الختان
بين الشريعة والجريمة
(3)
الطـــــــــــب والختــــــــــان
قبل أن نبدأ في دراسة رأي الطب في الختان نستكمل بعض آراء للعلماء وردود لدار الإفتــــاء المصـريــــــة عن تساؤلات في نفس الموضوع :
قال الإمام البيضاوي: إن الحديث (خمس من الفطرة) : عام في ختان الذكر والأنثى.
وقال ا لشوكاني في (نيل الأوطار) : إن تفسير الفطرة بالسنة لا يراد به السنة الاصطلاحية المقابلة للفرض والواجب والمندوب وإنما يراد بها الطريقة، أي: طريقة الإسلام، لأن لفظ السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين.
س: فتوى أولى للشيخ محمود شلتوت عن حكم الختان ؟ من مجلة لواء الإسلام، العدد الأول، السنة الخامسة، يونيو 1951.
ج: الختان شأن قديم ترجع معرفة الناس به إلى عهد إبراهيم عليه السلام. وكانوا يختنون الذكور والإناث ، وقد رويت فيه عن النبي عدة أحاديث، اتفق المحدثون عليى صحة بعضها، وضعف البعض الآخر. فما اتفق عليه قول النبي : "خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر" . وقوله : "اختتن إبراهيم خليل الرحمن"وهو متفق عليه بين البخاري ومسلم.
وقال العلماء: "الفطرة السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، وكانت لذلك كالأمر الجبلي الذي تدعو إليه الخلقة، وتقتضيه فيما يختص بالتطهر والنظافة".
ومما ناله تضعيف المحدثين : حديث "من أسلم فليختتن" ، وقوله لمن جاء إليه وقد أسلم : "ألق عنك شعر الكفر، واختتن" ، وقوله للمرأة التي كانت تختن الإناث: "أشمي، ولاتنهكي" ومعناه: خففي، ولا تبالغي في القطع، وقوله: "الختان سنة في الرجال، مكرمة في النساء". وأما هذه الأحاديث اختلف الفقهاء في حكم الختان، شأنهم في كل مالم يرد فيه نص صريح قاطع. فرأى الشافعية أنه واجب في الذكور والإناث، ووافقهم الحنابلة على الوجوب في الذكور فقط، ورأى الحنفية والمالكية أنه سنة في الذكور، ومكرمة في الإناث. وقد قال الإمام الشوكاني بعد استعراض المرويات في الموضوع منجهة الرواية والأدلة: "والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقن السنية، كما في حديث: "خمس من الفطرة" ونحوه، والوجوب: الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم مايوجب الانتقال عنه".
ومن هنا يتبين أن الأدلة لا تعطي أكثر من أن الختان سنة، وقد كان العموم في حديث الختان، ولكن كثيرا من المذاهب رأى أنه مكرمة في الإناث وسنة في الذكور. ولعل هذه التفرقة ترجع فيما وراء الأحاديث إلى اعتبار آخر يقضي بأهمية الختان في الذكر والتأكيد فيه، وهو أن داخل الغلفة منبت خصب لتكون الإفرازات التي تؤدي إلي تعفن يغلب معه سكون جراثيم لأمراض ضارة. وإلى الاعتبار يشير الإمام أحمد بقوله في الفرق بين الذكر والأنثى "أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاة على الكمرة، ولاينقى ماثم" .
ونظرا إلى أن ختان الذكر كان دائرا عند الأئمة بين الوجوب والسنية المؤكدة. وفيه هذا الاعتبار الوقائي الذي تعنى به الشريعة أيما عناية،
قال الفقهاء: هو من شعائر الإسلام، حتى لو اجتمع أهل مصر أو قرية على تركه يحاربهم الإمام، وهذا في الذكور خاصة. أما الإناث، فلعدم تحقق هذا الاعتبار الصحي فيهن فقد نزل الحكم فيهن عن درجة السنية إلى درجة المكرمة. ولعل ذلك يرجع إلى أن تلك (الزائدة) من شأنها أن تحدث عند الممارسة مضايقة للأنثى ، أو للرجل الذي لم يألف الإحساس بها، ويشمئز منها، فيكون خفضها مكرمة للأنثى، وفي الوقت نفسه مكرمة للرجل في الفترات المعروفة.
