الحمد
لله العالم بعدد الرمل والنمل والقطر، ومصرف الوقت والزمن والدهر، الخبير بخافي
السر وسامع الجهر، القدير على ما يشاء بالعز والقهر، أقرب إلى العبد من العنق إلى
النحر. الأول والآخر فلا إله سواه، الكريم في منحه وعطاياه، القاهر لمن خالفه
وعصاه، خلق آدم بيده وسواه واستخرج ذريته كالذر. أنعم فلا فضل لغيره، وقضى بنفع
العبد وضيره وأمضى القدر بشره وخيره، فحث على الشكر والصبر. أحاط علماً بالأشياء
وحواها، وكيف لا وهو الذي بناها، وقهر المضادات فسواها بلا معين يمده بالنصر. لا
كيف له ولا شبيه ولا يجوز عليه التشبيه، عالم السر وما يعرض فيه، متنزه عن تصور
الفكر. أقسم في القرآن بصنعته، والقسم على الحقيقة بقدرته، فتأمل ما تحت القسم من
فائدته (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ*
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ *وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ
﴾الفجر:1-4.
أحمده
حمداً ليس له نهاية، وأقر له بالتوحيد فكم دلت عليه آية، وأصلي على رسوله محمد
الذي ما ردت له راية، صلاة تصل إليه في القبر، وعلى ضجيعه أبي بكر الصديق وعمر
الشديد في الحق الوثيق، وعثمان المحب الشفيق، وعلي الرفيع القدر، وعلى عمه أبي
الفضل العباس، الشريف الأصل كريم الأغراس، الذي نسبه في الأنساب لا يقاس.
أما
بعـــــــــــد
قال
تعالى:( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ) الفجر:
1
الفجر: ضوء
النهار إذا انشق عنه الليل، وفي المراد بهذا الفجر ستة أقوال:
أحدهما: أنه
الفجر الذي هو بدء النهار. قاله علي بن أبي طالب وعكرمة وزيد بن أسلم والقرطبي.
والثاني: صلاة
الفجر.
والثالث: النهار
كله، فعبر بالفجر عنه لأنه أوله، والأقوال الثلاثة عن ابن عباس.
والرابع: أنه
فجر يوم النحر خاصة، قاله مجاهد.
والخامس: فجرأول
من ذي الحجة، قاله الضحاك.
والسادس: أول
يوم من المحرم تنفجر منه السنة. قاله قتادة
وقال
تعالى: (وَالشَّفْع وَالْوَتْر) الفجر:
2 فيها أربعة أقوال:
أحدهما: أنه
عشر ذي الحجة. رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال مجاهد ومسروق وقتادة والضحك والسدي
ومقاتل.
الثاني: أنها
العشر الأواخر من رمضان، قاله أبو ظبيان عن ابن عباس.
والثالث: العشر
الأول من رمضان. قاله الضحاك.
والرابع: العشر
الأول من المحرم. قاله يمان بن رثاب.
المشهور
من الأقوال:
إن
المشهور من الأقوال بأن العشر يقصد بها العشر من ذي الحجة.
فعن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:)ماالعمل
في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهادإلا رجل خرجيخاطربنفسه
وماله فلم يرجع بشيء) رواه البخاري
وفي رواية
(مَا
مِنْأيام الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلى اللَّهِ مِنْ
هَذِهِالْأيام-يعْنِي أيام الْعَشْرِ -قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ،ولا
الْجِهَادُفِي سَبِيلِاللَّهِ؟قَالَ:
ولا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلارَجُلٌ خَرَجَبِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سبيل
الله، ثم لميرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيء)رواه
أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه
وعن ابن
عباس مرفوعا بلفظ :( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب
إليه العمل فيهن منأيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل). أخرجه
وأبو طاهر الأنباري وقال المنذري وإسناده جيد.
قلت: والحديث
مضطرب الإسناد فتارة يروي عن مجاهد وتارة عن ابن عباس، وفيه ضعف بسبب يزيد بن أبي
زياد وهو الكوفي الهاشمي.
قال
أبو عثمان النهدي: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر
الأول من ذي الحجة، والعشر الأخيرة من رمضان، والعشر الأول من المحرم.
فضائل
العشر من ذي الحجة:
اعلموا
رحمكم الله أن عشركم هذا ليس كسائر العشر، وهو يحتوي على فضائل عشر.
الأولى: أن الله
عز وجل أقسم به، فقال (وليالي عشر).
والثانية: أنه
سماه الأيام المعلومات، فقال تعالى: (وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الحج:
28. قال ابن عباس: هي أيام العشر
والثالثة: أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه أفضل أيام الدنيا.
والرابعة: حث على
أفعال الخير فيه.
والخامس: أنه
أمر بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل فيه.
والسادسة: أن فيه
يوم التروية.
والسابعة: أن فيه
يوم عرفة وصومه بسنتين.
والثامنة: أن فيه
ليلة جمع وهي ليلة المزدلفة.
والتاسعة: أن فيه
الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام.
