تصاعد الجدل في الأوساط السياسية والبحثية، بعد الاعلان عن انطلاق المفاوضات العلنية المباشرة الأولى من نوعها منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة وإيران، في جنيف، اليوم الاثنين. جدل يناقش مدى إمكانية نجاح هذه المفاوضات، وبالتالي حظوظ التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين المعنيين، وخصوصاً أن المحادثات الأخيرة بين إيران والدول الست العظمى (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا) لم تفضِ الى التوصل إلى اتفاق بعد.
تكليف نائب وزير الخارجية الأميركي، وليام بيرنز، بإدارة المفاوضات، وترؤسه للفريق نفسه الذي اشترك في سلسلة المفاوضات السرية مع إيران في سلطنة عُمان عام 2012، وساعدت في التوصل إلى الاتفاق النووي المؤقت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يشير إلى جدية الولايات المتحدة في السعي الى التوصل الى اتفاق شامل قبل حلول 20 يوليو/ تموز، الموعد الذي حدده الاتفاق المرحلي بين الطرفين.
وكان مسؤول أميركي، لم يكشف عن هويته، قد اعتبر، في تصريح لوكالة "أسوشيتد برس"، أن اختيار الادارة الاميركية لهذا الفريق المفاوض، هو بمثابة "اختبار لدبلوماسيتنا في التوصل الى اتفاق".
وتؤكد المؤشرات المستندة إلى تحركات اتخذها الطرفان، الأميركي والإيراني، أنهما جادان في التوصل الى تسوية. لكنّ ورود تقارير عن وجود انقسامات جوهرية بين إيران والدول الست، خصوصاً من الطرف الأميركي، يُضعف الآمال في إمكانية حصول اتفاق قريباً.
ويرى مراقبون أن الاخفاقات الأخيرة في التوصل إلى اتفاق، كانت بسبب اختلافات جوهرية ظهرت بعد الاتفاق المبدئي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، خصوصاً بسبب العراقيل التي تواجه إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الداخل، والمتمثلة بتشدد الكونجرس تجاه ما يعتبره "تنازلات" للجانب الإيراني، إضافة إلى العقبات التي تواجه إدارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والمتمثلة بمعارضة المحافظين المتشددين لما يعتبرونه "استحقاقاً وطنياً".
وفي السياق، تواجه المفاوضات عقبات دولية، متمثلة بشكوك وقلق من قبل أطراف من خارج الدول العظمى الست، أهمها إسرئيل والسعودية. وعلى الصعيد الأميركي، يتّخذ مجلس الشيوخ الأميركي موقفاً متشدداً تجاه البرنامج النووي الإيراني، ويرفض حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وامتلاكها القدرة على صنع أسلحة نووية. وقد حاول أن يترجم موقفه هذا عبر تقديم مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات جديدة على الجمهورية الاسلامية، ما دفع بأوباما إلى التلويح باستخدام حق الفيتو لمنع تمريره.
كذلك يحاول الجمهوريون واللوبي الصهيوني، من خلال "إيباك" (لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائلية)، التأثير على المباحثات النووية، عبر الدفع بمشروع قانون يقضي بطرح كل اتفاق يتم التوصل اليه مع إيران، بشأن برنامجها النووي، أمام الكونغرس. لكن هذه المحاولة لم تتكلّل بالنجاح.
على الصعيد الإيراني الداخلي، فإن روحاني، الذي لا يمتلك القرار الأخير بشأن المفاوضات النووية، الذي يبقى بيد المرشد الأعلى، علي خامنئي، يتوجب عليه أن يجد أرضية مشتركة مع الدول الست، وفي الوقت نفسه إرضاء المحافظين في بلاده، الذين يتخذون موقفاً متشدداً من المفاوضات النووية. كما يتوجب على الرئيس الايراني إظهار بلاده وكأنها خرجت منتصرة في نهاية المطاف، لحفظ هيبتها أمام شعبها وأمام العالم. وانعكس الضغط الإيراني الداخلي على روحاني في تصريحاته المتشددة في الفترة الأخيرة، والتي أكد فيها أن "بلاده لن تقبل بالتمييز النووي للتخلي عن برنامجها، غير أنها مستعدة لتكون أكثر شفافية".
ويرى المختص في السياسات الدولية، البروفيسور علي رضا نادر، أن تصريحات روحاني هذه "تعكس توجهات المرشد علي خامنئي وليس توجهات روحاني نفسه". وكشفت تقارير مسرّبة من أروقة المباحثات الأخيرة بين إيران والدول الست، عن وجود عقبات أدت الى فشل المفاوضات بين الطرفين.
وبحسب مركز التحليلات الأمنية والاستراتيجية الاميركي، "راند"، فإن إيران طلبت الإبقاء على 9 آلاف جهاز للطرد المركزي، وزيادة عدد هذه الأجهزة ليصل إلى 50 ألف جهاز. كما كشفت أن "هذا الطلب واجه رفضاً أميركياً، مع أن الجانب الأميركي وافق لاحقاً على أن تحتفظ إيران بنحو 3 آلاف جهاز فقط".
ويرى مراقبون أن الطلب الإيراني هذا (الابقاء على 9 آلاف جهاز للطرد المركزي) هو رقم تفاوضي قابل للتخفيض، قد يصل الى 4500 جهاز، وفهموا المرونة الايرانية المستجدة على أنها تترجم رغبة طهران الشديدة برفع الحظر الدولي عن اقتصادها المنهك. كما يرى كثيرون أن المشكلة الاقتصادية الإيرانية، ليست مشكلة روحاني وحده، وإنما هي أيضاً مشكلة خامنئي وأنصاره المحافظين.
في المقابل، ترى دراسة أجراها "مركز الولايات المتحدة للسلام"، أن مفاعل "آراك"، الذي لا يزال قيد الانشاء، هو أحد القضايا الرئيسية التي تقف عندها المفاوضات، وخصوصاً أنه يمكن أن يستخدم في النهاية في تصنيع سلاح نووي. وعلى الرغم من إعلان إيران عزمها على إعادة تصميم هذا المفاعل بهدف الحد من قدرته على إنتاج البلوتونيوم بدرجة كبيرة تحت ضغط القوى الكبرى، لكن هذا الاعلان لم تفعله إيران حتى اللحظة.
وبالرغم من كل تلك العقبات، يتوقع مراقبون أن تتوصل إيران والولايات المتحدة الى اتفاق، ربما بعد 20 يوليو/ تموز بأشهر قليلة، عازين ذلك إلى الجهد الدبلوماسي الذي تبذله واشنطن في الآونة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق، خصوصاً أن إيران ليست في موقع يؤهلها لفرض شروط صعبة، وبالتالي عليها تخفيض سقف مطالبها إذا أرادت الوصول إلى اتفاق.