وختان الأنثى بهذا الاعتبار لا يزيد عما تقتضيه الراحة النفسية واستدامة العاطفة القلبية بين الرجل وزوجته، من التزين والتطيب، والتطهير من الزوائد الأخرى التي تقترب من هذا الحمى.
أما مايراه بعض الناس من لزوم ختان الأنثى نظرا إلى أن تركه يشعل لديها الغريزة الجنسية فتندفع إلى ما لا ينبغي، فهو مما تحتاج في قبوله وترتيب الحكم عليه إلى فحص واستقراء غالب. على أن الانزلاق إلى ما لا ينبغي كثيرا مايوجد فى المختونات كما هو معروف في الجنايات العرضية، والمستور منها أكثر مما يعرفه الناس. والواقع أن الشأن في هذا لا يرجع إلى ترك الختان، وإنما يرجع ـ كما قررته الدكتورة كوكب حفني ناصف ـ إلى سلامة البنية، ونشاط الغدد وضعفها، ثم ـ من جانبنا ـ يرجع ـ أيضا ـ إلى الخلق، والبيئة، والرعاية فى التربية والإشراف، والحزم في المراقبة، والقبض على ناصية الأمر، وعدم إرسال الحبل على الغارب في الاختلاط الذي كان يقضي على العفة والكرامة.
وكذلك ما يراه بعض آخر من منع الختان نظرا إلى أنه يضعف في الأنثى النزعة الجنسية، فيحتاج الرجل ـ تمكينا لها من تلك النزعة ـ إلى الاستعانة بتناول المواد المعروفة، ومن ذلك وجب ختانها حفظا للرجل من تناول هذه المواد الضارة.
والواقع في هذا الاعتبار أن الذين يعتادون تناول هذه المواد لا يقصدون سوى تلبية نزعتهم الخاصة في الجانب الجنسي، وأن كثيرا منهم يتناولها لعادة تحكمت فيه، وصارت بها لديهم من المكيفات اللازمة، كما هو الحال عند مدمني الشاي والدخان.
ومن هذا، نرى أن هذا الاعتبار لا ينهض حجة في منع ختان الأنثى، كما أن الاعتبار السابق لا ينهض حجة في لزومه.
ولذلك سلم لغير الشافعية من الفقهاء القول "بأن الأنثى ليس واجبا ولا سنة، وإنما هو مكرمة للرجال أو النساء" . هذا، والشريعة تقرر مبدأ عاما وهو: إنه متى ثبت بطريق البحث الدقيق لابطريق الآراء الوقتية التي تلقى تلبية لنزعة خاصة، أو مجاراة لتقاليد قوم معينين، أن في أمر ما ضررا صحيا، أو فسادا خلقيا، وجب شرعا منع ذلك العمل دفعا للضرر أو الفساد. وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى فأن الأمر فيه على مادرج عليه الناس وتعودوه في ظل الشريعة الإسلامية، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مكرمة، وليس واجبا ولا سنة.
أما ما يراه بعض الكاتبين من أنه (عملية وحشية)، فمن رأيي أنه إسراف في التعبير ومبالغة في التنفير. وقد تكون (الوحشية) المتخيلة في أصل ختانها ناشئة من تحكيم الحال في عمليات تجريها الجاهلات، المحترفات لهذه العملية. ويرجع ذلك إلى تقصير أولياء الأمر في مراقبة هذا الجانب، ومنع من لايحسن العملية من مباشرتها. والشريعة تقرر في هذا وأمثاله وجوب الحجر على المتطبب الجاهل، والجراح الجاهل، وتوجب على أولياء الأمر ـ حفظا لصحة الناس ووقاية لهم من الضرر ـ منع من يسيؤون في الأعمال العامة، كما توجب تعزيرهم عند المخالفة بما يردعهم، ويردع أمثالهم. أما بعد: فهذا هو حكم الشريعة فيما نرى في موضوع الختان أخذا من النصوص ومقارنة الأدلة.
س: فتوى أولى للشيخ محمد سيد طنطاوي ( دار الإفتاء ـ مصر / 1993 ) الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، مجلد 21، القاهرة 1994، ص 7864 في 28 ديسمبر 1993.
ج: إن الفقهاء اتفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق النساء أمر مشروع، ثم اختلفوا في وجوبه.
فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك: هو مسنون في حقهما، وليس واجب وجوب فرض، ولكن، يأثم بتركه تاركه.
