قالت تقارير صحافية إن الجزائر شهدت مؤخرًا "ثورة أخلاقية" قادها الشباب للمطالبة بإغلاق "المخامر وبيوت الدعارة والملاهي الليلية" المنتشرة على مستوى مناطقهم، مستلهمين في ذلك شعارات "الربيع العربي" الذي يجتاح المنطقة.
وذكرت صحيفة الشروق الجزائرية في تقرير نشرته على موقعها الإليكتروني أن شباب الجزائر أطلقوا "ثورة أخلاقية ... ضد أوكار الفساد التي باتت تنشط جهارا نهارا دون أي اعتبار للأخلاق والقيم والمبادئ التي طالما ميزت المواطن الجزائري الغيور".
وأوضح التقرير أن بلدية تيشي بولاية بجاية شهدت احتجاجات تحت شعار "الشعب يريد رحيل العاهرات"، خرج فيها المواطنون في مسيرة سلمية لغلق الملاهي الليلة التي تحولت إلى أوكار للدعارة. وقام المحتجون بإضرام النيران في عدد من الملاهي، مطالبين بطرد بائعات الهوى وتنظيف المنطقة من أعمال الانحراف والانحلال الأخلاقي التي استفحلت بشكل مريب جدا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "لولا تدخل بعض العقلاء لتحولت تيشي إلى ساحة معركة ضد الرذيلة والفسوق" مضيفةً أنه "من تيشي انتفض منذ أيام سكان شارع حسيبة بن بوعلي بأرزيو، احتجاجا على الانتشار الواسع للحانات، بعد فتح العديد من الباعة لمحلات تسويق وتعاطي هذه الخمور، دون مراعاة شعور الجيران، الذين قاموا بتشغيل أشرطة القرآن الكريم، تعبيرا منهم عن رفضهم القاطع لتنجيس حيهم بأم الخبائث"، في إشارة إلى الخمور.
الشعب يريد غلق المخامر:
وفي ولاية أم البواقي، خرج الناس في مظاهرات كبيرة يرددون شعار "الشعب يريد غلق المخامر"، ما أسفر عن مواجهات مع أصحاب المخامر خلفت قتيلاً بعد ما أقدم سكان حي بوزيان بمدينة عين كرشة على إغلاق أحد الطرق، مطالبين بغلق المخمرة (الخمّارة) الواقعة في الحي، إضافة إلى رحيل أصحابها من المدينة؛ مما دفع 3 أفراد من عائلة صاحب المخمرة للدخول في مناوشات كلامية مع سكان الحي تطورت بعدها إلى شجار عنيف استعملت فيه مختلف الأسلحة البيضاء راح ضحيتها الشاب "ب.ح"، وهو شقيق صاحب المخمرة.
أما في العاصمة الجزائر، فقد هجم سكان حي العناصر "رويسو"، على محلات بيع الخمور، وهاجم عشرات السكان محلا لبيع الخمور، وتم إتلاف وحرق جزء منه، أعقب ذلك تدخل مصالح الأمن التي اشتبكت مع المحتجين لساعات؛ مما أسفر عن توقيف بعض المحتجين، فيما لم تسجل إصابات بين الطرفين.
وفي السياق ذاته، شنّ شباب حي الجميلة المعروف بـ"لامادراك" بعين البنيان حملة تحسيسية متمثّلة في عمليّة تنظيف الميناء برفع القمامة التي شوّهت صورة الحي ومظهر السياحة فيه، وحسب سكان الحي فإنّ المبادرة نظّمت بهدف الكشف عن المخاطر الناجمة عن محلاّت بيع الخمور وتعبيرا منهم عن رفضهم لمثل هذه التجارة التي تسبّبت في عدّة مشاكل آخرها مقتل الشاب منصف الذي راح ضحيّة انحراف بعض مرتادي هذه الأماكن.
وتعدّ المبادرة التي ساهم فيها شباب، أطفال وكبار الحي الأولى من نوعها من حيث التنظيم، بعد ما أقدموا على إلصاق الشاب منصف بقالم على أقمصة بيضاء دوّنت عليها شعارات تدعو للسلم والغلق الفوري لمحلاّت بيع الخمور، وتمّ توزيعها على المشاركين بالحملة والتي شهدت حضورا مميّزا لشباب "ناس الخير"، وكذا بعزيز عثماني المعروف بـ"الزندا" الذين ساهموا بقوّة في إنجاح المبادرة، كما شهدت إقبالا كبيرا لأطفال الحي الذين تجوّلوا على طول الساحل وقاموا بجمع ما تيسّر لهم من قارورات الخمر الزجاجية منها والبلاستيكية.
تنامي حس المطالبة بالحقوق:
وفي تعليقه على تلك الاحتجاجات ضد مظاهر الفساد، يؤكد السيد سعدي الهادي، المختص في علم الاجتماع، أن ما شهدته الجزائر مؤخرا من احتجاجات للمطالبة بمختلف أنواع الحقوق له علاقة بارتفاع الحس المدني لدى المواطن، الذي بات أكثر وعيا لحقوقه المدنية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، مما دفعه إلى شن حملة من المسيرات والاحتجاجات المطالبة بغلق المخامر والملاهي وبيوت الدعارة.
وأضاف الهادي أن المواطن الجزائري تأثر بما يحدث حوله في العديد من الدول مما جعله مطلعا أكثر على حقوق المواطنة بمفهومها الواسع، فمفهوم المواطنة تغير كثيرا حسب الفرد الجزائري الذي بات يرفض البيروقراطية والظلم الاجتماعي والإرهاب الإداري، فالمواطنة أصبحت في الجزائر لا تتعلق بالمفهوم العاطفي المتعلق بالولاء، بل بالحقوق والواجبات.
ولفت سعدي الهادي إلى أن الجزائر تشهد تناميا متسارعا للحس الجماعي المتعلق بالمطالبة بالحقوق.