بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مرحبا بكم في موقع فضيلة الشيخ/ محمد فرج الأصفر نتمنى لكم طيب الاقامة بيننا        
:: الأخبار ::
انتبه الموت قادم ..... فماذا انت صانع ؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     فضل الترضى عن الصحابة .. والرد على من قال بعدم الترضى ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     هل شفاعة النبي يوم القيامة للمسلمين وغير المسلمين؟ والرد على المردفين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رد الشبهات على من قال بفناء النار أو إلغائها ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ورحل شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من قال بعدم دخول أبو لهب النار ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رمضان في غزة جوع ودموع وحرمان من العبادة ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من يزعم ان الجنة يدخلها غير المسلمين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ثماني عبادات لا تغفلوا عنها في رمضان ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ملف شهر رمضان ... مقالات وفتاوى ودروس ( العلوم الإسلامية )     ||     
:جديد الموقع:
 

موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || ولماذا تُقطع أيديكم؟! ردًّا على الأسواني ( 1 )
::: عرض المقالة : ولماذا تُقطع أيديكم؟! ردًّا على الأسواني ( 1 ) :::
Share |

الصفحة الرئيسية >> أقلام القراء >> مقـــالات منـوعـــة

اسم المقالة: ولماذا تُقطع أيديكم؟! ردًّا على الأسواني ( 1 )
كاتب المقالة: د.محمد علي يوسف
تاريخ الاضافة: 28/11/2012
الزوار: 770

آثرت أن أبدأ المقال بهذا السؤال الاستفهامي الخاص بافتراض عجيب افترضه الدكتور علاء الأسواني في عنوان مقاله المنشور اليوم بجريدة (المصري اليوم).

لقد عنون الدكتور علاء مقاله بجملة غريبة قال فيها: "قبل أن تقطعوا أيدينا"!!
ولم أفهم من المقال بعدها - صراحة - ما المطلوب أن نفعله قبل ذلك؟! لكن الأهم في رأيي، وما لم ألتقطه كذلك هو ماهية السبب الذي افترض الدكتور لأجله أن هناك مَن يريد قطع يديه؟!

فمعلوم أن قطع الأيدي عقوبة شرعية خاصة بمن سرق مالاً أو متاعًا، وأعيذك بالله - يا دكتور - أن تكون من السراق! فلا أدري لماذا وضعت نفسك في ذلك الموضع الافتراضي غير المبرر؟!

والحقيقة أنني كنت في حالة نفسية بعد أحداث غزة وحادث أسيوط الأليم دفعتني إلى التوقف قليلاً عن سلسلة مقالات كنتُ قد شرعت فيها؛ ردًّا على بعض الشبهات التي يكثر تداولها اليوم حول الشريعة وتطبيقها.

وكنتُ أظن عملاً بقواعد اللياقة المعروفة التي تقتضي بعض التهدئة؛ أن البعض سيؤثرون تأجيل تلك المعارك لوهلة، ريثما تخرج البلاد من تلك الظروف الأليمة داخليًّا وخارجيًّا، لكن يبدو للأسف أن أولئك البعض - ومنهم الدكتور الأسواني - يأبون إلا النزاع.
لا بأس إذًا؛ أجد نفسي مضطرًّا للرد بعد انتشار المقال واعتبار البعض أن ما ذكره الدكتور يعد شبهات تشغب على فهمهم المستقر للشريعة، ولعلها فرصة طيبة لتعريف الناس ببعض القواعد الشرعية والأحكام الفقهية التي ربما تغيب عن كثير منهم في زحمة الحياة، وقلة وقت القراءة، وسأعدُّ ذلك مقامًا هو من الأهمية بمكان لتوضيح بعض الأصول العامة التي بدأ بها الدكتور، والفروع التفصيلية التي جعلها أمثلة؛ ظنًّا منه أنها تعضد وجهة نظره التي تفرق بين معنى الشريعة، ومعنى الأحكام الفقهية؛ وتزعم أن تلك الأخيرة بمجملها مجرد اجتهادات بشرية لا تصلح لزماننا.