وقال الإمام الشافعي: هو فرض على الذكور والإناث. وقال الإمام أحمد: هو واجب في حق الرجال، وفي حق النساء عنه روايتان أظهرهما الوجو. وهو في شأن النساء قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون استئصالها، وسمي هذا خفاضا. وقد استدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: إن إمرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي : "لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للزوج، وأسرى للوجه" . ومعنى لا تنهكي: لا تبالغي في القطع والخفض.
ويؤكد هذا الحديث الذي رواه أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول قال: "يانساء الأنصار، اخفضن (أى ختتن)، ولا تنهكن (أى لا تبالغن في القطع)". وهذا الحديث جاء مرفوعا برواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول إلى ختان الإناث ونهيه عن الاستئصال. وقد علل هذا في إيجاز وإعجاز، إذ قد أوتي جوامع الكلم.
وهذا التوجيه النبوي إنما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة. فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مجرى البول لضبط الاشتهاء والإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله. وبذلك يكون الاعتدال. فلم يحرم المرأة مصدر الاستمتاع والاستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة. لما كان ذلك المستفاد من النصوص الشرعية ومن اقوال الفقهاء على النحو المبين والثابت في كتب السنة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعي إليها الإسلام، وحث على الالتزام بها ما يشير إليه تعليم رسول الله كيفية الختان وتعبيره عنه في بعض الروايات بالخفض، مما يدل القدر المطلوب في ختانهن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
س: فتوى الدكتور يوسف القرضاوي من كتاب فتاوى معاصرة، ص 443 الطبعة الثالثة سنة عن حكم الإسلام في ختان البنات ؟ 1987
ج:هذا الموضوع اختلف فيه العلماء والأطباء أنفسهم، وقامت معركة جدلية حوله في مصر منذ سنوات من الأطباء من يؤيد، ومنهم من يعارض. ومن العلماء من يؤيد ومنهم من يعارض. ولعل أوسط الأقوال وأعدلها، وأرجحها، وأقربها إلى الواقع، وإلى العدل في هذه الناحية، هو الختان الخفيف، كما جاء في بعض الأحاديث ـ وإن لم تبلغ درجة الصحة ـ أن النبي قال لامرأة كانت تقوم بهذه المهمة، قال لها: (أشمي، ولاتنهكي، فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج). والإشمام هو التقليل ولا تنهكي ، أي لا تستأصلي، فهذا يجعل المرأة أحظى عند زوجها، وأنضر لوجهها، فلعل هذا يكون أوفق والبلاد الإسلامية تختلف بعضها عن بعض في هذا الأمر. فمنها من يختن، ومنها من لا يختن.
وعلى كل حال، من رأى أن ذلك أحفظ لبناته فليفعل ، وأنا أؤيد هذا، وخاصة في عصرنا الحاضر. ومن تركه فلا جناح عليه، لأنه ليس أكثر من مكرمة للنساء، كما قال العلماء، وكما جاء في بعض الآثار. أما الختان للذكور، فهو من شعائر الإسلام حتى قرر العلماء أن الإمام لو رأى أهل بلد تركوه لوجب عليه أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى هذه السنة المميزة لأمة الإسلام. والحمد لله رب العالمين.
الطـــــــــــب والختــــــــــان
موقف المنظمات الطبية
1ـ أخذت عدد من المنظمات الطبية قرارات قاطعة ضد ختان الإناث، كما أخذت بعض القرارات التي لا تدين ختان الذكور، ولكن لاترى فيه فائدة طبية. منها :
أ) الجمعية الطبية البريطانية : نشرت عام 1996 تعليمات بخصوص ختان الأطفال تقول إن ختان الأطفال نادرا مايكون ضروريا لسبب طبي وإن الدافع الرئيسي للختان هو ثقافي وديني وليس طبيا علميا.
ب) الكلية الإسترالية : أصدرت الكلية الأسترالية لجراحي طب الأطفال الذكور عام 1996 قرارا يقول : إنها لا تدعم الختان الروتيني للذكور حديثي الولادة. فليس من الملائم ولا من الضروري إزالة الغلفة بصورة روتينية. نحن لا ندعم إزالة جزء طبيعي من الجسم إلا إذا كان هناك معطيات تبرر المضاعفات والمخاطر التي يحتمل أن تنتج عن ذلك. ونحن نعارض ـ بصورخاصة ـ أن يخضع الأطفال لعملية لوتركت لاختيارهم في عمر كاف للمقارنة بين الفوائد والمضار لكانوا قد اختاروا رفض العملية والإبقاء علي غلفتهم. إن إجراء الختان علي أطفال حديثي الولادة لا مبرر طبي له. وهو عملية تحدث صدمة لديهم.
