(أيطمع ربي في أن أصلي عاريا ... ويكسو غيري كسوة البرد والحر )
( فوالله لا صليت ما عشت عاريا ... عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتر )
( ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئة ... وإن غممت فالويل للظهر والعصر )
( وإن يكسني ربي قميصا وجبة ... أصلي له مهما أعيش من العمر )
قال فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصا وجبة كانا علي ودفعتهما إليه وقلت له البسهما وقم فاستقبل القبلة وصلي جالسا وجعل يقول
(إليك اعتذاري من صلاتي جالسا ... على غير ظهر موميا نحو قبلتي )
( فمالي ببرد الماء يارب طاقة ... ورجلاي لا تقوى على ثني ركبتي )
( ولكنني استغفر الله شاتيا ... وأقضيكها يارب في وجه صيفتي )
( وإن أنا لم أفعل فأنت محكم ... بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي )
قال فعجبت من فصاحته وضكت عليه وانصرفت0
وجلس بعض الأعراب يشرب مع ندائمه فاحتاج إلى بيت الخلاء فدلوه عليه فلما دخل جعل يضرط ضراطا شنيعا فضحكوا عليه فأنشد يقول
(إذا ما خلا الإنسان في بيت غائط ... تراخت بلا شك مصاريع فتحته )
( فمن كان ذا عقل فيعذر ضارطا ... ومن كان ذا جهل ففي وسط لحيته )
وكان لسابور ملك فارس نديم مضحك يسمى (مرزبان) فظهر له من الملك جفوة فلما زاد ذلك عليه تعلم نبيح الكلاب وعوي الذئاب ونهيق الحمير وصهيل الخيل وصوت البغال ثم احتال حتى دخل موضعا بقرب خلوة الملك وأخفى أمره فلما خلا الملك بنفسه نبح نبيح الكلاب فلم يشك الملك في أنه كلب فقال انظروا ما هذا فعوى عوي الذئاب فنزل الملك عن سريره فنهق نهيق الحمير فمضى الملك هاربا ومضت الغلمان يتبعون الصوت فلما دنوا منه صهل صهيل الخيل فاقتحموا عليه وأخرجوه عريانا فلما وصلوا به إلى الملك ورآه مرزبان ضحك الملك ضحكا شديدا وقال له ما حملك على ما صنعت قال إن الله عز وجل مسخني كلبا وذئبا وحمارا وفرسا لما غضب علي الملك قال فأمر الملك
أن يخلع عليه وأن يرد إلى مرتبته الأولى
وحكى الأصمعي أن عجوزا من الأعراب جلست في طريق مكة إلى فتيان يشربون نبيذا فسقوها قدحا فطابت نفسها فتبسمت
فسقوها قدحا آخر فاحمر وجهها وضحكت فسقوها ثالثا فقالت خبروني عن نسائكم بالعراق أيشربن النبيذ قالوا نعم قالت زنين ورب الكعبة والله إن صدقتم ما فيكم من يعرف أباه0
وانفرد الرشيد وعيسى بن جعفر ومعه الفضل ين يحيى فإذا
هو بشيخ من الأعراب على حمار وهو رطب العينين فقال له الفضل هل أدلك على دواء لعينيك قال ما أحوجني إلى ذلك قال خذ عيدان الهواء وغبار الماء فصيره في قش بيض الذر واكتحل به ينفعك فانحنى الشيخ وضرط ضرطة قوية وقال خذ هذه في لحيتك أجرة وصفتك وإن زدت زدناك فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهر دابته0
وخرج معن بن زائدة في جماعة من خواصه للصيد فاعترضهم قطيع ظباء فتفرقوا في طلبه وانفرد معن خلف ظبي حتى انقطع عن أصحابه فلما ظفر به نزل فذبحه فرأى شيخا مقبلا من البرية على حمار فركب فرسه واستقبله فسلم عليه فقال من أين وإلى أين قال أتيت من أرض لها عشرون سنة مجدبة وقد أخصبت في هذه السنة فزرعتها مقثاة فطرحت في غير وقتها فجمعت منها ما استحسنته وقصدت به معن بن زائدة لكرمه المشكور وفضله المشهور ومعروفه المأثور واحسانه الموفور قال وكم أملت منه قال ألف دينار قال فان قال لك كثير قال خمسمائة قال فإن قال لك كثير قال ثلاثمائة قال فان قال لك كثير قال مائة قال فان قال لك كثير قال خمسين قال فان قال لك كثير قال فلا أقل من الثلاثين قال فإن قال لك كثير قال أدخل قوائم حماري في حر أمه وأرجع إلى أهلي خائبا فضحك معن منه وساق جواده حتى لحق بأصحابه ونزل في منزله وقال لحاجبه إذا أتاك شيخ على حمار بقثاء فأدخل به علي فأتى بعد ساعة فلما دخل عليه لم يعرفه لهيبته وجلالته وكثرة حشمه وخدمه وهو متصدر في دسته والخدم والحفدة قيام عن يمينه وشماله وبين يديه فلما سلم عليه قال ما الذي أتى بك يا أخا العرب قال أملت الأمير وأتيته بقثاء في غير أوان فقال كم أملت فينا قال ألف دينار قال كثير فقال والله لقد كان ذلك الرجل ميشوما علي ثم قال خمسمائة دينار قال كثير فما زال إلى أن قال خمسين دينار فقال له كثير فقال لا أقل من الثلاثين فضحك معن فعلم الأعرابي أنه صاحبه فقال يا سيدي إن لم تجب إلى الثلاثين فالحمار مربوط بالباب وها معن جالس فضحك معن حتى استلقى على فراشه ثم دعا بوكيله فقال أعطه ألف دينار وخمسمائة دينار وثلاثمائة دينار ومائة دينار وخمسين دينار وثلاثين دينار ودع الحمار مكانه فتسلم الأعرابي المال وانصرف0