والعاشرة: وقوع
الأضحية التي هي علم للملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية. ومن أراد أن يضحي كره
له إذا دخل عليه عشر ذي الحجة أن يأخذ بشرته وأن يقلم أظفاره أو يحلق شعره، وليتشبه
بالمحرمين، ومن أصحابنا من قال يحرم ذلك كله
عن أم
سلمة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:( من كان
له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى
يضحي)رواه مسلم
ما
لنفسي عن معادي غفلت أتُراها نسيت ما فعلتْ
أيُّها
المغرور في لهو الهوى كل نفسٍ ستَرى ما عملتْ
أفِّ
للدنيا فكم تخدعنا كم عزيزٍ في هواها خذلتْ
رُب
ريحٍ بأناس عصفتْ ثم ما أن لبِثت أن سكنتْ
أين من
أصبح في غفلته في سرورٍ ومُرادات خلت
أصبحت
آماله قد خسرت وديارُ لهــوه قد خربتْ
فغدتْ
أمواله قد فُرِّقت وكأنَّ داره ما سُكنتْ
أين من
ملك وقهر، واستعمل في حفر النهر ونهر، ضم الموت ذلك البشر ,اخمد التلف ذلك الشرر،
ونقضت الآفات قويات المرر، وعلموا أنه لا يصلح الأشر البشر، واستبانوا أن بيعهم
بيع الغرر.
كم راعت
المنون سربا سرباً، كم أثارت قسطلا وحربا، تالله لقد جالت بُعداً وقرباً، فاستلبت
البعدي وذوي القربى
كم عمرت
بخراب دورهم تُربا، فسل بها حال سلبها عن قليل صحراؤها.
يا من قد
سارت بالمعاصي أخباره، يا من قد قبح إعلانه وإسراره، يا فقيراً من الهدى أهلكه
إعسارهن أتؤثر الخسران قل لي أو إحصاره، نقدك بهرجٌ إذا حُك معياره، كم رُد على
مثلك درهمه وديناره، يا محترقاً بنار الهوى متى تخبو ناره، ما يلين قلبك لغامز،
وما يُرى لما تشتهي متجاوز، ما هذا الفعل فعل فائز، إن مطيعَ الزمان حالٌ عاجز،
وإن بين يديك لمَفاوز، فيها أهوال وهَزاهز، نقومك ولا تستوي، من يغير
الغرائز؟؟
أيتها
النفس اسمعي لقيلي أنت من الحياة في أصيلِ
وفي
غُرور أملٍ طويلِ فلا يَغُرّنْك ضُحَى التَّأميلِ
فقد
دنت شَمْسك للأفولِ
عبــــــــــــاد
الله:
هذه
الأيام مطايا فأين العدة قبل المنايا، اين الأنفة من دار الأذايا، أين العزائم
أرضيتم بالدنايا، إن بلية الهوة لا تُشبه البلايا، وإن خطيئة الإصرار لا كالخطايا،
يا مستورين ستظهر الخبايا، سرية الموت لا تشبه السرايا، قضية الزمان ليست
كالقضايا، راعي السلامة يقتل الرعايا، رامي المنون يُضمي الرمايا، ملك الموت لا
يقبل الهدايا.
أيها
الشاب: ستسأل عن شبابك، أيها الكهل: تأهب
لعتابك، أيها الشيخ: تدبر
أمرك قبل سد بابك، كنت في بداية الشباب أصلح، فيا عجباً كيف أفسد من أصلح، يا
مريض القلب: قف بباب الطبيب، يا
مبخوس الحظ: اشك فوات النصيب، لذ بالجناب
ذليلاً، وقف على الباب طويلاً، واتخذ في هذا العشر سبيلاً، واجعل جناب التوبة
مقيلاً، واجتهد في الخير تجد ثواباً جزيلاًن قل في الأسحار: أنا تائب، ناد في
الدُّجى: قد قدم الغائب.
أنا
المسيءُ المذنبُ الخاطِي المفْرط البيِّن إفــراطِي
فإن
تعاقبْ أنا أهلٌ له وأنت أهلُ العفوِ عن خاطِي
ألجأني
إلى الذُّل أنا الجاني وألقاني الزلل على باب الأسف
بدمعي
القاني ولقد أُقْرِح شأني من خوف شانئ شاني
اعفْ
عنِّي وأقلني عثرتي يا عمادي لملمّات الزمنْ
لا
تعاقبني فقد عاقبني ندم أتلف رُوحي والبدن
لا
تطير وسنا عن مُقلة أنت أهديتَ لها طيب الوسَنْ
إنْ
تؤاخذني فمن ذا أرتجي وإذا لم تعف عن ذنبي فمن
خوف
المخالفين ما فعل بنظرائهم
وأخيـــراً:
أذكر
نفسي وإياكم بفضل العشر فعليكم بالصيام والقيام وقراءة القرآن وصلة الأرحام،
والصدقة والتوبة والأوبة، لعل الله يقبلنا في الصالحين
وأخر
دعوانا إن الحمد لله رب العالمين
ولمزيد
فضل للعشر
http://www.mohammedfarag.com/play.php?catsmktba=20775
http://www.mohammedfarag.com/play.php?catsmktba=20692