ج) الجمعية الطبية الإسترالية : صرحت الجمعية عام 1997 بأنها سوف تعيق ممارسة ختان الأطفال تمشيا مع قرار الكلية الأسترالية لجراحي طب الأطفال. وتضيف بأن :"بعض الأهل قد يقررون إجراء الختان لاعتبارات طبية أو اجتماعية أو دينية أوعائلية. وفي هذه الحالة، علي الطبيب أن يوصيهم بأن يتم الختان في عمر وتحت ظروف تقلل من مخاطره إلى أدني درجة".
د) الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال : صدر تقرير في مارس 1999 "بأن المعطيات العملية توحي بوجود فوائد طبية محتملة لختان الذكور حديثي الولادة، ولكن هذه المعطيات لا تكفي للتوصية بإجراء الختان علي الأطفال حديثي الولادة بصورة روتينية. ففيما يخص الختان هناك فوائد محتملة ومخاطر، ولكنتلك العملية ليست ضرورية لرفاهيته الحالية، وعلي الأهل التقرير ما هو في صالح الطفل.وحتي يتمكن الأهل من بلوغ قرار مستنير، يجب أن يعطى للأهل معلومات دقيقة وغير منحازة وإمكانية مناقشة القرار. وللأهل الحق في الاعتماد علي العادات الثقافية والدينية والعرفية، بالإضافة إلى العوامل الطبية" .
2ـ هناك أيضا بعض المنظمات الطبية التي أيدت عملية الختان. ومنها :
أ ) المجلة الطبية عام 1987 جاء فيها هذا المقال : وهي من أشهر المجلات الطبية مقالا عن سرطان القضيب ومسبباتة المباشرة BMGإن سرطان القضيب نادرا جدا عند اليهود وفي البلدان الإسلامية ، حيث يجرى الختان أثناء فترة الطفولة وأثبتت الإحصائيات الطبية أن سرطان القضيب عند اليهود لم يشاهد إلا في تسعة مرضى فقط في العالم كله.
ب) مجلة المعهد الوطني: نشرت مجلة المعهد الوطني للسرطان دراسة أكدت فيها أن سرطان القضيب ينتقل عبر الاتصال الجنسي، وأشارات إلي أن الإتصال الجنسي المتعدد بالبغايا يؤدى علي حدوث ذلك.
الفوائد الصحية لختان الذكور والإناث
1) ختان الذكور والإناث للحفاظ على النظافة:
أ) الختان والنظافة في الكتابات القديمة : إن كانت التوراة لاتتضمن نص في النظافة، إلا أنه من غير المستبعد أن تكون النظافة السبب الأكثر احتمالا لممارسة الختان في القديم. وقد أشارهيرودوت إلى علاقة الختان بالنظافة عند المصريين القدامى. فهويقول"بينما كل شعوب الأرض تبقي عى الأعضاء التناسلية كما هي، فإن المصريين ومن تعلم منهم يمارسون الختان" ويضيف "بأنهم يمارسون الختان حفظا للنظافة، عندهم أولى من الجمال" وقد ذكر المؤلف اليهودي "فيلون" كلاما مشابها عن علاقة الختان بالنظافة عند المصريين القدامى.
ب) الختان والنظافة في المصادر الإسلامية والعربية : ورد عدة أحاديث عن الختان منها حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : "الفطرة خمس الختان، واستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط" . علق ابن العربي على هذا الحديث: فقال"أما الختان فلنظافة الغلفة عما يجتمع من أذى البول فيها" ويقول ابن القيم الجوزية : "وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان، ويجاورها من بني آدم وله بالغرلة اتصال واختصاص".
ج) الختان والنظافة في المصادر الغربية : النظافة هي أحد الأسباب الرئيسية لمؤيدى الختان. وهي وراء كل الدعاوى الأخرى بأن الختان يمنع تفشي الأمراض، لأنه يصعب تنظيف القضيب إذا مابقي على حاله. وعدم النظافة تؤدي إلى تراكم المادة المرطبة التي تصبح مرتعا لجراثيم الأمراض الجنسية وسرطان عنق القضيب ومجرى التبول والبروستاتة، وقد تصل إلى سرطان عام للقضيب. وعدم إمكانية النظافة تعني ضرورة بتر الغلفة.
