الوسيلة الساحرة
تعالت ضحكات كريم ورفاقه في منزل صديقهم عبد الرحمن، والذي أعد لهم وليمة بمناسبة ترقيته الجديدة.
وكانت تلك الضحكات بسبب صديقهم شريف، الذي كلما قابلوه أخذ يتذمر من حياته الزوجية، وأنه لا يعرف كيف يرضي زوجته على الرغم من الحب المتبادل بينهما.
قال شريف في ضجر: (والله يا كريم لا أعرف كيف أرضيها؟ على الرغم من المجهود الجبار الذي أبذله في عملي، ولكنها دائمًا تقول: أنت لم تعد رومانسيًّا كما كنت قبل الزواج!! هل تريدني أن أبعث لها بخطاب غرامي كل يوم قبل النوم مثلًا؟!).
أجابه كريم ضاحكًا: (كلا يا شريف، لا يُشترط أن تكون الرومانسية عند الزوجات بالخطابات الغرامية أو الرسائل المليئة بعبارات الحب والهيام، ولكن يكفيك هدية صغيرة، عبارة رقيقة وهكذا؟).
اعتدل شريف في جلسته وبدت عليه الجدية وقال: (حسنًا، أخبرني يا كريم بالله عليك، فقد تعبت من الجهد الضائع الذي أبذله لإسعاد زوجتي).
قال كريم في هدوء: (أتعلم يا شريف أن النساء لا يتعاملن مع الهدايا باعتبار قيمتها أكثر من تعاملهن معها باعتبار عددها وتعبيرها عن الحب؟).
قال شريف وقد بدا عليه عدم الفهم: (ماذا تعني؟).
قال كريم: (أعني أنك لو تهدي لزوجتك وردة كل أسبوع أو هدية صغيرة لا تكلفك بضعة جنيهات، أفضل عندها بكثير من أن تهديها هدية غالية كل ثلاثة أشهر، وهذا ما جربته بنفسي مع زوجتي إسراء، فكل أسبوع أهديها وردة أو كتيبًا صغيرًا أو بعضًا من أدوات الزينة غير المكلفة، ولا تتخيل حجم السعادة التي تكون فيها عندما أعطيها تلك الهدايا الصغيرة).
بدا شريف مقتنعًا بالكلام وقال: (حسنًا، سأجرب طريقتك هذه يا كريم، لعلها تنجح بإذن الله، ولكن يبدو أنك على حق، فهي بالفعل كثيرًا ما تخبرني أشياء من هذا القبيل، ولكني كنت أتجاهلها).
قال كريم: (جرِّب يا شريف ولن تخسر شيئًا، بل بالعكس ثق تمامًا أن النساء يعشقن هذه النوعية من الهدايا الصغيرة المتكررة، عوضًا عن الهدايا الكبيرة التي لا تأتي إلا في المناسبات).
وسيلة ساحرة:
أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية واديان من إبل وغنم، فأسلم صفوان وحسن إسلامه ثم سخَّر كل ما يملك لخدمة الإسلام، فعن صفوان بن أمية قال: (لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) [رواه مسلم].
تعتبر الهدية من أقوى الوسائل لترابط القلوب وتآلفها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها؛ فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تهادوا تحابوا) [رواه البخاري].
إن الهدية من أقوى الوسائل لترابط القلوب وتآلفها، وللهدية أهمية كبيرة في جذب غير المسلمين إلى الإسلام، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها؛ فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تهادوا تحابوا) [رواه البخاري]، (عبارة موجزة جامعة، قالها من آتاه ربه جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وصارت علامة لنا على طريق بناء العلاقة القوية، وإظهار المشاعر الصادقة، فالهدية تعبير سهل ومؤثر عما في داخل النفس من عاطفة وود.
ولقد كان لي أخ كثيرًا ما يحدثني عن أهمية استخدام الهدية كوسيلة فعَّالة في الدعوة إلى الله، ويجزم لي بأن لها أعظم الأثر في نفوس الآخرين، ولكني كنت أستثقل ذلك، وظل يحثني على إعطاء الهدية حتى جربت ذلك مع أحد أصدقائي ففوجئت بروعة أثرها في نفسه، ومن يومها وأنا أقدِّر قيمة الهدية) [سحر الاتصال، محمد أحمد العطار، ص(64-65)].
الهدية والسعادة الزوجية:
وللهدية دور بالغ في توطيد العلاقة الزوجية، فهي تزيد المحبة، وتجبر الخواطر، وتطرد وسواس الشيطان في الحياة الزوجية، ولها ذكرى طيبة تدوم مادامت أمام العيون، وتترك هدية السفر انطباعًا خاصًّا؛ لأنها نابعة من بحر الشوق ومعاناة الغربة، وليست العبرة بأن يكون ما تهديه لزوجتك ماديًا، بل العبرة بصدق التوجه وحسن التقويم، إذ لا أهمية لدى المرأة لحجم هدايا الحب.
ورود الحب:
في استبيان قُدِّم للزوجات، وكان من ضمن أسئلته:
أيهما أحب للمرأة؛ أن يشتري الزوج أربعًا وعشرين وردة ويقدِّمها لزوجته في يوم واحد؟ أم يشتري أربعًا وعشرين وردة ويقدمها مقسمة على أربع وعشرين يومًا؟ فكان الجواب بالإجماع من الزوجات أن يشتري لها كل يوم وردة على مدار الأربع وعشرين يومًا.
