حصلت «الشرق الأوسط» على المحضر الكامل للقاء عقد بين نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في 23 مايو (أيار) 2013، وهو اجتماع خصص لاستكمال البحث في المواضيع التي طرحت مع وزير الخارجية سيرغي لافروف قبل يوم من هذا الاجتماع، ونشرت تفاصيله «الشرق الأوسط» الأحد الماضي.
وتنشر «الشرق الأوسط» اليوم مقتطفات من الحوار الذي دار بين المقداد وبوغدانوف، وستنشره كاملا الخميس على موقعها الإلكتروني، بالاتفاق مع مركز «مسارات» وموقع «وثائق دمشق».
وحسب المحضر، حضر اللقاء من الجانب السوري أحمد عرنوس مستشار وزير الخارجية والمغتربين، ورياض حداد سفير سوريا في موسكو، ومن الجانب الروسي سيرغي فيرشينين مدير إدارة الشرق الأوسط.
ويبدأ المقداد اللقاء بسؤال استفهامي حول دور الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، فيرد بوغدانوف «الأخضر لم يشارك شخصيا في اجتماع أصدقاء سوريا لأنه يحاول أن يبرز أنه محايد وأنه يلعب دور الوسيط بين دمشق والمعارضة، وكان حزينا لتسليم مقعد سوريا والاعتراف بالائتلاف كممثل شرعي وحيد وقال هذا غير واقعي. لكن يبقى الإبراهيمي تحت تأثير الأوساط التي يعمل فيها في القاهرة ونيويورك وجنيف. وكان على وشك تقديم استقالته، وأنا عندما جلست معه كان مستاء بشكل كبير من التطورات، وأشار إلى أنه لا حل للأزمة لأن كلا الطرفين اعتمد على الحل الأمني والعسكري ولا توجد لديهما رغبة في الحوار أو التوصل إلى حلّ سلمي لأنهما يأملان في تحقيق النجاح عسكريا».
ويرد المقداد في ما يتعلق بالإبراهيمي قائلا «أعتقد أن هناك خطأ في آلية تحليله لما يجري في سوريا، فهو يؤمن بأن ما يحدث هو ربيع عربي ونتيجة أخطاء الأنظمة، ولم يدرك التفاوت في الأوضاع بين تونس واليمن ومصر والأوضاع في سوريا. أوقعه هذا التعميم وإعطاء الشرعية للربيع العربي في الخطأ في آلية ومضمون تحركه (...) أعتقد أن الحكمة خانت الإبراهيمي في التعامل مع الأزمة السورية، وهو لم يكتب حتى كلمة واحدة في تقريره الأخير الذي عرضه أمام مجلس الأمن عن البرنامج السياسي الذي طرحه السيد الرئيس بشار الأسد وخصص صفحة فيه عما سماه المبادرة التي أطلقها معاذ الخطيب والتي وصفها «بالعظيمة»، تشعر كما لو أن هناك هيمنة من نوع ما على طريقة تفكيره. هو يعرف من خلال مكتبه في سوريا والاتصالات التي تجري معه وضع المعارضة السورية السيئ، وهو رفض اللقاء ببعض المعارضات الحقيقية على الأرض في سوريا لأنها ليست مع الولايات المتحدة الأميركية ولا الغرب، ولم يمارس الموضوعية في هذا الشأن».
من جانبه، يقول بوغدانوف «يمكن أن نوافق على هذا التقييم لكن الإبراهيمي يتصرف كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ولديه تكليف منه ومن العربي، لذلك هو شخصية غير مستقلة، والمزاج في الجامعة العربية معروف، وذلك يؤثر عليه، وهو لم يمارس النهج المستقل لكنه كشخص ليس سيئا».