2) ختان الذكور والإناث لمكافحة الاستمناء وعواقبه:الاستمناء، والذي يطلق عليه اسم "العادة السرية" يعني طلب إخراج المني والوصول إلى اللذة الجنسية بصورة عمدية بغير جماع. ويختلف عن "الإمناء" أو "الإنزال" اللذان يحصلان في غير اليقظة ودون طلب. وهذا التعبير ينطبق على الرجل والمرأة. ويكون الاستمناء باليد أو غيرها من أنواع المباشرة، أو بالنظر أو بالفكر. ويكون من فعل الشخص أو فعل غيره.
أ) الاستمناء في المصادر العربية : بالبحث في الكتب الإسلامية ـ بصورة عامة ـ أن حكم الشرع في الاستمناء هو الحرمة وارتكاب الإثم ، وهناك أدلة من القرآن الكريم أستند اليها منها: قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}، المؤمنون ، وقوله تعالي: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} النور/33 . ذهب جمهور العلماء إلي تحريم العادة السرية، وكذلك المالكية والشافعية ، واما الأحناف فيقول العلامة الزرقاوي في بيان مذهبهم: قالوا:"إنها من المحظورات في الأصل، لكنها تباح بشروط ثلاثة: أن لايكون الرجل متزوجا، وأن يخشى الوقوع في الزنا ـ حقيقة ـ إن لم يفعلها، وألا يكون قصده تحصيل اللذة بل ينوي كسر شدة الشبق الواقع فيه ، والحاصل أن القواعد العامة في الشريعة تقضي بحظر هذه العادة لأنها ليست الوسيلة الطبيعية لقضاء الشهوة، بل هي انحراف، وهذا يكفي للحظر والكراهة، وإن لم يدخل في حدود الحرام القطعي كالزنا، ولكن تحكم هنا قاعدة الإضرار أيضا من قواعد الشريعة، فاذا خشي الوقوع في محظور أعظم كالزنا أو الاضطرابات النفسية المضرة، فإنها تباح في حدود دفع ذلك على أساس أن الضرورات تقدر بقدرها" انتهى. أما مذهب الحنابلة فقد نصوا على أن الاستمناء محرم، وأن صاحبه يستحق التعزير وأنه لا يباح إلا عند الضرورة، وقد سبق بيان حد الضرورة.
ب) الاستمناء عند اليهود والمسيحيين الغربيين : يأخذ رجال الدين اليهود موقفا متشددا من الاستمناء. وهو يعتمدون ـ خاصة ـ على النص الآتي من سفر التكوين : "واتخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها تامار. وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب. فأماته الرب. فقال يهوذا لأونان: ادخل على امرأة أخيك، وقم بواجب الصهر، وأقم نسلا لأخيك. وعلم أونان أن النسل لا يكون له. فكان إذا دخل على امرأة أخيه، استمنى على الأرض، لئلا يجعل نسلا لأخيه فقبح ما فعله في عيني الرب. فأماته أيضا"
وزواج الرجل من زوجة أخيه المتوفى التي لم تنجب منه فريضة في التوراة ، ومازالت حتي يومنا عند اليهود. والذى يظهر من قصة "أونان" أنه كان يمارس "العزل" (أي إنزال المني خارج الرحم) حتى لا تحمل امرأة أخيه منه. فأماته الرب لرفضه تنفيذ الشريعة. إلا أن رجال الدين اليهود فهموا أن "أونان" كان يمارس الاستمناء، وأن هذا هو سبب موته. ونجد إدانة للاستمناء في "المشنا" الكتاب الثاني بعد التوراة قداسة عند اليهود. فهي تقول: "يجب مدح يد المرأة التي تتفحص بتكرار العضو الجنسي، ولكن إذا كانت يد رجل فلتقطع" ، ومدح يد المرأة سببه أنها تتفحص أعضاءها التناسلية لمعرفة درجة طهارتها والامتناع عن الأعمال التي لا يحق لها عملها في حالة النجاسة. وقطع يد الرجل سببه ممارسة الاستمناء .
