الحمد لله الذي سلم ميزان العدل إلى أكف ذوي الألباب،
وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب والعقاب. وأنزل عليهم الكتب مبينة للخطأ والصواب
وجعل الشرائع كاملة لا تقص فيها ولا عاب. أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب، وأشهد بوحدانيته شهادة مخلص في نيته غير مرتاب. وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله أرسله ، وقد سدل الكفر على وجه الإيمان الحجاب ، فنس الظلام بنور الهدى
وكشف النقاب ، وبين للناس ما أنزل إليهم ، وأوضح مشكلات الكتاب ،
وتركهم على المحجة البيضاء ، لا سرب فيها ولا سراب . فصل الله عليه وعلى جميع الآل
وكل الأصحاب، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والحساب.
أما بعـــــد
إنَ هذا الموضوع ذو أهمية بمكان ، لكثرة السؤال عنه من العوام وغير العوام
، واختلاط الأمور عند كثير من الناس ، وأخص بالذكر ممن حُسب على العلماء جوراً وبهتاناً
، ولبسوا عمائم العلماء بالكذب والزور ، وقد سالت منها دماء الأبرياء ، بسبب الفتاوى
المأجورة والأقوال المكذوبة ، لأهل الظلم
و الطغيان. وباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ، طمعاً في المناصب الزائلة والدنيا الفانية
، فاختلطت عندهم العلوم ، ولبسوا على الناس دينهم ، فأصبح الجاهل عميان و طالب
العلم حيران ، يتخبطان بين الحق والباطل ، بسبب عدم فهم المصطلحات ، ومعرفة الفرق
بين أهل السنة والفرق والجماعات ، فصارت العلوم زائفة ، وكانت الأحكام باطلة.
ومنها ما خرج علينا مؤخراً من ذلك المؤتمر
المزعوم الذي جمع طائفة من المجروحين
والعملاء والصوفية والجهلاء ، وقد لبسوا لباس أهل العلم ،
ليفرقوا هذه الأمة أكثر من تفرقها ويمزقونها أكبر من تمزقها ، وما هذا المؤتمر إلا مؤامرة من أجل محاربة
الإسلام وأهله ، وضرب الدعوة الإسلامية وأهل السنة في كل مكان ، فأثبتوا بعد الفرق
الضالة والمتصوفة والمبطلين والمنحرفين على أنهم من أهل السنة والجماعة . وأخرجوا
السواد الأعظم من المسلمين والمؤمنين من أصحاب العلم والدين.
من هم أهل السنة والجماعة؟
تعريف
السنة والجماعة لغاً : باعتبار مُفردَيه (السنة - الجماعة):
السنة لغاً
: مشتقة من سَنَّ يَسِنُّ، ويسُنُّ سَنًّا، فهو مسنون.وسنَّ الأمر: بيَّنه؛ قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ الأحزاب : 38
فسُنَّة
الله: أحكامه، وأمره، ونهيه، وسَنَّها الله للناس : بيَّنَها.
والسنة: السيرة
والطريقة حَسَنة كانت أم قبيحة ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم
-: (مَن سَنَّ
سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بِهَا، ومن سن سنة سيئة)
والسنة: العادة الثابتة التي حكم الله بها وقضاها
ومنها السنن الربانية التي يُجريها الله على
عباده في الدنيا.
السنة اصطلاحًا: على العموم ويراد بها
الشريعة أو الدين
قال الحسن البصري وسفيان
في
تفسير قوله تعالى:﴿ثُمَّ
جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
الجاثية : 18، قالا : أي " على السنة ". وقال شيخ الإسلام "السنة
هي الشَّريعة ، وهي ما شَرَعَه الله ورسوله من الدِّين" انتهى
كما أن
هناك اختلاف ما بين أهل كل فن من فنون الشريعة الإسلامية في الدلالة الاصطلاحية
لمفهوم السنة. فعند الفقهاء تختلف عن الاصوليين عن أهل الحديث عن أهل العقيدة
وهكذا.
تعريف
الجماعة لغاً:أخذت من عِدَّة معانٍ: من الاجتماع: وهو
ضِدُّ التفرق، وضد الفُرقة. ومن
الجمع: وهو اسم لجماعة الناس ، ومن الإجماع
: وهو الاتِّفاق والإحكام ، يقال : أجمع الأمر؛ أي : أحكمه
، ويقال: أجمع أهل العلم ؛ أي: اتَّفقوا . والجماعة: العدد
الكثير من الناس ، وطائفة من الناس يَجمعها غرض واحد.
