أكد المحلل السياسي السعودي مهنا الحبيل أن المملكة المغربية اختارت مشروع الخيار الثالث الذي جنب البلاد مسار الاصطدام المؤدي إلى الأرض المحروقة .
وقال الحبيل، فى مقال بموقع الجزيرة نت تحت عنوان "التجربة المغربية وقصة العبور الآمن": الخلاصات الدامية والفوضى العامة التي أوجدتها الثورة المضادة بفعلها الذاتي، أو بأخطاء رئيسية لبعض شركاء الكفاح السياسي للربيع العربي، وخاصة في التيار الإسلامي، تطرح أسئلة كبرى لا تقف عند لحظة اصطدام المشروع، وإنما تتجاوزها إلى البحث عن خلل التفكير وتاريخ مصادرة العقل المسلم المعاصر من قبل العقل التعبوي المحافظ..
وتابع أنه مع أجواء الربيع العربي، وفيما يُمثّل نوعا من الصدمة الشعبية حتى للمعارضة، تقدم الملك محمد السادس بوثيقة التغيير الدستورية بناء على رغبة وقناعة خاصة تستهدف مواجهة رياح التغيير ونتيجة لذلك وُسّعت مساحة الحريات السياسية، وأُقر مشروع الانتخابات الحرة، وفُصِل الحكم الملكي عن الإدارة الحكومية التنفيذية، وبقيت لديه أو لدى المخزن المرجعية الكبرى في شؤون الدفاع والخارجية، مع رجوع البيت المغربي إليه لحل الإشكالات السياسية في المماسرة الديمقراطية الجديدة.
و"المخزن" مصطلح يطلق في المغرب على النخبة الحاكمة التي تمحورت حول الملك أو السلطان سابقا. ويتألف المخزن من النظام الملكي والأعيان وملاك الأراضي، وزعماء القبائل وكبار العسكريين، ومدراء الأمن ورؤسائه، وغيرهم من أعضاء المؤسسة التنفيذية.
ويضيف الكاتب: كانت هناك شكوك كبيرة بشأن مساحة التنفيذ التي سيتركها المخزن فعليا، ولكن ومع التصويت والتنفيذ أدرك المغاربة أن محمد السادس اختار الطريق الثالث، وترك لتيارات الوطن اختيار ممثليها، ولم يكتف الملك بذلك، بل اختار قبل ذلك (منذ العام 2002) مواجهة المسؤولية في إحدى أكثر الملفات إيلاما للضمير الشعبي، وهو ملف الاعتقال والتعذيب السياسي، فأقر قانون المصارحة والمصالحة (من خلال هيئة الإنصاف المصالحة) بعد إطلاق المعتقلين وسجناء الرأي وتعويضهم، ونُشرت بالفعل آلام المغاربة في الفترة السابقة لعهده وفي ظل ذلك شعر الرأي العام أنه يستيقظ على صباح جديد، وشعر أيضا أن الملكية هي أيقونة استقرار وتقدم سياسي، وأنها لا تقف في وجه طموحه، وبقي يمين الحركة اليسارية وجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين معارضين للمشروع.
واعتبر أن ما يجري فى المغرب ليس كما يظن البعض نموذج ملكية دستورية كما عليه الحال في إنجلترا، ولكنها مزاوجة بين الملكية الدستورية التي تفسح الطريق أمام مشاركة شعبية مقننة، والملكية المطلقة التي لا تمنح تلك الحقوق. فالسلطات الخاصة هنا بقيت للمؤسسة الملكية خصوصا ما يتعلق بالقرارات السيادية المتصلة بالأمن القومي والداخلي، دون اللجوء إلى وسائط القمع، وإنما عبر حقوق الشعب الدستورية، وفتح المجال لبنودها للتطبيق الشامل مباشرة، أو عبر الكفاح السياسي الدستوري القانوني.
ووأشار إلي أنه لا يزال هذا الوازع من الشعور بالسكينة إزاء الملكية بخلفيتها الدينية حاضرا في المغرب لدى الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، وإن تعجب فعجب كيف أن الاشتراكية المغاربية تتمسك بهذه الأيقونة والرمزية، كما يفعل رئيس الحكومة المنتخب عبد الإله بن كيران وفريقه الإسلامي في الوقت ذاته.