كما أدان رجال الدين المسيحيون الاستمناء، معتمدين على نص الكتاب المقدس اليهودي السابق الذكر الخاص بــ "أونان" وأضافو إليه نصا من رسالة للقديس بولس يقول: "أما تعلمون أن الفجار لايرثون ملكوت الله. فلاتضلوا، فإنه لاالفاسقون ولاعباد الأوثان ولاالزناة ولا المخنثون ولا اللوطيون ولاالسراقون ولاالجشعون ولا السكيرون ولاالشتامون ولاالسالبون يرثون ملكوت الله" .
ومن أكبر معادي الاستمناء الطبيب الأمريكي "جون هارفي كيلوج" ففي عام 1882، كتب أن الاستمناء خطيئة ضد الطبيعة ويساوي اللواط، لا، بل هو أكثر خطورة منه لكثرة انتشاره. وكان يرى بأنه يسبب ما يناهز 31 عاهة. وقد وضع عدة معايير يمكن من خلالها معرفة الشخص الذي يمارس الاستمناء منها الأرق، والخجل، والأكتاف العريضة، وعدم بروز الثدي عند المرأة، والتدخين، وحب الشباب، وقرض الأظافر بالأسنان، واستعمال الكلمات البذيئة. وقد اقترح لمكافحة الاستمناء إجراء عملية الختان.
ومن بين الوسائل غير الجراحية كان الأطباء ينصحون الذكور والإناث بغسل الأعضاء الجنسية بالماء البارد وممارسة الرياضة حتى يتعب الجسم، ولايفكر الإنسان في اللجوء لتلك العادة، بل ينام حال ارتمائه في السرير. وكتب الطبي اليهودي الأمريكي "أبراهام وولبارست" أن من واجب كل طبيب أن يشجع ممارسة الختان على الصغار. وفي عام 1932، كتب مقالا يقترح فيه تعقيب من يمارس الاستمناء ومنعه من الزواج. ونتيجة لمواقف هذا الطبيب المؤيد للختان، تم إعادة كتابة كتب تعليم الطب لتحث أطباء التوليد بفحص كل طفل يولد. فإذا وجدوا أن غلفته لا ترجع إلى الوراء، كان عليهم قطعها حالا.
وقد اقترح ـ أيضا ـ الأطباء الغربيون ختان الإناث لمعالجة الاستمناء والأمراض المرتبطة به مثل الهستيريا تحت تأثير العادات القبلية الإفريقية، حيث ذكرت تقارير الرحالة وعلماء الإنسان أن النساء الإفريقيات لهن بظر كبير وأنهن إذا بقين على حالهن دون ختان يصبحن هائجات.
ومع موجة الخوف من الجنس الذي اجتاحت الغرب تم إجراء أول عملية ختان أنثي ذكرت هي تلك التي تمت في برلين عام 1822. وقد لجأ الطبيب "جيستاف براون" إلى ختان الإناث كوسيلة للحد من الاستمناء في فينا خلال الستينات من القرن التاسع عشر.
وفي جدل دار في جمعية الجراحين في باريس عام 1864، ناقشوا خلاله عدة وسائل لمنع الاستمناء منها بتر البظر عند الفتاة، ووضع أملاح البوتاسيوم عليه، أو كيه. ولكن البعض فضل إبقاء البظر وإخاطة الشفرين الكبيرين، بحيث يغطيان البظر لمنع ملامسته وتهييجه مع إبقاء فتحة للبول.
وقد بلغت عملية ختان الإناث في بريطانيا ذروتها مابين عام 1858 و1866. وكان المدافع عن هذه العملية الدكتور "إسحاق بيكر بروان" ( توفي عام 1873 ) الذي اختير رئيسا للجمعية الطبية في لندن عام 1865
3) ختان الذكور والإناث للوقاية من الأمراض الفتاكة:
أ) الختان والوقاية في الكتابات القديمة : يذكر المؤلف اليهودي "فيلون" أن الختان يقي من مرض مؤلم يصعب شفاؤه يصيب الغلفة يدعى مرض "الفحم" ويسبب التهابات مستديمة تصيب غير المختونين. وفي مكان آخر، يقول إن الختان يمارس في المناطق الحارة بين اليهود والمصريين والعرب والأثيوبيين، وتقريبا بين كل الذين يسكنون المناطق الجنوبية، حيث الحرارة الشديدة. فالغلفة التي تحيط بالعضو التناسلي تسخن، فتلتهب، وتتجرح، بينما إذا قطعت، فإن العضو التناسلي يتهوى بتعريته، مما يبعد الأمراض. فالذين يسكنون المناطق الشمالية والمناطق التي تكثر فيها الرياح لايمارسون الختان لأن الحرارة أقل، مما يقلل من الأمراض. ويعطي برهانا على ذلك أن الأمراض التي تصيب الأعضاء الجنسية تتفشى في الصيف، وليس في الشتاء.
