عرضت وحدة الأبحاث في المجلة نتائج الدراسة التي أجرتها عن الانتفاضات التي تشهدها المنطقة, خلصت فيها إلي أن أيا كانت الطرق التي ستتبعها الثورات العربية, فإنها جميعها مرتبط أولا وأخيرا بما سيحدث في مصر, أو ما ستثمر عنه ثورة الشباب المصري وفقا لما جاء في الدراسة.
وقدمت الإيكونوميست إجابة علي أسئلتها من خلال بحث ربيع الثورات العربية في شقين: الأول يتعامل مع الجانب السياسي للحدث, أما الثاني فيتعامل مع التداعيات الاقتصادية للربيع العربي, سواء بالنسبة لدوله أو بالنسبة للعالم, والنقطة المشتركة التي جمعت بين الشقين السياسي والاقتصادي هي أن دول الربيع العربي تمر بـمخاض صعب بغض النظر عن النتائج التي ستولدها موجة التغيير التي تمر بها المنطقة.
فعن الجانب السياسي, وصف الباحثون البريطانيون ما يمر به الشرق الأوسط بأنه أهم تغيير تشهده هذه المنطقة منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية في منتصف القرن العشرين, ووضع الباحثون ثلاثة سيناريوهات لشكل المنتج السياسي لثورات العرب في القرن الواحد والعشرين, مع التركيز علي مصر بوصفها البوصلة التي ستوجه المنطقة. وتفاوتت السيناريوهات الثلاثة في نسبة تفاؤل الإيكونوميست بمستقبل ربيع العرب, فالسيناريو الأول هو حصاد ديمقراطي هزيل الذي رجح الباحثون احتمالية وقوعه بنسبة60%, وهو لا يتضمن مشاهد مشرقة, بل مصائر ضبابية في مصر وتونس- قلب الربيع العربي- بينما سيظهر ذلك في صورة كوارث وحروب في باقي الدول.
أما السيناريو الثاني فهو عودة الديكتاتورية ورجحت الدراسة احتمالية وقوعه بنسبة20%, وجاء السيناريو الثالث والأخير مناقضا تماما للأول والثاني, حيث تحدث عن تحقيق التغيير والديمقراطية, ولكن الدراسة أعطته نسبة السيناريو الثاني من حيث احتمالية وقوعهحيث أعطاه الباحثون20%.
وبدأت الدراسة بتوضيح أنها اعتمدت في البحث علي معيار الديمقراطية لتصنيف الدول, فوضعت جدول الديمقراطية لعام2010 الذي خلصت منه إلي أنه لا توجد دول ديمقراطية في المنطقة, بل أنظمة هجينة في أحسن الأحوال كتلك الموجودة في لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق, أما باقي الدول فكانت تتسم بديكتاتورية النظام الحاكم. وأضافت الإيكونوميست أن سقوط أحد أكبر الأنظمة القمعية في مصر خلال أسابيع, سمح للقائمين علي البحث بطرح سؤال: هل ستشهد الدول العربية موجة ديمقراطية كما حصل في أوروبا الشرقية عام1989 ؟.
ولكن المجلة أجابت بالقول: إنه سرعان ما جاءت التوقعات أقل تفاؤلا, حيث أن أفضل الاحتمالات التي خلصت اليها الدراسة هي تحول الانظمة المتحركة الي هجينة, والتي يتصف نظامها بالجمع بين العديد من التناقضات, حيث توجد فيها انتخابات ولكنها غير حرة وغير عادلة, وتوجد فيها معارضة وأحزاب ولكنها تتعرض لضغوط كبيرة من الحكومة, إضافة إلي انتشار الفساد, وعدم نزاهة القضاء, لذا وصفت الباحثون المشهد السياسي للربيع العربي بـأنه يتحرك خطوتين للأمام وخطوة للوراء.