تعريف
الجماعة اصطلاحًا : تطلق على معان ذكرها
أهل العلم منهم الصَّحابة رضوان الله عليهم وأهل العلم وأئمة الهدى المقتدى بهم في
الدِّين ومن سلك سبيلهم : وتطلق الجماعة على : الاجتماع على الحقِّ وعدم التفرُّق وتطلق
الجماعة على : وتطلق الجماعة على : أهلِ الحلِّ والعَقد ، وهم العُلماء والأمراء والقَادة والوُلاة والقُضاة والأعيان وجموع
المسلمين وسوادهم الأعظم ، الذين على السنة إذا اجتمعوا على إمامٍ ، أو أَمْرٍ من
أمور الدِّين ، أو أمر من المصالح الدُّنيوية المباحة.
تعريف أهل
السنة والجماعة
أهل السنة والجماعة
هم الذين على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم علماً واعتقاداً وقولاً وعملاً وأدباً
وسلوكاً، وهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الذين اجتمعوا على الكتاب والسنة وعلى أئمتهم وأئمة الهدى المتبعين لهم ، وكل من
سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل والسلوك إلى يوم الدين، مثل الأئمة الأربعة
وسفيان الثوري وابن عيينة والأوزاعي وابن المبارك وابن تيمية وابن القيم ومن سار
على دربهم ، وهم الذين استقاموا على الاتباع وجانبوا الابتداع في كل زمان ومكان ،
فهم باقون ظاهرون منصورون إلى يوم القيامة.
قال ابن حزم : "وأهل السنة
الذين نذكرهم أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة ، فأهل الحق هم : الصحابة رضي الله
عنهم ، وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم ، ثم أصحاب الحديث ومن
تبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا ، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق
الأرض وغربها " انتهي
كما يطلق عليهم السلف
الصالح ، وأهل الحديث والطائفة المنصورة ، وأهل الاتباع ، وأهل الجماعة ، وبهذا
المعنى الخاص فإن مصطلح أهل السنة والجماعة يرداف مصطلح " السلفية ":
، الذي نشأ عندما تنازعت الفرق الكلامية وأهل الأهواء مصطلح أهل السنة وتسموا به
" الخلفية " فبرز مصطلح السلفية للتمييز
والدلالة على المتمسكين بالأمر الأول.
وقال شيخ الإسلام : "يدخل في أهل
السنة والجماعة كل من ليس برافضي لأن الرافضة هم المشهورون عندهم بمخالفة السنة فجمهور
العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي ، فاذا قال أحدهم : إنا سني فإنما معناه :
لست رافضياً" .
وقال: " ولقظ أهل
السنة يراد به من أثبت خلافة الثلاثة، فيدخل جميع الطوائف إلا الرافضة " ،
وقد يراد به : " أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات
لله تعالى ويقول القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة ، ويثبت القدر ، وغير
ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة " .
وقال : " إن مذهب
أهل السنة والجماعة مذهب قديم معروف قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي
وأحمد رحمهم الله ، وأنه مذهب الصحابة رضي الله عنهم الذين تلقوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ،
وإنما اشتهرت التسمية به عندما ظهر الابتداع فأطلقت السنة مقابل البدعة ، والجماعة
مقابل الاقتراف وتكفي المسلمين بالذنوب والخروج بالسيف على أئمتهم أئمة الحق"
.
قلت : وبهذا التعريف من
شيخ الإسلام رحمه الله يَخرج الروافض المجرمين من يسبون صحابة النبي الأمين صلى
الله عليه وسلم ، وبعض طوائف الأشاعرة الذين لا يثبتون كل الصفات للرب عز وجل ،
وكذلك القدرية ، وأصحاب البدع من المتصوفة أصحاب القبور والطرق ، ومن يقول بالحلول
والاتحاد وعُباد الأضرحة والمقامات ، ومن قالوا بأن القرآن مخلوق وليس بكلام الله من
المعتزلة والإباضية وغيرهم ، والخوارج الذين يخرجون على الإمام الحق ، كما سيأتي بالتفصيل
في الحديث عن الفرق إنَ شاء الله. .
وللحديث
بقية