ب) الختان والوقاية في الكتابات الغربية : اقترح الأطباء أما الأمراض التي لم يتمكنوا من شفائها إجراء العمليات الجراحية بما فيها ختان الذكور والأناث. ويجب هنا الأشارة إلي نشاط جمعية مابين عام 1890 و1920، في الولايات المتحدة تدعى "جمعية جراحة الفتحات" أسسها الجراح "برات" في مستشفى بــ "شيكاغو". وكانت هذه الجمعية تمرن على الجراحات التي تجرى على فتحات الجسم التي تقع تحت الخصر. وقد نشر مؤسسها كتابا عام1890، أعيد طبعه عام 1925، يقول فيه إن ختان الإناث ضرورة كما هو الأمر في ختان الذكور. وكانت تلك الجمعية تصدر مجلة متخصصة، وتضم مئات من الجراحين وأخصائي العظام وخبراء تقويم العمود الظهري، وقد أجروا عمليات على آلاف المرضى. ونجد في مجلة تلك الجمعية مقالات حول عمليات ختان الذكور والإناث أجريت للشفاء من أمراض مثل الصداع، وانحناء الناتئ العظمي، ومرض المفاصل، والاستسقاء الدماغي. وقد علق بعضهم على أن 60% من الجنون صادر عن وضع غير طبيعي للأعضاء الجنسية. وفي أحد تلك المقالات نقرأ أن اليهود قليلا ما يصابون بمرض المفاصل وسبب ذلك أنهم يختنون.
ولم يكتف الغرب باللجوء إلى الختان للوقاية من أمراض يجهلون سببها، بل اقتراحو إجراء ختان الأطفال في الصغر للوقاية من الختان الذي قد يضطر لإجرائه في الكبر لعلاج أمراض قد تصيبه. فبما أنه لابد من إجراء العملية يوما ما، من المفضل إجراؤها بأسرع وقت ممكن باعتبار أن الأطفال أقل إحساسا للألم.
ج) الختان والوقاية في الكتابات العربية : لقد أثبت الطبيب المصري صالح صبحي صحة الإراء الغربية بخصوص ختان الإناث في كتابه الذي ألفه بالفرنسية عام 1894، عن رحلة الحج التي كان مشرفا طبيا عليها في ذاك الوقت: "إن ختان الإناث الهدف الرئيسي والوحيد منه هو الوقاية من الهستيرية. وهذا المرض نادر في الدول التي تمارس هذا الختان كما تبينه لنا التجربة كل يوم فالحساسية الشديدة للبظر، بإشعاعها من خلال نظام الشرايين، يمكن أن تسبب أمراضي مختلفة خطيرة قد تصيب المبيضين، وتجعل المرأة عاقرا. وقد تصيب الرئتين والقلب. وإذا ما انتقلت إلي المعدة فإنها تسبب لها الاضطرابات كالمغص وفقدان الشهية والتقيؤ. وإذا ما أصابت الأمعاء فقد تسبب الإسهال أو الإمساك. وفي بعض الحالات تنتقل إلى المخ، وتؤدي إلى اضطرابات عصبية والجنون. وإذا أصابت العصب السمبتاوي، فإنه يؤدي إلي أضطرابات في حيوية ألأنسجة وإلي تعب عام ينتهي بموت بطئ". وهذا الطبيب يوصي بممارسة ختان البنات في جميع المجتمعات، مهما كانت ديانتها وخاصة في العائلات المصابة بأمراض وراثية مثل الصرع، والهستيريا، والجنون، لتقليل أحتمالات الإصابة بهذه الأمراض أو القضاء عليها. وأما بخصوص الآلام التي تسببها هذه العملية، فهو يؤكد بأنها ليست بالدرجة التي تظن. فالبنت المختونة تعود إلي حالتها المعتادة بعد ست وثلاثين ساعة.
تابع
الطب والختان
(4)