لا للعناد في الحياة الزوجية
(عصفور وعصفورة:
في حديقة الحيوان، نظر الزوج إلى طائر صغير وأخذ يتأمله مع زوجته، ثم قال: ما أجمل هذا العصفور.
فأجابت الزوجة: عفوًا إنها عصفورة.
فقال الزوج: عصفور.
فقالت الزوجة: عصفورة.
وتشبث كل منهما برأيه، واحتدم الجدال، وتحول إلى مناقشة فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل.
وبعد مضي سنة تذكر الزوج هذه الحادثة فقال لزوجته ضاحكًا: أتذكرين تلك المشاجرة البلهاء بخصوص العصفور؟
فقالت: نعم أذكر، كادت أن تُحدث بيننا أزمة كبيرة بسبب عصفورة.
فقال الزوج: عصفورة!!، ولكنها لم تكن عصفورة، بل عصفور.
قالت: كلا، بل عصفورة.
واحتدم القتال من جديد!!، كم هناك من عصفور وعصفورة وراء المشاجرات!) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(425-426)].
إنها الطبيعة:
إن الزوجين ما إن يدخلا بيتهما، إلا ولا مفر من وجود الخلافات بينهما حول بعض الأمور، ولكن ما يُفرِّق بين بيت سعيد وبيت يشوبه الضيق، هي كيفية مواجهة هذه الخلافات، فالزوجان السعيدان يتصرفان بذكاء اجتماعي كبير تجاه هذه الخلافات، فتجد الزوج يجلس مع زوجته ويضعا نقاط الاتفاق بينهما حول الموضوع، أما نقاط الاختلاف فيبدأون بالتوصل إلى حل وسط في سبيل استقرار البيت.
أما على النقيض، فهناك بعض الأزواج يكون العناد هو أساس التعامل، فالزوج يتشبث برأيه حتى لا يخدش ذلك كبرياءه ـ كما يظن ـ ويظهر أمام زوجته بمظهر الضعيف، وهي كذلك تظل متمسكة برأيها حتى لا تتنازل فتظهر أمام زوجها أنها ضعيفة الشخصية.
إن الخلافات والفشل في المواجهة ووجود بعض المشكلات أمر لا مفر منه بين الزوجين، فكلنا يميل لأن يرى الأمور بصورة مختلفة نوعًا ما، ونحن مقتنعون بأننا على حق، لدرجة تجعلنا نستخدم مناقشات الآخرين بصورة ندعِّم بها مواقفنا، وهذا مرده في المقام الأول أننا ننظر بصورة خاطئة للأمور وحتى عندما لا نكون على حق (فمن السهل أن نلقي باللائمة على شريك حياتنا، أو على موضوع ما، أو نقاش ما، أو خلاف ما أو حتى عدم اتفاق كمبرر لعدم سعادتنا، إلا أن الواقع يشهد أن الجاني الحقيقي في أغلب الأوقات هو عنادنا الشخصي، وعدم استعدادنا في التنازل عن حاجتنا أن نكون على صواب دائمًا) [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، ريتشارد كارلسون وكريستين كارلوسون، ص(368-369)، بتصرف].
عندما يكون اللسان السبب:
إن شرارة العناد بين الزوجين تبدأ حينما يتلفظ أحد طرفي الحياة الزوجية بكلمة جارحة للطرف الآخر، فتكون هذه الكلمة كالجراثيم التي تدخل جسم الإنسان حيث يبدأ الجسم في بناء المضادات والدفاعات للتصدي لهذه الجراثيم، فهكذا يبدأ أحد شريكي الحياة بتكوين الدفاعات ضد هذه الكلمات الجارحة، فإذا كان هناك موقف بعد ذلك فيه أيضًا كلمات جارحة، سيكون رد الفعل المعاند من قبل شريك الحياة تجاه هذه الكلمات.
وكما قيل في المثل الإنجليزي: (العصا والأحجار يمكن أن تكسر عظامي، ولكن الكلمات تحطم قلبي).
(إن من المعتاد أن تخرج المناقشات الأسرية عن إطارها إذا ما أخطأ أحد الطرفين أو كلاهما، وسب الآخر ونعته مثلًا ب"غبي" أو "مغفل" فقد يحدث في إحدى المشاحنات بين الزوجين أن يعترض الزوج مثلًا على شيء قالته زوجته فيقول: (إن هذا بالتأكيد غباء), وربما أضاف أيضًا: (أنا لا أعرف ما الذي يُفترض أن يكون معنى ما قلتيه؟) [أنا لا أقول لك ذلك إلا لأني أحبك، ديبورا تانين، (ص106)].
بل نحن لا نكون مبالغين إن قلنا (إن الكثير من الأزواج يحفروا قبور سعادتهم الزوجية تدريجيًا، التي قد لا ينتبه لها الأزواج في أول الأمر) [كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي، (ص256)، بتصرف يسير].
إن الألفاظ والعبارات التي تسبب العناد في الحياة الزوجية مثلها كمثل المسدسات المليئة بالرصاصات، فإذا اختار أحد الزوجين أن يطلقها، فيجب أن يصوبها إلى أهداف، لا أن يطلق اللفظ كما يطلقه طفل على غير هدى مغمضًا عينيه، مكتفيًا بلذة سماع الانفجار [مستفاد من علم النفس والأدب، سامي الدوبي].
