بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بارئ البريات، وغافر الخطيات، وعالم الخفيات،
المطلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شىءٍ علماً، ووسع كل شىءٍ رحمة وحلماً،
وقهر كل مخلوقٍ عزةً وحُكماً ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ) طه: 110
وصلَّى الله على خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وإمام العلماء، وأكرم من مشىَ تحت أديم السماء، محمدٍّ نبىِّ الرحمة، الدَّاعى إلى سبيل ربه
بالحكمة، والكاشف برسالته جلابيب الغُمَّة، وخير نبىٍّ بٌعثَ إلى خير أُمَّة، أرسلَه الله بشيراً ونذيراً، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعـــــــــد
يقول سائِل كيف تكون الوقفات الفِئوية التي تُطالب بالحقوق الشرعية مخالفة لرب البرية؟ والجواب يتمحور على ثلاث محاور :
أولا: مخالفة رب البرية لمخالفة وليِّ الأمر.
ثانيا : مخالفة وصية النبي صلى الله عليه وسلم بضياع الحقوق
ثالثا : معاونة الظالمين.
وسوف أَتكلم عن كل محور بشىئٍ من التفصيل بإذن الله العليم القدير
أولا: مخالفة وليَّ الأمر
إن المجلس العسكري الذي يحكم البلاد الأن يَمنع هذه الوقفات الفئوية مِن باب الصالح العام، وإِطاعته واجبه لإنه ينزل منزلة وليِّ الأمر بِحكم
( الرضا والغلبة والقوى ) فلا يجوز معصية أمره طالما يُطيع الله ورسولة ولا يَأمر بمعصية
قال تعالى: (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء:59
وعن ابن عباس قال: قوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) يعني أهل الفقه والدين واْهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم.
ويأمرونهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على العباد) أخرجه الحاكم فى المستدرك .
قلـــــت
والآيه بدأت بلزوم الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم طاعة ولي الأمر الذي إذا أطاع الله ورسولة وأمر بمعروف ولم يأمر
بمنكر وجب علينا طاعته، وإذا أمر بمنكر فلا طاعة له علينا ووليِّ الأمر هنا يُراد بهم أمراء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
وبعده ، ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة وأولياء الأمور من الحكام وأمراء السرية . فَأمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بِالعدل تنبيهاً على أنَّ وجوب طاعتهم ما داموا على الحق
وعن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " رواه البخاري
وعن علي رضي الله عنه، قال: بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه) فغضب وقال: أليس
قد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دَخلتم فيها. فجمعوا حطبا
فأوقدوا نارا، فلما همّوا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فراراً من النار أفندخلها؟
فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لو دخلوها ما خرجو منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف " رواه البخاري
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيف فقال: " نَضَّر الله عبداً سمع مقالتىَ فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والطاعة لذوي الأمر، ولزوم جماعة
المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " مستدرك الحاكم وعلى شرط الشيخين
ثانيا: مخالفة وصية النبي صلى الله عليه وسلم
إن تجمع الناسَ في الطرقات وعلى الأرصفة في الشوارع العامة وأمام المصالح الحكومية وغيرها فيه مخالفة صريحة لأِمر النبي صلى الله عليه
وسلم الذي أَحق لِكل شىئٍ حقه ألا وهو حق الطريق .
فعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى قال:" إياكم والجلوس فى الطرقات "قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال:" فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال:" غض البصر ، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر" رواه البخاري ومسلم
قلــــــت:
والحديث بدأ بلفظ ( إياكم ) هو نهي صريح من النبي المعصوم عن الجلوس أو الوقوف في الطرقات والنهي هنا للتحريم إِن لم يصرفه صارف للكرهه . فهل الذين يقومون بالتجمعات من الرجال والنساء في حلقات في الشوارع العامة لم يسمعوا بهذا الحديث؟ وناهيك عن المنكرات فهذه الوقفات من إختلاط وسفهات وأفعال لا يرضى عنها شرع ولا عرف ولا عقل. وهل هؤلاء بفعلهم هذا يعطيون الطريق حقه؟ .
الحق الأول: غض البصر
البصر نعمة، من أعظم النعم، ما أنعم الله بها علينا لنستخدمها فى معصية لنطلق العنان لهذا البصر إلى ما حرم الله، وإنما لتستخدم هذه النعمة فى
مرضاة الله وطاعة الله .والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب ،وأعمر طرق الحواس إليه ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته . ووجب التحذير منه وغضه واجب عن جميع المحرمات ، وكل ما يخشى الفتنة من أجله
قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ) النور: 30 ـ 31
وقال تعالى: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) الإسراء: 36
الحق الثاني: كف الأذى
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال:" الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ". الصحيح
إن ما يحدث بهذه التجمعات الفئوية هو عين الأذى بأنواعِة والأذى يتعلق بالمال، أويتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض تحقيقاً.
والكف أنواع وألوان : منها كف النفس عن خواطر السوء وكف العقل عن الريبة والشك والظن وكف اللسان عن كلمة الأذى والعين عن النظر إلى الحرام واليد والجوارح عن المعاصي فهل الماره في الطرقات والمجتمع لا يصيبه شىئ من هذه الأنواع بسبب هذه الوقفات؟ وهل متطلبات مصر في هذه المرحلة الحرجة تحتاج لهذه الوقفات !؟ أم نحتاج فيها للبناء
والعطاء والإنتاج .