وعن السيناريو الأول الذي وضعه الباحثون البريطانيون الذي جاء بعنوان حصاد ديمقراطي هزيل فقد ركز علي مصر وتونس, وهما الدولتان اللتان قالت عنهما الدراسة إن ما يحدث فيهما سيحدد حجم التغيير الذي يمكن أن تحققه التحركات الشعبية. وأوضح الباحثون أنه علي الرغم من اعتماد كل من مصر وتونس طريقتين مختلفتين لتنفيذ الاصلاحات الدستورية, فإنهما تتمتعان ببعض نقاط القوة مثل: التخلص السريع من رؤوس النظام السابق, نزاهة بعض مؤسسات الدولة مثل الجيش والقضاء والبنك المركزي والخدمات الاجتماعية, لكن القاسم المشترك أيضا بين تونس ومصر هو حدوث صدامات عنيفة ذات طابع متطرف بعد سقوط الانظمة الحاكمة, وهنا يلقي البحث الضوء علي ما يسميه بـالتأثير الإسلامي علي المشهد السياسي في مصر وتونس.
وبدأت الدراسة حديثها بمصر, حيث سلطت الضوء علي تصاعد الموجة السلفية وزيادة نشاط الحركات الاسلامية. وأوضح الباحثون أنه إذا عارضت قيادة حركة الاخوان المسلمين الدخول في الحياة السياسية واكتفت بالدور الاجتماعي, فسيجد الإخوان أنفسهم في منافسة مع التيار السلفي, وهنا يكون السؤال: هل ستكون أجندة الاخوان هي تلك المعلنة والتي تعطي هامشا من التنازلات بغية الحفاظ علي التناغم الاجتماعي, أم يكون هذا الكلام مجرد واجهة تخفي الأهداف الحقيقية بتحويل مصر الي دولة اسلامية؟ وأوضح الباحثون أن السلفيين يرفضون كليا مبدأ الديمقراطية, مشيرين إلي أن الإخوان المسلمين قد يخسرون دعم وتأييد السلفيين لهم إذا قدمت تنازلات كثيرة للعلمانيين والمسيحيين.
وقالت الإيكونوميست: إن حركة الاخوان تريد أن يكون حزب الحرية والعدالة مستقلا عنها بتمويل وتنظيم منفصلين, لكن الناخبين لن يفصلوا بين الحزب والاخوان, مما سيؤدي تلقائيا الي حصد الحركة لنحو ثلث المقاعد في البرلمان الجديد. وإضافة إلي الحديث عن الإسلاميين, أكدت الدراسة أنه علي الرغم من أن مصر لم تحدد بعد شكل العلاقة بين الرئيس والبرلمان والحكومة, فإن هناك نوعا من الاتفاق الضمني علي زيادة صلاحيات البرلمان بطريقة تعرقل شبح العودة الي أيام الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات والمخلوع حسني مبارك.
وأضافت الإيكونوميست: مصر أمام خيارين: إما الوصول لحكم مدني وحكومة وبرلمان منتخب من الشعب, وإما مشهد سياسي تغلب فيه المشاحنات بين مختلف القوي من دون أن تتمكن جهة واحدة أو حزب واحد من الانفراد بالسلطة. ولكن الصورة المشرقة نسبيا التي قدمتها الـإيكونوميست لمصر وتونس في السيناريو الأول اختلفت في فقرة كبيرة تحت عنوان: الحروب الأهلية, فقالت إن البلدان المعرضة لتلك الحروب هي: اليمن وليبيا وسوريا.
أما بالنسبة لسيناريو عودة الديكتاتورية, فرأي الباحثون أنه سيقع في حالة تسلم الجيش قيادة الحياة السياسية في مصر من جديد: وهذا سيحدث- بحسب المجلة- اذا أدت الانقسامات في المجتمع إلي صدامات عنيفة, أو اذا استطاع طرف واحد الاستحواذ علي السلطة. وعن تأثير ذلك علي المنطقة قالت المجلة إنه في حالة عسكرة الحكم في مصر مرة أخري فستتذرع كافة الانظمة العربية بذلك من أجل تمديد بقائها في الحكم.
أما السيناريو الثالث الذي يبشر بتحقيق الديمقراطية, فهو يعتمد مجددا بشكل أساسي علي نجاح التركيبة السياسية الجديدة في مصر, وهذا النجاح مرتبط بإيجاد صيغة تعايش بين الاخوان والاحزاب السياسية التي تريد الحد من سلطة الدين علي الدولة. وأنهت الإيكونوميست دراستها في هذه الجزئية السياسية بالقول: عندها فقط سيبدأ العد العكسي للتغير المرتقب في باقي دول المنطقة, ليس فقط في الشرق الأوسط, بل وفي دول الخليج أيضا.