المشكلة الرئيسة دائمًا أن مَن يشن هجومًا - غالبًا - ما تكون مهمته أسهل؛ فالشبهة لا تحتاج إلا إلى جملة أو أقل لتُطرح، بينما يحتاج الرد عليها لتفصيل أمين؛ ومِن ثَمَّ تصعب المهمة على الرادِّ؛ لا لصعوبة الشبهات، ولكن لكثرتها؛ ما يؤدى لطول المقال، وجلُّ الناس - للأسف - لا يصبرون على القراءة المطولة، والردود العلمية، وتستهويهم أكثر الهجمات المثيرة التي يجيدها الأستاذ علاء، ويُكثر منها، بينما كان الأولى به إن أراد النقاش العلمي؛ أن يطرح مسألة موضوعية، وتناقش تلك المسألة بهدوء، لكن ما دام قد فعل فسأكتب ردًّا تفصيليًّا متكاملاً، وربما بعد ذلك أعيد نشره مُجزءًا، ومَن شاء أن يطلع فليفعل، ومَن لم يشأ فعليه أن يعلم أن الرد موجود، وليرجع إليه متى تيسر له.

لقد بدأ الدكتور علاء الأسواني بضربة استباقية معتادة بطريقة مألوفة؛ وهي الطريقة الترهيبية التي يظن منتهجوها أنها تقطع الطريق على المخالف خوفًا من أن يقع في تهمة التكفير التي تصدر بها تلك الطريقة دائمًا، كما فعل الدكتور بسؤاله الذي استفتح به "هل أنت مسلم؟" ملمحًا إلى التشكيك في إيمان مَن يطرح مثل تلك الأطروحات حول الشريعة، وتطبيقها، والحكم بها.

والحقيقة أن الآيات القرآنية تَكثر في هذا الشأن، وفيها هذا السؤال الواضح الذي يستنكر بوضوح على مَن يدعو لاستبدال حكم الله وشرعه بغيره "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون".

ما المفترض أن يُفهم من مقالات كاملة تدبج في شأن واحد؛ وهو عدم صلاحية الشريعة، وأحكامها لكل زمان؟!

ما الذي يتصوره القارئ حينما يظل الدكتور - وغيره - طوال أسطر مقاله يطرح نماذجَ من الشريعة في إطار عدم مناسبتها واستحالة أو خطورة تطبيقها، ثم يختم مقاله بجملته الدائمة: الديموقراطية هي الحل؟

هل مفترض أن نفهم من تلك المقابلة أن الدكتور يدعو لتطبيق الشريعة مثلاً، أو أنه يقبلها ويوافق عليها أم أنه يفضِّل حكم الشعب لنفسه بنفسه عن حكم الله، (ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون)؟!

أترك له هو الإجابة عن هذا السؤال بجملة من مقاله أعجبتني كثيرًا في الحقيقة؛ وهي قوله: "أي مسلم قطعًا يحب أن تطبق شريعة الإسلام" هكذا بلفظه. وأنا أشكره جدًّا على هذه الجملة فقد قصرت عليَّ طريقًا طويلاً.

الرجل مُعترف إذًا أن المسلم لا يسعه إلا أن يحب الشريعة؛ لكن المشكلة في رأيه أننا لا نفهم معنى كلمة الشريعة؛ ومِن ثَم يقرر أن يطرح لنا (رأيه) في معنى تلك الكلمة (الربانية)، والاصطلاح (القرآني) المحكم.

لقد عرَّف الدكتور علاء الشريعة بقوله: إنها المبادئ الثابتة التي أنزلها الله، وهي تختلف في رأيه عن الأحكام التي هي - على حد قوله - من صنع الفقهاء، ولا تعدو كونها مجرد اجتهاد بشري!

والحقيقة أنني بحثت جاهدًا عن أحد أهل العلم المتخصصين ممن سبقه بهذا التفريق أو التعريف، أو حتى بتعريف قريب منه، أو يشبهه؛ فلم أجد، ولقد كنت أبحث من باب الأمانة، وإلا فأنا أعلم علم اليقين أن هذا ليس تعريفًا علميًّا للشريعة، وإنما هو محض رأي من الدكتور علاء.

