على قضاء الله وقدره، وتذكر قول الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وعليك أنت وزوجتك أن تعلما أن السعادة لن تصل إلى قلوبكما، ولن تحف بيتكما إلا إذا كنتما حقًا راضيان برزق الله لكما، وتكون القناعة شعاركما في مواجهة أي مشكلة أو ابتلاء، حينها اعلما جيدًا أيها الزوجان أنكما ستكونان أسعد زوجان في العالم، لأنكما ستنمان بالليل، وبالكما مرتاح.
3. السِتر الجميل:
(الحياة الزوجية مليئة بالأسرار الكثيرة التي يجب ألا يطلع عليها أحد، فللزوج أسراره التي لا يعلمها إلا الزوجة، وللزوجة أسرارها التي لا يعلم بها إلا الزوج، ولكل منهما أسرارهما المشتركة، وكل من الزوجين ستر للآخر وحافظ لأسراره أمين عليها، فلا يجوز إفشاء هذه الأسرار ولا البوح بها على الإطلاق، ومن أهم ما يجب على الزوجين كتمانه وعدم البوح به ما يكون من مباشرة كل منهما الآخر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشر الناس منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) [رواه مسلم].
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (يفضي وتفضي): أي يباشر أحدهما الآخر ويجامعه) [عش الزوجية، سلمان بن ظافر عبد الله الشهري، ص(101-102)، بتصرف].
أيها الزوج، إن الإنسان قد يكون حريصًا على حماية بيته من الغرباء، ولكنه قد يفشل في حمايته من نفسه، فيقوم الزوج بوصف الرجل لزوجته رأي العين، وهذا الوصف له أثر بالغ في كيان الإنسان باعتبار طبيعة التخيل، بل إنه يكون خطيرًا لأنه مرتبط بالشوق إلى رؤية الموصوف، والكلام أيضًا يحدث حينما تقوم المرأة بوصوف المرأة لزوجها، فيحدث نفس الاشتياق إلى رؤية ذلك الشخص في نفس الزوج.
4. السكينة والسعادة الزوجية:
إن السكينة تعني الاستقرار الزوجي، فتكون الزوجة قرة عين لزوجها، لا يعدوها إلى أخرى كما يكون قرة عين لامرأته لا تفكر فيغره، فالزوجة هي في الحقيقة السكن، والزوجة سيكن لدى الزوجة، والسكن هنا ليس مجرد جدران وسقف ولكنه شيء أعمق بكثير من ذلك، فالسكن هو (سكينة النفس، وطمأنينتها واستقرارها، فالسكن هو الحماية والأمن والسلام والراحة والظل، والارتواء والشبع والسرور، والسكن قيمة معنوية وليس قيمة مادية، ولأن السكن قيمة معنوية فإن الزوج يجب أن يدفع فيه أشياء معنوية، وهو أن يتبادل المودة والرحمة مع الزوجة، فهذا السكن يقام على المودة والرحمة، فالمودة والرحمة الأساس والهيكل والمحتوى، وبغياب المودة والرحمة ينهار السكن، وجاء السكن سابقًا على المودة والرحمة، إذ لابد للإنسان أن يسكن أولًا، أن يختار المرأة الصالحة، ويتقدم إليه ويتزوجها ليتحقق السكن، فالمودة والرحمة لا تقوم إلا من خلال وفي إطار الزواج) [متاعب الزواج، عادل صادق، ص(182)، بتصرف يسير].
إن السكن أيها الأزواج بما فيه من معاني الطمأنينة والسكون واستقرار وراحة، هو الهدف من وجود البيت السعيد، فليس الهدف هو مشغلة الفكر والبال، والتعب والقلق والاضطراب في الحياة الزوجية، وإنما هو السكن والهدوء والراحة.
ولتنظري أيتها الزوجة إلى تلك القصة الرائعة حينما تكون المرأة سكن للزوج، وتكون متفانية في خدمته، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأفرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنَّ نسوة صدق.
وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي منِّي على ثلثي فرسخ، فجئتُ يومًا والنوى على رأسي، فلقيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: (إخ إخ)؛ ليحملني خلفه، فاستحييتُ أن أسير مع الرجال، وذكرتُ الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى.
فجئتُ الزبيرَ فقلتُ: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييتُ منه، وعرفتُ غيرتك.
فقال: والله، لحملك النوى كان أشد عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني) [متفق عليه].
وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم خدمة أسماء لفرس زوجها، كما قال ابن القيم: (ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والنوى على رأسها والزبير زوجها معه لم يقل له صلى الله عليه وسلم: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهن، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية) [زاد المعاد، ابن القيم، (4/33)].
ماذا بعد الكلام؟
ـ بالنسبة للزينة: فليحرص كل منكما على التزين للآخر، فما أجمل أن تقوم المرأة بشراء ثوب جميل ولونه رائع، ثم تقوم بارتدائه أمام زوجها حينما يرجع إلى المنزل، وتكون متعطرة بأجمل العطور، وكذلك الزوج أن يحرص على نظافته الشخصية بالاغتسال ولبس أجمل الثياب أمام زوجته.
ـ اعلما جيدًا أن السعادة، تكون بالرضى والقناعة، وذلك من خلال أن يرضى كل منكما عن الآخر، وتقنعان برزق الله لكما.
ـ لا يفضح أي منكما الآخر، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة الحميمية بينكما، ولا يتحدث أي منكما عن أي سر من أسرار شريك الحياة، أمام الناس حتى ولو كانوا من الأقارب كالوالدين وغير ذلك.
ـ كوني أيتها الزوجة سكن حقيقي لزوجك، ابحثي عن مطالبه ونفذيها له بنفس راضية، واعلمي أن هذا هو الطريق لتملكي قلب زوجك.