الحمد لله شهدت بوجوده آياته
الباهرة، ودلت على كرم جوده نعمه الباطنة والظاهرة، وسبحت
بحمده الأفلاك الدائرة، والرياح السائرة، والسحب الماطرة، هو الأول فله الخلق والأمر، والأخر فإليه الرجوع يوم
الحشر، هو الظاهر فله الحكم والقهر، هو الباطن فله السر
والجهر. وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد
وهو علي كل شيء قدير. وأشهد
أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه
وحبيبه ، إذا سار سار النور معه، وإذا نام فيّح الطيب مضجعه، وإذا تكلم كانت
الحكمة مرفعه، هو المختار مـن الـبرايا هو الهادي البشير هو الرسول، عليه من المهيمن كل وقت
صـلاة دائما فيها القبـول، وعلي آله
وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى
بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن
معهم يا أرحم الراحمين.
أما
بعـــــد
عاشت الكرة الأرضية وسكانها، لا
أقول ظاهرة فلكية كما يقولوا الجهلاء، بل هي آيه من آيات الله عز وجل الكونية،
التي يخوف بها عباده لعلهم يرجعون وإليه يعودن، ومن الذنوب يستغفرون، ومن الشرك
للتوحيد يعتقدون، وعن الظلم والبطش يكفون. إنها حادثه خسوف القمر حيث اختفي ضوء
القمر في أطول خسوق منذ 83 سنة تقريباً، واستمرت هذه الآية على مدار 4 ساعات
متواصلة. شهدها أهل الأرض جميعاً.
الخسوف والكسوف في الإسلام
خسوف القمر وكسوف
الشمس آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ويذكّرهم ببعض ما يكون يوم القيامة، قال تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ،
وَخَسَفَ الْقَمَرُ،
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ
الْمَفَرُّ) القيامة: 7ـ10. وعن عائشة رضي الله
عنها قالت: " خسفت الشمس في حياة النبي فخرج
رسول الله إلى المسجد فقام فكبًر وصفً
الناس وراءه، فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من القراءة
الأولى، ثم رفع رأسه قال: سمع الله لم حمده، ربًنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة
طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثمً كبًر فركع ركوعاً هو أدى من الركوع الأول ثم
قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك
حتى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات واجلت الشمس قبل أن ينصرف ثم قام فخطب الناس
فأثنى على الله بما هو أهله ثمً قال: " إنً الشمس
والقمر آيتانن من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها
فافزعوا إلى الصلاة " رواه البخاري ومسلم. وفي رواية ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول
الله فقام
قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً
طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد،
ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون
الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً
طويلاً، وهو دون الركوع الأول ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقالن: " إنً الشمس والقمر آيتانن من آيات الله عز وجل لا ينخسفان
لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله " . قال ابن عبد
البر: هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب.
علامات
وتحذيراتإنً الخسوف والكسوف من آيات الله عز وجل يرهب بهما
عباده ويخوفهم حتى يذكرهم، بحدث من أحداث علامات القيامة الكبرى، كما أن في
الزلازل والبراكين والرياح والعواصف، والفيضانات، علامات وجند من جنود ربك يعذب
بهم من يشاء ويرحم بهم من يشاء. قال تعالى: (إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ،
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ( الشمس:1-4.
وقال تعالى: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ،
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ ،
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) المرسلات: 8-11.
وقال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ،
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ،
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) الإنفطار: 1-4.
وقال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ،
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ) الإنشقاق: 1ـ4.
وقال تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ
زِلْزَالَهَا ،
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) الزلزلة: 1-2.
ذنوب
البشر
إنً ذنوب البشر كثيرة وصلت إلى عنان السماء إلا من
رحم، فزاد الشرك والكفر والإلحاد وعلىً الظلم والطغيان، وصار الحق باطل والباطل
حق، ومن له حق لا حق له، والمغتصب المحتل العاتي صاحب الباطل له الحق، فعبد غير
الله عز وجل، فهناك الملايين من يعبدون الشجر والحجر والبقر والقرود والفروج
والصلبان، وهناك من أشرك مع الله سبحانه وتعالى ، يطوف حول القبور، وينذر
للأولياء، ويذبح للصالحين.
قال
تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )الذاريات:56، وقال
سبحانه: (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)البقرة:21 ، وقال
عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)الإسراء:23، وقال
سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ )البينة:5. وأما عن المسلمين فحدث ولا حرج، نُحي شرع الله عز وجل وحكم بالقوانين
الوضعية، وحُاربت السنة النبوية، ونٌعت المسلمون بأشنع العبارات وأقبح الصفات،
وسادت الجاهلية المجتمعات الإسلامية، والذنوب والمعاصي صارت عرفاً وعادة، والمخالف
لها مذموم ومن الرضا محروم. وشاعت البدع والمنكرات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر خوفاً من الحساب والعقاب ممن لهم الحكم والأمر. سُفكت دماء الأبرياء، وشرد
الأطفال والنساء بين البلدان وفي المخيمات، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ
الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ
قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ،
فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ)
رواه مسلم. وعن أبي موسى الأشعري قال: (كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ يُحَدِّثُنَا
أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ
وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ
الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ
الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ
جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ .
قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟
قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ
ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ
عَلَى شَيْءٍ ) رواه أحمد في
المسند. وانتهكت المحارم
والمقدسات، ونٌكل بالمخلصون والأوفياء، ونفي الصالحون وكثر الخبث وصار المنكر
معروف والمعروف منكر، وضيعت الأمانة، وعشنا زمن الغربة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ ،
قَالَ: ( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ
خُدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ
فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا
الرُّوَيْبِضَةُ . قِيلَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ
) رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ : (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى
دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ) أخراجه الترمذي في
سننه وصححه الألباني. وعمً الجهل وتصدر للمشهد المنافقون المتزلفون فاحلوا الحرام
وحرموا الحلال، وكتموا الحق وزينوا الباطل.عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ :(لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ،
وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ،
وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ
الْمَالُ فَيَفِيضَ)رواه البخاري ومسلم.
توبوا
إلى الله جميعاً
التوبة التوبة أذكر نفسي وإياكم ، والأوبة إلى
الله تعالى والخروج من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وأمر التوبة في الإسلام أمر
عظيم، فهي نعمة جليلة أنعم الله بها على عباده، إذ منحهم فرصة لمراجعة الحساب،
وتدارك ما فات، والأوبة إلى ما فيه نجاتهم من المهلكات، قال
تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)آل عمران: 133. وقال تعالى: (قل يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا)الزمر:53. وقال تعالى: {وهو الذي
يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات}الشورى:25. وقال تعالى: {إنما
التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} النساء:17. وعن عبد الله بن عمر:
أن رسول الله ،
قال: (إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم
يغرغر) رواه أحمد و الترمذي. والنجاة من هذه الدنيا الفانية والفتن الباطنة والظاهرة هو التمسك
بكتابه الله عز وجل وسنة نبيه ، والقبض عليهما، حتى نلقى الله عز وجل، ونبيه على الحوض.
وأخيراً:
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم توبة نصوحة لا نضل
بعدها أبداً
وتوبة قبل الموت
ومغفرة وشهادة عند الموت، وأن يرضى عنا فليس بعد الرضى إلا الجنة، إنه ولي ذلك
والقادر عليه
ولا
تنسونا من صالح دعائكم