بعدها يأخذ بوغدانوف دور محامي الشيطان، فيبدأ في مناقضة كلام المقداد منطلقا من رؤية الآخرين في المعارضة. يقول بوغدانوف «عندما زارنا وفد مجلس الشعب السوري تحدث عن الديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة والحوار والدولة العادلة، لكن هذا يتطلب بعدا دوليا. مثلا أنتم تقولون لنا يمكنكم إرسال مراقبين أثناء الانتخابات. لكن الدول التي تقف خلف المعارضة تقول أي مراقب سيكون مراقبا من المخابرات والأمن السوري، فالضمانات لحرية التعبير عن الرأي والشفافية يمكن أن تتم عند خلق الظروف لذلك، فالنظام الذي يعتمد على المخابرات في مراقبة الانتخابات سيفوز فيها بنسبة تسعين في المائة».
فيرد المقداد بالقول «في آخر مقابلة إعلامية للسيد الرئيس سُئل هذا السؤال وأجاب بأننا نبحث عن آليات جديدة، وأنه يجب أن تجلس الحكومة والمعارضة لمناقشة الدستور وقانون الانتخابات، المهم أن يجلس هؤلاء لنجد آلية ضمان انتخابات نزيهة، فلماذا يحكمون مسبقا على آلية لم يتفق عليها حتى الآن؟».
وحول بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، يقول المقداد «لدينا موضوع أساسي هو مقام الرئاسة، في هذا المجال نحن نتحدث عن وحدة سوريا والشعب السوري، فعندما نقول إن هذا خط أحمر فنحن حقيقة لا ندافع عن شخص فقط وإنما عن بلد بأكمله. إنهم يريدون اتباع هذه الوسيلة الانقلابية وقالوها منذ اليوم الأول للأزمة، ونحن صمدنا بفضل دعمكم وتضامنكم معنا حتى الآن لمدة سنتين وشهرين. لماذا هذا الصمود؟.. لأن شعب وجيش وحكومة سوريا لا يريدون تسليم مقاليد البلد لإسرائيل أو الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا التي تسعى كل منها لإعادة الهيمنة الاستعمارية على سوريا. الرئيس الأسد بما يمثله كرمز لوحدة سوريا ولدور الجيش أصبح حاجة أساسية قبل أن يكون سيادته هو المعني بهذا الموضوع. نحن المهتمون حقيقة بهذا الموضوع، فلو حدث ذلك ما الذي سيجري على الأرض؟.. لن تكون هناك سوريا. من هو رئيس الوزراء الذي يستطيع أن يسيطر على الجيش والأمن الآن؟.. سينقلب الجيش السوري إلى عصابات إرهابية ومجموعات متشتتة، وكذلك الأمن سيتفرّق، وسيقع البلد في ورطة لا سبيل إلى حلها كما حدث في بلدان أخرى».
ويناقشه بوغدانوف بالقول بأن «هذا الشيء موجود الآن. ففي المناطق التي يسمونها المناطق المحررة الحدود مع لبنان والأردن وتركيا مفتوحة ويتم التدخل من خلالها».
فيرد المقداد «إذن يجب أن يكون الهدف الأساسي للمؤتمر هو وقف التدخل الخارجي. تركيا الآن لديها مشاكل حقيقية، وكذلك الأردن ولبنان». ويتابع بالقول «هدفنا الحفاظ على سوريا ولا نريد تكرار التجربة العراقية أو الليبية أو أفغانستان وغيرها».
فيرد بوغدانوف «نحن متفقون معكم ولكن يجب أن تتحدثوا مع المعارضة في هذا الأمر. عندما زرنا القاهرة التقينا مع الإبراهيمي وقال حينها إنه خلال لقائه مع الرئيس الأسد اقترح أن يتم تحويل النظام الرئاسي في سوريا إلى برلماني وتجرى الانتخابات في أسرع وقت لتشكيل البرلمان على أساس التعددية الحزبية وفي ضوء نتائج الانتخابات تتشكل الحكومة الديمقراطية، وتعدل كل الصلاحيات ويتحول منصب الرئيس إلى شخصية بروتوكولية لحفظ ماء وجهه، بمعنى أن رئيس الوزراء سيتمتع بكل الصلاحيات».
عندها يستنتج المقداد قائلا «هذا يعني يمكن أن يتحول الرئيس الأسد إلى رئيس للوزراء في ظل النظام الجديد، فهل يقبل المعارضون بذلك؟ ما يقوله الرئيس الأسد إن ما يهم هو أن يجلس السوريون ويختاروا النظام الذي يناسبهم، ولا نريد أن يأتي الإبراهيمي ويقول هذه هي الوصفة».