الحق الثالث: رد السلام
قال تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء: 86
وعن عبد الله بن سلام أنه قال: سمعت رسول الله يقول:" أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا لله بالليل والناس نيام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام " رواه أحمد بسند صحيح
وعن بن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم سأل: أى الإسلام خير؟ قال:" تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " الصحيحين
وعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولاً أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم .
لقد أجمعت الأمة بلا خلاف أن الابتداء بالسلام سنة، وأن رد السلام فريضة .فهل هؤلاء الذين انشغلوا بالهتافات والتصفيق والنعير يردون السلام على أحد؟ . والناس لم تسلم منهم بتعطيل مصالحهم وسد الطرق عليهم .
الحق الثالث: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
قال تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) آل عمران: 110
وعن أبى سعيد الخدرى:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم .
إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حق جليل كبيرعظيم، فهو الأصل الأصيل فى هذا الدين وهو أشرف المهام التى بعث الله بها النبيين والمرسلين. وقد استشرى المنكر وأقل من يؤدى هذا الحق من المسلمين إلا من رحم ربك لا سيما فى هذه الأيام .
ولقد أجمع أهل العلم على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين. بضوابطه الشرعية المعروفة
فأنا لهذه التجمعات الفئوية أنَّ تنهى عن المنكر وهي في منكر وتأمر بالمعروف وهي لا تعرف المعروف !؟
ثالثا: معاونة الظالمين
كلنا نعلم جيدأ بأن الزمره الظالمة الغاشمة التي كانت تحكم البلاد وتتحكم في العباد لا تريد لهذا الشعب الخير، ولا لهذه البلاد الإستقرار، وذلك من أجل مصالحها الشخصية التي طالمت باتت عليها في زمن ظلماتهم. وهم يدبرون الحيل والمؤمرات من أجل
البلبله وإثارة الفوضى وعدم نجاح الثورة والسعي لعمل ثورة مضادة ، حتى لا ينكشف سرهم ويُفضح فسادهم أكثر من هذا .
والوقفات الفئوية هذه شوكه في ظهر الثورة لإنها تفرق الجمع وتزيد الثقل وتكبر المشكلات وتمنع الإنتاج وتزيد المشقة على الجهات الحكومية المسؤولة والوزرات المعنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد .كما أنها عوناً للظالمين على تنفيذ مآربهم وفرصة لهم حتى يندس بطانتهم السيئة من
بلطجية وأصحاب سوء لتزيد الأمور وتتطور الأحداث وتقف عجلة الإنتاج ونخسر أكثر مما خسرنا.ولذلك يجب علينا أن نفهم ما يخطط لنا من تلك الفئة الظالمة وألا نفسد هذه الثورة بهذه المطالب الفئوية ونقدم مصلحة الأمة والمجتمع والجماعة عن المصالح الفئوية والفردية .ويجب أن نعلم بأن الثوار الأحرار هم الذي يثورون من أجل الظلم والطغيان والفساد وإذا تحققت هذه المطالب تفرغوا للأصلاح والبناء.
أخيراً: طريق المطالب
لا أحد يقف أمام المطالب الفئوية لإنها مطالب حقوقية وشرعية ولكن الطريق السليم لهذه المطالب ليس بالوقوف في الطرقات وأمام الوزرات ولكن على أصحاب هذه المطالب أن يحرروها في كتاب لهم وترفع إلى مجالس الإدارة أو النقابات المهنية لرفعها إلى المحافظين ثم إلى الوزيرالمعين أو المفوض التابع له قطاع العمل ليقدمها إلى رئيس مجلس الوزراء.
وبهذا الفعل المنظم يكون قد ساعدنا الوزارة في تأدية عملها ودارت عجلة الإنتاج التي نحتاج إليها في جميع القطاعات ومؤسسات الدولة بكل أنواعها لأنه وقت البناء والعمل حتى نَعيد بناء هذا الوطن وتَصبح مِصر في مقدمة الدول ورائدة الأمم
هذا والله أعلم
اللهم أحفظ علينا الأمن والأمان والنعمة والسلام
وأخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين
اسم المقالة:
الوقفات الفئوية ومخالفة رب البرية 
تاريخ الاضافة:
22/03/2011 
الزوار: 1615
الصفحة الرئيسية 
السيرة الذاتية للشيخ 
قســـم الفــتاوى 
قتـــاوى الشيخ 
قســـم المقــالات 
مكتبة الكتب 
ركـــن القـصــص 
الدروس الكتابية 
الـــقــران الــكـريم 
المـكتبة الـمــرئية 
الخـطب والـدروس 
ركــن الانـاشــــيد 
ادعــيــة واذكـــــار 
البرامج الاسلامية 
تــواقيـع اسلامية 
خلفيات اسلامية 
ركــن الــفلاشـات 
شـاشــات تــوقف 
الـجـوال الـدعــوي 
دلـــيــل مــواقــع 
مـركــز التحـمــيـل 
الاحــصـــائــيـــات 
ســجــل الــــــزوار 
اخـبـر صــديــقــك 
اتـــصـــل بــــــنـــا