ولو أن الشريعة كانت مجرد نظرية، أو فكرة، أو فلسفة أرضية؛ لربما قبل من الدكتور علاء أو مِن غيره أن يفسِّرها كما يشاء، ولربما وقف له أربابُ تلك الفلسفات الوضعية - حينئذٍ - معارضين أو مخالفين، وكل ذلك قد يُقبل في إطار الاجتهاد البشري العادي، لكن المشكلة أن الدكتور لم يلحظ - على ما يبدو- أن الشريعة مصطلح قرآني، ومنهج رباني طالما ذُكر في كتاب الله بلفظه، ومشتقاته، ومن خلال كلام الله يتبين معناها الاصطلاحي والشرعي، كما في قوله: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ".

ففرَّق هاهنا بين الوصية والوحي، وبيَّن أن ما أوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو من الشريعة، وأنها هي المنهج المتكامل والطريق والنظام الذي أوصى الله رسولَه وأمته باتباعه "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ".

ولقد بيَّن الحق - جل وعلا - بوضوح وجلاء أن هذه الشريعة تختلف من أمة إلى أخرى بخلاف العقيدة التي تتحد ولا تتباين؛ فقال: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا".

مِن ذلك وغيره مما يطول به المقام يتضح أن الشريعة كلمة توقيفية، وأنها نص قرآني ليس خاضعًا لآراء الرجال، وإنما هي علم ومنهج، وأعتقد أن الزميل الدكتور علاء - وهو بقدر الله زميل مهنة - يعلم جيدًا أن العلم يرجع فيه إلى أهله، وأننا كأطباء أسنان - على سبيل المثال - لا نملك أن نعرِّف التسوس بخلاف ما عرَّفه علماء مهنتنا، أو أن نخوض في تكوين طبقات الأسنان والأضراس على هوانا، دون الرجوع للأصول العلمية التي تعلمناها في كليات طب الأسنان؟! أوليس ذلك في حق الشرع المنزل من لدن حكيم خبير أولى بذلك؟!!

من هذا المنطلق؛ أتعجب من تعريف الدكتور علاء الذي لا يحمل أصلاً لغويًّا، أو دليلاً شرعيًّا يستند إليه، بخلاف تعريفات أهل العلم لكلمة الشريعة، والتي استمدوها من النصوص الشرعية، والأصول اللغوية المعروفة لكل طالب علم، ولو بحث الدكتور علاء سنين عمر سيدنا نوح - عليه السلام - لما وجد من العلماء أو المفسرين مَن عرَّفها بمثل تعريفه أنها المبادئ الثابتة.

التعريف الأشهر والأعم للشريعة هـو "كل ما سنَّه الله - تعالى - لعباده من أمر أو نهي". وفي الموسوعة الفقهية: أنها تطلق عند العلماء في الأصل على ما سنَّه الله - تعالى - لعباده من أحكام عقائدية أو عملية أو خلقية، ثم ذكرت الموسوعة: أنه شاع إطلاقها في العصر الحديث على ما شرعه الله من أحكام عملية، وأن مستند هذا العرف المعاصر قوله تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" [سورة المائدة: 48]. إذ من المعلوم أن اختلاف شرائع الأنبياء إنما هو في الأمور العملية الفرعية، وأما الأحكام الأصلية فهي واحدة في كل الشرائع السماوية؛ ولذا أخرج البعض العقيدة من لفظ الشريعة، وجعلوها خاصة بتفصيلات العبادة والمعاملة.

المهم أنها في النهاية تشمل الجزء العملي من التكليف للمسلم؛ وبذلك يتبين أنها لا يمكن أن تفرق عن الأحكام، وخصوصًا تلك النوعية من الأحكام التي ضرب الكاتب بها مثالاً عجيبًا في عنوان مقاله المشير لحد السرقة. فحد السرقة بالذات، ومثله الزنا، والحرابة، والقصاص - من الأحكام التي وردت في كتاب الله بتصريح، وليست - كما زعم الدكتور - من اجتهادات الفقهاء القديمة.