وبعد الانتقال إلى مأدبة الغداء يتدخل مسؤول إدارة الشرق الأوسط في موسكو، قائلا للمقداد «سألتقي مع الإسرائيليين خلال زيارتي، هل تريدون أن أنقل أي رسائل إلى الطرف الإسرائيلي؟». فيرد المقداد «لا توجد رسائل من جانبنا للإسرائيليين، لا سيما بعد العدوان على جمرايا وقبلها على مطار دمشق الذي لم نعلن عنه في البداية، وقد أعلنوا عن ذلك بأنفسهم، وعلى الرغم من أن العدوان الثاني كان مدمرا فإنه لم يحقق أهدافه، فلم تكن هناك أسلحة لحزب الله كما ادعوا، وهذا يدل على ارتباط المسلحين مع الإسرائيليين، ومن الواضح أن هذه الاعتداءات تترافق مع الإنجازات التي يحققها الجيش نحو دمشق وحمص ودرعا ميدانيا. وكما تعلمون هناك اتصالات وتنسيق بين المعارضة وإسرائيل وهناك اجتماعات تعقدها المعارضة السورية مع الموساد الإسرائيلي».
ويتدخل بوغدانوف بالقول «حضرت جزءا من لقاء (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين وكان يرافقه رئيس الاستخبارات الذي قال إنهم أصبح لديهم في سوريا جواسيس موثوقون، وإن الإسرائيليين يعرفون ما يجري في سوريا بشكل كامل». فيرد المقداد: «إن رسالتنا إليهم هي أننا لن نسكت على أي عدوان جديد، وفي المرة القادمة إن ضربوا صاروخا فسنضرب عدة صواريخ، لن نسمح لهم باستغلال أوضاعنا وسنزود حزب الله بالأسلحة النوعية التي يحتاجها».
فيجيبه فيرشينين «يؤكد الإسرائيليون أنهم لا يريدون التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا». عندها يقول المقداد: «يشنون الغارات علينا ويقولون ذلك، إن ما قاموا به أكثر من تدخل وأكبر من انتهاك». فيرد بوغدانوف «هم يقولون ذلك، وطلبوا نقل هذه الرسالة بأنهم لن يتدخلوا في الشأن السوري مع طرف ضد طرف آخر وأنهم يراقبون عن بعد. وعندما سألناهم لماذا تضربون سوريا أجابوا أنهم يضربون حزب الله.. فسألناهم لماذا لا تضربونه في لبنان، فأجابوا بأن لديهم معلومات عن حزب الله في سوريا أكثر مما لديهم عنه في لبنان».
ويتدخل فيرشينين في الحوار قائلا «من الواضح في البيان الختامي لما يسمى مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي عُقد في عمان أنه تم التركيز على مشاركة عناصر من حزب الله في المواجهة في سوريا». عندها يرد المقداد «هم الذين دفعوا حزب الله أن يزج نفسه من خلال اعتداءات المتطرفين اللبنانيين في شمال لبنان على الحدود السورية وعلى اللبنانيين في القرى السورية واللبنانية».
عندها يقول بوغدانوف «كان لي لقاء في بيروت مع الشيخ محمد رعد والسيد حسن نصر الله حيث اجتمعت مع الأخير في منتصف الليل واستمر الاجتماع حتى الساعة الثالثة فجرا. قال لي إن الأصدقاء في سوريا هم الذين يحتاجون السلاح الآن، وتستطيعون أن تنقلوا للإسرائيليين أن أهدأ مكان في الدنيا هو على الحدود اللبنانية الجنوبية، لأن كل اهتمامنا منصب على ما يجري في سوريا، وأنه لا توجد لدينا نية لفعل شيء في هذه المنطقة (الحدود اللبنانية - الإسرائيلية). أدركت أن هذا لمصلحة إسرائيل لأن اهتمام حزب الله تحول إلى سوريا بدلا من إسرائيل فقط، وأنه أصبحت موارد حزب الله تستنزف في معارك سوريا».