النبي القدوة:
لنتأمل سويًا أيها الأزواج في حال النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان مثالًا يحتذى به في إزاحة مقدمات العناد في الحياة الزوجية، فها هو صلى الله عليه وسلم، كان محافظًا على مداعبة عائشة رضي الله عنها، ليزيح به أي توتر يشوب العلاقة بين الزوجين.
فهل رأيت كيف كانت معاملته مع عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي الفتاة صغيرة السن، فكان يعاملها بلطف، فكان يدخل عليها السرور بفعله وعباراته، فعلى على الرغم من فارق السن الكبير بينهما، إلا أن هذا لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يعاملها كزوجة لها حقوق وواجبات.
فعن عائشة أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم، قالت: (فاطلعت من فوق عاتقه, فطأطأ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم منكبية، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت) [رواه أحمد].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: (هذه بتلك السبقة) [صححه الألباني]
(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدرك تمام الإدراك أي أثر يصنعه ذلك التنازل والمشاركة مع الزوجة، وأي رسالة ستعلمها من تلك التصرفات, فإنها تسمعه يقول لها: إني أحبك، ولولا ما أنا فيه من انشغال لقضيت العمر كله معك) [أوراق الورد وأشواكه ، د. أكرم رضا].
مشهد عناد:
(وقف أحد الأزواج يرن جرس الباب وزوجته بالداخل نائمة لا تفتح، وحجتها في ذلك أن معه مفتاحًا للباب، فلماذا يرن الجرس ويزعجها بالنهوض لفتح الباب له واستقباله؟ وتعتبر ذلك نوعًا من الاستعباد لمجرد السيد الرجل وسيطرته، وظلت تهذي بهذه الأفكار المنكرة على الرغم من أنها رأته حاملًا في كلتا يديه بعض طلبات البيت من خبز وفاكهة وخلافه، وأنه كان يستعين ببعض ما تبقى له من أجزاء يده في رن الجرس وظلت تبادله الحجة بالحجة وتجادله وترد عليه كلمة بكلمة، وأنه كان بإمكانه وضع ما معه على الأرض، حتى يفتح الباب بالمفتاح ثم يحمل هذه الأشياء مرة أخرى، فهل هذه زوجة تنشد الاستمرار والنجاح مهما كان زوجها صبورًا واسع الصدر؟
إن عناد الزوجة وتصلب رأيها ومخالفتها الزوج، كل هذه الأمور تدفع الزواج على طريق شائك، قد ينتهي بما لا تشتهيه النفوس، والكثير من الأزواج يشكون زوجتي عنيدة، وهو لا يعلم أن عنادها قد يكون هو السبب فيه، فإن تسلط الزوج أحيانًا، وعدم استشارته للزوجة في أمور المعيشة وتحقير رأيها، والاستهزاء به قد يدفع الزوجة في طريق العناد.
فهناك بعض الأزواج لديهم أفكار خاطئة عن خيبة وفساد رأي المرأة، وأن مشورتها تجلب خراب البيوت، وهذه الأفكار فوق أنها حمقاء فهي بعيدة كل البعد عن هدي الإسلام، وتكفينا هنا الإشارة إلى مشورة أم سلمة رضي الله عنها التي كانت سببًا في نجاة المسلمين من فتنة معصية الله ورسوله) [حتى يبقى الحب محمد محمد بدري، ص(428)].
ماذا بعد الكلام؟
ـ اعلم أيها الزوج أنك كلما قللت من الأسباب التي تجعلك تتشاجر مع شريكة حياتك، كان هذا أقرب إلى أن تكون علاقتك الزوجية بها أفضل من ذي قبل.
ـ إذا كنتِ أيتها الزوجة تتشاجرين مع زوجك على الأشياء التافهة، فبذلك تجعلي من نفسك جزءًا من مشاكلك مع زوجك.
ـ حينما كنا صغارًا كنا نستخدم أساليب الأطفال للحصول على ما نريد مثل الصراخ والصياح، أما الآن فأنتِ وزوجك تبنيان صرحًا سيخرج فيما بعد أناسًا يحملون الأمانة من بعدكما، فلذلك لا تنسيا أن تطبقا ما يلي:
ـ من المهم أن يكون التسامح سمة أساسية في التعامل بينكما، فإذا بدر من أحد منكما شيء فليتغافل عنه الآخر، لأنها طبيعة النفس البشرية أن تخطئ، وإذا تكرر الأمر لا يكون العلاج بالصراخ والغضب، ولكن بالنصح الجميل الذي يشوبه عاطفة الحب لشريك الحياة.
ـ لا للعناد في الحياة الزوجية، فيجب أن يكون الزوجان متفاهمين، فيظهر ذلك من خلال طيب الكلام والبعد عن الكلمات الجارحة.
المصادر:
· حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
· أوراق الورد وأشواكه ، د. أكرم رضا.
· علم النفس والأدب، سامي الدوبي.
· كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي.
· لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، ريتشارد كارلسون وكريستين كارلوسون.
· أنا لا أقول لك ذلك إلا لأني أحبك، ديبورا تانين.