ولو تم إخراج الأحكام من التشريع؛ فكيف يكون الاختلاف بين الشرائع الذي أشرت إليه آنفًا في قول الله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا". والمعلوم أن المعاني العامة التي ذكرها الدكتور من حق وعدل وخير تتفق عليها كلُّ الرسالات، بل كيف سيطلب من النبي - كما في سورة المائدة - أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وألا يتبع أهواءهم، وأن يحذرهم أن يفتنوه عن بعض - مجرد بعض - ما أنزل الله إليه؟!

أما من حيث الثوابت والمتغيرات التي أشار إليها الدكتور في طيات كلامه؛ فلا شك أن داخل مصطلح الشريعة يأتي الأمران ويوجد القسمان.

بل حتى تجد في الشق الخاص بالثوابت القطعية مساحة رائعة من المرونة؛ تتمثل في أحكام الاضطرار، والإكراه، وعموم البلوى؛ وهي أمور قد تصل أحيانًا إلى جواز أكل الميتة ولحم الخنزير، وهما محرمان قطعا واتفاقًا كما هو معلوم.

ولذلك فالفرضية المستمرة أن أحكام الشريعة لا تصلح لكل زمان ومكان - كما تكرر وتقرر في كلام الدكتور علاء وغيره - هي فرضية تشي بأن صاحبها يغفل هذا الجانب الرائع من الشريعة، وهو التيسير، ورفع الحرج، ويتغاضى عن تلك القواعد التي مآلها أنه حيثما كانت المصلحة فثمَّ شرعُ الله، ومقصدها الحفاظ على المقاصد العليا للشريعة من حفظ للدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل.

للأسف قد أغفل الدكتور علاء في مقاله الذي بناه على نقد المادة المفسِرة لمبادئ الشرعية الجزئية الخاصة بمصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "وليس لأحد أبدًا أن يقول في شيء: حَلَّ ولا حَرُم إلا من جهة العلم، وجهة العلم: الخبر في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس" انتهى.

"الرسالة" (39). ( والبعض أضاف الاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع والمصالح المرسلة والعرف)

ولإغفال الدكتور هذا التفصيل؛ بدا لمن يقرأ المقال أنها أمور جامدة لا تراعي زمانًا ولا ظروفًا ولا أحوالاً متغايرة، وكعادة الكثيرين يقع الدكتور في رجم بالغيب ويتهم نية الإخوان والسلفيين - زاعمًا - أنهم يريدون فرض نموذج بعينه لأحكام فقهية قديمة، دون أن يعضد اتهامه لهذا الأمر الذي لا يطلع عليه إلا الله بدليل دامغ يفيد تلك الإرادة التي تتضافر الملابسات على نفيها؛ بدءًا بمطلب مرجعية الأزهر، ثم تلك المادة المفسِرة نفسها التي رغم اختلافي مع صياغتها؛ إلا أنها تنسف تلك الأمثلة التي بنى عليها مقاله نسفًا وبجملة واحدة ألا وهي: "مصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة" تلك المصادر التي أوضحتُها آنفا.

لقد بنى الدكتور علاء مقاله على اتهام للنية، أتبعه بإلزام مَن اتهمهم بمصنف بعينه قاطعًا الطريق على من يرفض هذا الإلزام بقوله: "لا يملك أحد من الإخوان والسلفيين أن يجرح في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمة الله عليه".

وكأن ضد القبول المطلق الذي يوحي به كلامه؛ هو التجريح، أو الطعن! أيُّ منطق هذا؟!

كتاب فقه السنة ليس تلمودًا مقدسًا لدى الإسلاميين، وهو - مع احترامي لمؤلفه طيب الله ثراه - في النهاية أحد الكتب التي تعج بها المكتبة الإسلامية العامرة، ونقده أو الاختلاف مع بعض ما فيه أمر مشروع، عليه وعلى غيره من الكتب؛ عدا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه؛ ولا يُعد ذلك تجريحًا أو انتقاصًا، وإنما يُعد منهجًا علميًّا معروفًا.

