بسم الله الرحمن الرحيم
لا تَأْسَفَنَّ عَلَى الدُّنْيَـا وَمَـا فِيْهَـا
فَالمَوْتُ لا شَـكَّ يُفْنِيْنَـا وَيُفْنِيْهَـا
وَمَنْ يَكُنْ هَمُّهُ الدُّنْيَـا لِيَجْمَعَهَـا
فَسَوْفَ يَوْمًا عَلَى رَغْـمٍ يُخَلِّيْهَـا
لا تَشْبَعُ النَّفْسُ مِنْ دُنْيَـا تُجَمِّعُهَـا
وَبُلَغَةٌ مِنْ قِـوَامِ العِيْـشِ تَكْفِيْهَـا
اعمل لِدَارِ البَقَا رِضْـوَانُ خَازنُهَـا
الجَـارُ أحْمـدُ والرَّحمـنُ بَانِيْهَـا
أَرْضٌ لَهَا ذَهَبٌ والمِسْـكُ طِيْنَتُهَـا
وَالزَّعْفَرانُ حَشِيْـشٌ نَابِـتٌ فِيْهَـا
أَنْهَارُهَا لَبَنٌ محْـضَّ وَمِـنْ عَسَـلٍ
والخَمْرُ يَجْرِي رَحَيْقًا في مَجَارِيْهَـا
وَالطَّيْرُ تَجْرِي عَلَى الأَغْصَانِ عَاكِفَةً
تُسَبِّـحُ اللهَ جَهْـرًا فـي مَغَانِيْهَـا
مَنْ يَشْتَرِي قُبَّةً في العَـدْنِ عَالِيـةً
في ظَلِّ طُوبـى رَفِيْعَـاتٍ مَبَانِيْهَـا
دَلالُهَـا المُصْطَفَـى واللهُ بَائِعُـهَـا
وَجُبْرَئِيْـل يُنَـادِي فـي نَوَاحِيْهَـا
مَنْ يَشْتَرِيْ الدَّارِ في الفِرْدَوْسِ يَعْمُرَهَا
بِرَكْعَةٍ في ظَـلامِ اللَّيْـلِ يُخْفِيْهَـا
أَو سَدِّ جَوْعَـةِ مِسْكِيـنٍ بِشِبْعَتِـهِ
في يَوْم مَسْغَبَةٍ عَـمَّ الغَـلا فِيْهَـا
النَّفْسُ تَطْمَعُ في الدَّنْيَا وَقَدْ عَلِمَـتْ
أَنَّ السَّلامَةَ مِنْهَا تَـرْكُ مَـا فِيْهَـا
وَاللهِ لَو قَنِعَتْ نَفْسِي بِمَـا رُزِقَـتْ
مِـنَ المَعِيْشَـةِ إِلا كَـانَ يَكْفِيْهَـا
وَاللهُ واللهِ أَيْـمَـانٌ مُـكَــرَّرَةٌ
ثَلاثَةٌ عَـنْ يَمِيْـنٍ بَعْـدَ ثَانِيْهَـا
لَوْ أَنْ في صَخْـرَةٍ صَمَّـا مُلَمْلَمَـةٍ
في البَحْر رَاسِيَـةٌ مِلْـسٌ نَوَاحِيْهَـا
رِزْقًًا لِعَبْـدٍ بَرَاهَـا اللهُ لانْفَلَقَـتْ
حَتَّى تُؤدِيْ إِلَيْهِ كُـلُّ مَـا فِيْهَـا
أَوْ كَانَ فَوْقَ طِباقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا
لَسَهَّـلَ اللهُ فـي المَرْقَـى مَرَاقِيْهَـا
حَتَّى يَنَال الذِي في اللَّوحِ خُطَّ لَـهُ
فَـإِنْ أَتَتْـهُ وإِلا سَـوْفَ يَأْتِيْهَـا
أَمْوَالُنَا لِـذَوِي المِيْـرَاثِ نَجْمَعُهَـا
وَدَارُنـا لِخَـرَاِب البُـومِ نَبْنِيْهَـا
لا دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ المَـوتِ يَسْكُنُهَـا
إِلا التي كانَ قَبْـلَ المَـوْتِ يَبْنِيْهَـا
فَمَنْ بَنَاهَا بِخَيْـر طَـابَ مَسْكَنُـهُ
وَمَنْ بَنَاهَا بِشـرِّ خَـابَ بِانِيْهَـا
وَالنَّاسُ كَالحَبِّ والدُّنْيَا رَحَى نَصُبِتْ
لِلْعَالمِيْنَ وَكـفُّ المَـوْتِ يُلْهِيْهَـا
فَلا الإِقَامَةُ تُنْجِي النَّفْسَ مِنْ تَلَـفٍ
وَلا الفِرَارُ مِنَ الأَحْـدَاثِ يُنجِيْهَـا
ولِلنُّفُوسِ وَإَن كَانَتْ عَلَـى وَجَـلٍ
مِـن المنيـة آمَــالٌ تُقَوِّيْـهَـا
