بَلى سوفَ تصحُو حين ينكشفُ الغَطا = ويبدو لكَ الأمرُ الذي أنتَ تكتُمُ
ويا مُوقِدًا نارًا لغيركَ ضوؤُها = وحرُّ لَظاها بينَ جنْبَيْك يَضرِمُ
أهذا جَنَى العلمِ الذي قد غرستَهُ = وهذا الذي قد كنتَ ترجوهُ يُطْعِمُ
وهذا هو الحظُّ الذي قد رضيتَهُ = لِنفسكَ في الدارَيْنِ جاهٌ ودِرهمُ
وهذا هو الرِّبحُ الذي قد كسبتَهُ = لَعمرُكَ لا رِبحٌ ولا الأصلُ يَسْلَمُ
بَخِلتَ بشيءٍ لا يضرُّكَ بذلُهُ = وجُدْتَ بشيءٍ مثلُهُ لا يُقَوَّمُ
بَخِلتَ بذا الحظِّ الخسِيسِ دناءةً = وجُدْتَ بدارِ الخُلدِ لو كنتَ تَفهمُ
وبِعْتَ نعيمًا لا انقضاءَ له ولا = نظيرَ ببخْسٍ عن قليلٍ سيُعْدَمُ
فهلا عكستَ الأمرَ إنْ كنتَ حازمًا = ولو أضعتَ الحزمَ لو كنتَ تعلَمُ
وتهدِمُ ما تَبنِي بكفِّك جاهدًا = فأنتَ مَدى الأيامِ تبنِي وتَهْدِمُ
و عندَ مرادِ الله تفنَى كمَيِّتٍ = وعندَ مرادِ النفسِ تُسْدِي وتُلْحِمُ
وعند خِلافِ الأمر تحتَجُّ بالقَضَا = ظهيرًا على الرحمن للجَبْرِ تزْعُمُ
تُنَزِّهُ منكَ النفسَ عن سوء فِعْلِها = وتعتِبُ أقدارَ الإلَهِ وتَظْلِمُ
تُحِلُّ أمورا أحكمَ الشرعُ عَقْدَها = وتقصِدُ ما قد حلَّه الشرْعُ تُبْرِمُ
وتَفهمُ من قولِ الرسولِ خلافَ ما = أرادَ لأن القلبَ منك مُعجَّمُ
مطيعٌ لِداعِي الغَيِّ عاصٍ لِرُشْدِهِ = الى ربِّه يومًا يُرَدُّ ويَعلَمُ
مُضِيعٌ لأمرِ اللهِ قد غشَّ نفسَهُ = مُهينٌ لها أنَّى يُحَبُّ ويُكرَمُ
بطيءٌ عن الطاعاتِ أسرعُ للخَنَا = مِنَ السيلِ في مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ
وتَزْعم معْ هذا بأنكَ عارفٌ = كذَبْتَ يقِينًا في الذي أنتَ تزعُمُ
وما أنتَ إلا جاهلٌ ثم ظالمٌ = وأنكَ بين الجاهلِينَ مُقَدَّمُ
إذا كان هذا نصحُ عبدٍ لنفسِهِ = فمَنْ ذا الذي منه الهُدَى يُتَعَلَّمُ
وفي مثلِ هذا الحالِ قد قال مَن مَضَى = و أحسنَ فيما قالَهُ المتَكلِّمُ
فإنْ كنْتَ لا تدرِي فتلكَ مُصيبةٌ = وإنْ كنتَ تَدْرِي فالمصيبةُ أعْظَمُ
ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها = رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ
كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى الـْ = ـمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ
وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها = سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها = فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ = وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ
كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ = ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها = غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ
أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ = وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ
أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ = إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ
فيا عجبًا ! كمْ مَصْرَعٍ وَعَظَتْ بِهِ = بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا
سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا = سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ
و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه الـْ = ـعَظائِمِ والمغمورُ فيها مُتَيَّمُ
وما ذاك إلا أنَّ خمرةَ حُبِّها = لَتَسْلِبُ عقلَ المرءِ منه وتَصْلِمُ
وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى = تُهينُ ولِلأَعْدَا تُراعِي وتُكْرِمُ
وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها = جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ و أَلْأَمُ
وحَسْبُكَ ما قال الرسولُ مُمَثِّلا = لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ
كما يُدلِيَ الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا = ويَنْزِعهُا عنه فما ذاكَ يَغْنَمُ