لقد تلقى عوام المسلمين هذا الكتاب بالقبول لبساطة أسلوبه ويسره؛ ولعل ذلك دلالة على إخلاص مصنفه - رحمه الله -، لكنه في النهاية غير مُلزم لأحد، ولا يحصر تلك الجملة الواردة في المادة المذكورة "مصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
تلك الجملة التي تفتح المجال بسعة أمام المشرِّع للاختيار المناسب من بين مذاهب أهل السنة ومصادرهم المعتبرة التي لا تكاد تخلو شبهة مما أوردها الكاتب بعد ذلك من قولٍ لأحد تلك المذاهب يخالف ما أثبته من اختيار الشيخ سيد سابق في كتابه.

وهذا ما فعله الدكتور "صوفي أبو طالب" رئيس مجلس الشعب الأسبق، حين قام في الجلسة الختامية للبرلمان عام ١٩٨٢م ليعلن إنجاز تقنين للشريعة الإسلامية؛ فأعاد كل مواد القوانين إلى الأصول الإسلامية، وأشار إلى المصادر الفقهية التي استند إليها هذا التقنين؛ فأخرج الشريعة الإسلامية بمذاهبها الفقهية المعتبرة (منتقيًا الرأي المناسب من تلك المذاهب) في صورة تقنين حديث، تقوم فيه "الأصالة" بتحقيق المصالح المعاصرة؛ وذلك بالاستعانة بفريق متميز من علماء الشرع والقانون تضافروا لتلك المحاولة الرائعة، ولإنجاز هذا المشروع الكبير.

فلذلك سأفند الشبهات الخمس التي أوردها الدكتور علاء في مقاله من خلال هذه القاعدة في المادة المفسِرة؛ وهي وجود قول في مذهب معتبر أو مصدر معلوم من مصادر التشريع يخالف ما زعم الدكتور علاء أن الإخوان والسلفيين يريدون فرضه على الناس.

ورغم أن قواعد الترجيح ليست بهذه البساطة، ورغم تأكيدي أنني أرى المادة غير كافية وأن هناك صيغًا أولى، إلا أنها على قصورها - في رأيي - كافية للرد على ما أورده الدكتور؛ لذلك سأستعملها تجوزًا، ومن منطلق الواقع الذي لا يريد الدكتور الاعتراف به؛ وإلا فقد يكون الراجح علميًّا تبعًا لقواعد الاستدلال خلاف ما سأذكره، وسواء عمل به أم لم يعمل؛ فأينما صحَّ الحديث فهو مذهبي؛ لكن فقط من باب النقاش العلمي، وإثبات نظريتي من أن الدكتور - للأسف - لم يكن أمينًا في نقله، ولا منصفًا في نقده.

بالنسبة للمسألة الأولى التي أوردها الدكتور؛ وهي قضية الشهادة، وهل تقبل شهادة غير المسلم على المسلم أم لا؟

طبعًا بغض النظر عن المثال الجدلي الذي ضربه الدكتور علاء حول سرقة صيدلية قبطي وكل الشهود أقباط فلا تقبل شهادتهم فيه؛ وذلك - في الحقيقة - أمر صعب في بلد مختلط لا يعيش فيه الأقباط وحدهم، لكن فلنعد إلى أصل المسألة.

نعم، أغلب أقوال أهل العلم أنه لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم إلا في حالة الوصية لمن حضره الموت في السفر، بل نقل الإجماع على ذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم. وبالمناسبة هذه هي الحالة الوحيدة مما أورده الدكتور يمكنك أن تجد فيها إجماعًا.

لكن فلنأت هنا للتفصيل:

هل الشهادة هاهنا ضرورة أم ليست ضرورة؟

لقد ذكر الإمام القرطبي أنه لا مانع من اختلاف الحكم عند الضرورة، وأنه يجوز أن يكون الكافرُ ثقة عند المسلم، ويرتضيه عند الضرورة، وهذا يشير إلى أن جواز شهادة غير المسلم على المسلم إنما هو للضرورة، وفي حالة قيامها.

وقد نُقل عن ابن عباس ما يشير إلى ذلك أيضًا، وفيما نقل عن الإمام أحمد التصريح بأن جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين هو ضرورة، وقد نقل الإمام ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية - رحمهم الله - أنه قال: "إن ما نقل عن الإمام أحمد من تقليل جواز هذه الشهادة، وقبولها للضرورة يدل على جوازها، وقبولها في كل ضرورة حضرًا وسفرًا؛ وأنه لو قيل: تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عُدِم فيه المسلمون؛ لكان له وجه، وتكون بدلاً مطلقًا".