فَالمَرْء يَبْسُطُهَـا والدَّهْـرُ يَقْبِضُهَـا
وَالبِشْرُ يَنْشُرهَا وَالمَـوْتُ يَطْوِيْهَـا
وَكُلُّ نَفْـسٍ لَهَـا زَوْرٌ يُصَبِّحُهَّـا
مِـنَ المَنِيَّـةِ يَوْمًـا أَوْ يُمَسِّيْـهَـا
تِلْكَ المَنَازِلُ فـي الآفَـاقِ خَاوِيَـةٌ
أَضْحَتْ خَرَابًا وَذَاقَ المَوْتَ بَانِيْهَـا
كَمْ مِن عَزيزٍ سَيَلْقَى بَعـد عزتـه
ذُلاً وضَاحِكَـةٍ يَوْمًـا سَيُبْكِيْهَـا
وَلِلْمَنَايَـا تُرَبِّـي كُـلُّ مُرضِعَـةٍ
وَلِلْحِسَاب بَـرَى الأَرْواحَ بارِيْهَـا
لا تَبْرَحَ النَّفْسُ تَنْعَى وهـي سَالمـةٌ
حَتَّى يَقُـومَ بِنَـادِ القَـومِ نَاعِيْهَـا
وَلَنْ تَزَالَ طِـوَالَ الدَّهْـرِ ظَاعِنَـةً
حَتَّى تُقِيْـمَ بِـوَادٍ غَيْـرِ وَادِيْهَـا
أَيْنَ المُلوكُ الَّتِي عَنْ حَظِّهَا غَفَلَـتْ
حَتَّى سَقَاهَا بِكَأسِ المَوْتِ سَاقِيْهَـا
أَفْنَى القُرونَ وَأَفْنَى كُلَّ ذِي عُمُـرٍ
كَذَلِكَ المَوتُ يُفْنِي كُلَّ مَـا فِيْهَـا
فَالمَوتُ أَحْدَقَ بِالدُّنْيَـا وَزُخْرُفِهَـا
وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَنْ كُلَّ مَـا فِيْهَـا
لَوْ أَنَّهَا عَقَلَـتَ مَـاذَا يُـرَادُ بِهَـا
مَا طَابَ عَيْشٌ لَهَا يَوْمًـا وَيُلْهِيْهَـا
تَجْني الثَمَارَ غَدًا فـي دَارِ مَكْرُمَـةٍ
لا مَنَّ فِيْهَـا وَلا التَّكْدِيْـرُ يَأْتِيْهَـا
فِيْهَـا نَعِيْـمٌ مُقِيْـمٌ دَائِمًـا أَبَـدًا
بِـلا انْقِطَـاعٍ وَلا مَـن يُدَانِيْهَـا
الأُذْنُ وَالعَيْنُ لَمْ تَسْمَعْ وَلَـمْ تَـرَهُ
وَلَمْ يَدْر في قُلُوبِ الخَلْقِ مَـا فِيْهَـا
فَيَا لَهَا مِنْ كَرَامَـاتٍ إِذَا حَصَلَـتْ
وَيَا لَهَا مِنْ نُفُوسِ سَوْفَ تَحْوِيْهَـا
وَهَذِهِ الـدَّارُ لا تَغْـرُرْكَ زَهْرَتُهَـا
فَعَنْ قَرِيْبٍ تَرَى مُعْجِبـكَ ذَاوِيْهَـا
فَارْبَأ بنَفْسُكَ لا يَخْدَعكَ لامِعُهَـا
مِنَ الزَّخَارِفِ وَاحْذَرْ مِنْ دَوَاهِيْهَـا
خَدَّاعَةٌ لَمْ تَدُمْ يَوْمًـا عَلَـى أَحَـدٍ
وَلا اسْتَقَرَّتْ عَلَى حَـالٍ لَيَالِيْهَـا
فَانْظُرْ وَفَكَّرْ فَكَمْ غَرَّتْ ذَوي طَيْشِ
وَكَمْ أَصَابَتْ بِسَهْم المَوْتِ أَهْلِيْهَـا
اعْتَزَّ قَارُون في دُنْيَـاهُ مِـنْ سَفَـهٍ
وَكَانَ مِنْ خَمْرِهَا يَا قَـوْمُ ذَاتِيْهَـا
يَبِيْـتُ لَيْلَتَـهُ سَهْـرَانَ مُنْشَغِـلاً
في أَمْرِ أَمْوَالِـهِ فـي الهَـمِّ يَفْدِيْهَـا
وَفي النَّهَارِ لَقَـدْ كَانَـتْ مُصِيْبَتُـهُ
تَحُزُّ فـي قَلْبِـه حَـزًّا فَيُخْفِيْهَـا
فَمَا اسْتَقَامَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَلا قَبِلـتْ
مِنْهُ الودَادَ وَلَـمْ تَرْحَـمْ مُجِبِّيْهَـا
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المَعْصُـومِ سَيِّدِنَـا
أَزْكَى البَرِّيـةِ دَانِيْهَـا وَقَاصِيْهَـا