(وهكذا أيها الزوج الفاضل قد تحضر لزوجتك عشرين وردة ـ مثلًا ـ فتفرح هي بها، وتظن أنت أن لك عندها بذلك عشرين نقطة، ولكن الحقيقة أنها لا ترى لها أكثر من نقطة واحدة أو نقطتين، فالذي يهمها في الحقيقة ليس الورد بحد ذاته، وإنما كونك قد فكرت فيها "نقطة واحدة"، وأنك فعلت شيئًا جميلًا معها يعبِّر عن حبك لها "نقطة أخرى"، كيف ذلك؟
فلنتصور أن عند المرأة خزَّانًا للحب ـ على حدِّ تعبير الطبيب النفسي الأمريكي والمتخصص في العلاقات الزوجية "د.جون جراي" ـ فإن هذا الخزَّان لكي يمتلئ إلى حافته يحتاج إلى كثير من الأشياء الصغيرة، وإلى الكثير من التعبير عن الحب، وعندما يمتلئ خزان الحب لدى المرأة؛ تشعر بحب شريكها لها، وهذا يمكِّنها أن تتعامل بمزيد من الحب والثقة، والتقبل والتقدير، والإعجاب والاستحسان والتشجيع، وهي كلها أشياء يحتاجها الرجل لتنجح علاقته بشريكته) [حتى يبقى الحب، د.محمد محمد بدري، ص(276-277)].
استحوذ على قلب زوجتك:
(إن مفاجأة سارة، أو نزهة قصيرة، أو هدية رمزية، أو كلمة تقديرية، أو تعبيرًا عاطفيًّا عميقًا، له أثر سحري في الحياة الزوجية فهو يجدد العاطفة فيها، حيث تتخللها هذه المواقف الإنسانية النبيلة، وذلك السلوك الرقيق، ولن يعدم الزوج المخلص بعض الوقت وبعض الكلام، وبعض المال لتحقيق ذلك) [نصائح للعرسان، د.محمد سعيد درويش، ص(105)].
فإذا أردت امتلاك قلب زوجتك، فاطرح على نفسك هذا السؤال اليومي: (كيف أستطيع أن أسعد زوجتي اليوم؟).
وستجد أن الكثير من الأمور الصغيرة يمكنها إدخال السرور عليها؛ مثل: إجراء اتصال هاتفي صغير من العمل للاطمئنان عليها، أو توجيه مديح لها على طعام أعدته، أو كلمة حب رقيقة أو هدية بسيطة.
أنت أيها الزوج الفاضل (وكل رجل يعرف كيف يغري امرأته على أن تفعل من أجله أي شيء، لو أنه أهداها بين الفينة والفينة شيئًا من الهدايا التي لا تُكلف مالًا يُذكر، مكافأة على حسن تدبيرها للبيت أو إجادة طهوها الطعام.
وكل رجل يعلم أنه لو قال لامرأته: (كم يبدو جمالك رائعًا وضاءً في ثوب العام الماضي)؛ لما رضيت أن تستبدل بهذا الثوب القديم أحدث المبتكرات من الأزياء، وكل رجل يعرف أن في وسعه أن يُقبِّل زوجته فيُغمضها حتى تكاد تكون كالعمياء، وأنه يستطيع أن يطبع على شفتيها قبلة تفقدها القدرة على النطق) [كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي، ص(276)].
كيف تختار الهدية؟
يضع توني بوزان بعض الوسائل التي تعينك على أن تختار هدية جيدة لزوجتك، يقول:(إذا كنت تريد أن تعلق هديتك بالأذهان، ونتيجة لذلك تعلق أنت ذاتك بالأذهان؛ فحاول أن تجعلها بارزة ومختلفة، كأن تكون مثلًا باقة ورد متميزة، أو حلية صغيرة، ولا يلزم أن تكون مثل تلك الهدية بالغة الضخامة، أو باهظة الثمن، بل إن أي شيء يوضح أنك كنت تفكِّر في شريكك وفيما يحب يفي بالغرض) [قوة الذكاء الاجتماعي، توني بوزان، ص(45)].
إذًا؛ حاول أن تختار هدية متميزة ومناسبة لشريك حياتك، بحيث تُعجبه وتعلق بذهنه فيَذكُرك بها حتى تزداد محبته لك.
وعليك أن تختار الوقت المناسب للهدية، ويمكنك استغلال بعض المناسبات لتقديمها؛ مثل: الشفاء من المرض، الرجوع من السفر، النجاح في الامتحانات، التميُّز في العمل.
ماذا بعد الكلام؟
1- أنت تعرف شخصية زوجتك جيدًا فلذلك اختر الهدية التي تتناسب مع زوجتك، فمثلًا قد تكون زوجتك من عشاق البرفانات، فاشتري لها عطرًا تحبه، بحيث تتفاعل معه انفعاليًا وعاطفيًا.
2- قدِّم الهدية بطريقة عاطفية لتمتلك قلب شريكك؛ فمثلًا يمكنك أن تجعل زوجتك تعصب عينيها لأنك تريد أن تقدم لها شيئًا، ثم بعد ذلك تعطيها الهدية، بحيث تتفاجأ بها.
3- قدِّم الهدية بنفس طيبة ووجه طلق.
4- استغل المناسبات لتقديم الهدية المناسبة ولتنمية الحب في القلب.
المصادر:
· حتى يبقى الحب، د.محمد محمد بدري.
· قوة الذكاء الاجتماعي، توني بوزان.
· نصائح للعرسان، د.محمد سعيد درويش.
· كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس، ديل كارنيجي.
· سحر الاتصال، محمد أحمد العطار.