وقال ابن القيم أيضًا: "إن القائلين بعدم جواز قبول شهادة غير المسلمين على المسلمين في أي مجال أو نطاق؛ لم يبنوا جميعهم آراءهم على أساس أن الشهادة من باب الولاية، وأنه لا ولاية لكافر على مسلم، وإنما بنى أكثرهم الرأي على معان أخرى تتصل بالشروط، والمعاني التي اعتبروا توافرها أساسًا لقبول الشهادة، ولا نريد بما ذكرنا أن نستبيح حكمًا أو نقرر رأيًا في الموضوع. (من كتاب الشهادات لابن القيم)

وبشيء قريب من هذا قال الشيخ رشيد رضا، وأيضًا ذهبت بعض المجامع الفقهية الحديثة إلى اعتبار ذلك حال الضرورة في المجتمعات المختلطة، وعملاً بمبدأ رفع الحرج، وإعادة الحقوق، والحاصل فعليًّا أن شهادات جامعية، ورسائل علمية تقبل فيها تلك الشهادات من غير المسلمين كما هو معلوم لدى الدكتور.

إذًا فبحسب الافتراض الجدلي الذي أورده الدكتور فهناك قولٌ بأنه يجوز للقاضي اعتبار تلك الشهادة للذمي إن قدر ذلك اضطرارًا؛ من باب حفظ الحقوق وحماية الخلق في المجتمع المسلم.

طباعة


روابط ذات صلة

  الساعة الخامسة والسابعة صباحاً  
  استووا  
  ][][][ ما يبكيك؟ ][][][  
  لا تنشغل بغير الطريق  
  عيد الحب .... لمن ؟  
  أصنام تتهاوى ... في أيام تتوالى ...  
  (( دماء على استار الكعبة ))  
  ثورة قرامطة البحرين ـ الإصدار الأخير  
  ويوم الاستفتاء انكشف الغطاء؟! حقائق ودلالات وأسرار  
  انفجار القدس.. وأسوأ كوابيس تل أبيب!  
  مصر... وسيناريو صراع الهوية بين الإسلام والعلمانية  
  "إسرائيل" تقود الثورة المضادة بورقة الأقليات  
  القراءة الإسرائيلية للثورة السورية...تداعيات وتوقعات  
  عشر وصايا جليلة ، لطلاب العلم الصادقين  
  أكاد أصبح شيعياً  
  مادام جسدك لم ولن ينافقك . . فلماذا الوهم؟!  
  ليلة القبض على آل مبارك وبراءة الجيش المصري  
  عشر وصايا جليلة ، لطلاب العلم الصادقين  
  التفسير السياسي للهجوم علي السلفية  
  القراءة الإسرائيلية للثورة السورية...تداعيات وتوقعات  
  النقاب بين ساركوزي ومفتي حسني مبارك  
  كاميليا شحاتة .. امرأة هزت عرش البابا  
  "إسرائيل" مذعورة.. أخيراً تحركت دبابات بشار  
  النظام السوري.. عوامل الانهيار ورهانات البقاء  
  الجيوش العربية في عصر الثورات الشعبية  
  الله أكبر ! كيف لا أغار على أمَي عائشة و الله عز وجل يغار لها ؟؟!  
  التفسير السياسي للفتنة الطائفية في مصر  
  ثلاثين يوم ثورة وثلاثين سنة مبارك  
  الرؤية الاستراتيجيَّة.. ضرورة لحصد ثمار الثورات العربيَّة  
  شيطنة بن لادن  
  المخطط الصهيوني الجديد للوقيعة بين مصر ودول الخليج العربي  
  أمريكا والانقياد الأعمى خلف إسرائيل  
  أَخرِج القطن مِن أُذنيك!  
  وجوب التفقه في الدين  
  نصر الله المصري ونصر الله السوري  


 
::: التعليقات : 0 تعليق :::
 
القائمة الرئيسية
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الإشتراك

عدد الزوار
انت الزائر : 996807

تفاصيل المتواجدين