الحمد لله الذي عز جلاله فلا تدركه الإفهام ، وسما كماله فلا يحيط به الأوهام، وشهدت أفعاله أنه الحكيم العلام ، الموصوف بالعلم والقدرة والكلام ، سبحانه هو الله الواحد السلام، المؤمنون حبب إليهم الإيمان وشرح صدورهم للإسلام ، ويقبل التوبة ويكشف الحوبة ويغفر الإجرام ، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير شهادة من قال ربى الله ثم استقام الله ربـى لا أريــد ســواه هل في الوجود حقيقة إلا هو
يـا من وجب الكمال بذاته فالكل غاية فوزهم لقياه
عجز الأنام عـن امتداحك انـه تتصاغر الأفكار دون مـداه
من كان يعرف انـك الحق الذي يبهر العقول فحسـبه وكفـاه
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
لم يزل صلى عليه الله وسلم يقاتل في الله بعزم واهتمام، حتى انقشع عن سماء الحق تراكم الغمام، وظل في أفق الإيمان بدر التمام
إذا أردت أن تفـوز وتـرتـقي درج العلى أو تنال منه رضاه
ادم الصلاة على محمد الـذي لولاه مـا فـتح المكـبر فـاه
وله الوسيلة واللـواء وكوثـر يروى الورى وكذا يكون الجاه
وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أبشروا جاءكم شهر رمضان
أبشر نفسي وأمتي بقدوم شهر رمضان المبارك، الشهر الذي هو من مواسم التجارة مع الله ينتظره المؤمنين الموحدين الطاعين أو العاصين ، ليرفع الله فيه الدرجات ويغفر السيئات ويُحط عن كاهل العبد الزلل والعثرات. فيه الصيام والقيام وقراءة القرآن والتقرب إلى الرحيم الرحمن ، فيارب لا تحرمنا من هذا الشهر المبارك ولا تجعلنا من المحجوبين عن بابك ولا المبعدين عن جانبك .
أبشركم بهذا الشهر كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر به أهل بيته وأصحابه وبشر به أمته،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه النسائي وصححه الألباني.
اغتنموا هذا الشهر المبارك
من النفحات التي فتحها الله على هذه الأمة المباركة ، والتي أرسل إليها أفضل وأحب الرسل إليه ، وكان سبباً بأن تكون أمة مرحومة به، عملها قليل وأجرها كبير، ومواسم الخيرات كثيرة، فها هو شهر الصيام والقرآن والقيام.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183.
وقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) البقرة: 185.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» رواه الترمذي
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» رواه مسلم.
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد» (رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» (رواه البخاري).
إياكم والمخالفات وذنوب الخلوات
هذا الشهر الذي فرض الله صيامه وقيامه، وأنزل فيه قرآنه ، ليس شهر المخالفات بل هو شهر الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسموات. ولكن هيات هيات تجد الآن الناس إلا من رحم ربي ، يَصرف في السهر واللعب والسمر، ومشاهدة المسلسلات والأفلام، ويضيع الصلوات، والصلاة أعظم عند الله من الصيام. ويخرج من الشهر مغبون.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» رواه الترمذي .
أما عن ذنوب الخلوات فهي من أعظم المهلكات ، ومحرقةٌ للحسنات،
قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) النساء: 108 . وعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (أَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) . أخررجه ابن ماجه والطبراني . قال ابن حجر الهيتمي : الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة : إظهار زي الصالحين في الملأ ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة : أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لأعلمنَّ أقواماً مِن أمتي يأتون . ) .لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح: يعظم ضرره ، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف ، من عنقه . الزواجر عن اقتراف الكبائر. أسال الله عز وجل أن يحفظنا وإياكم إن نكون منهم.
كيف نستقبل شهر رمضان؟
علينا أولاً: أن نتذكر دائماً بأن الموت سوف يدركنا حينما ينتهي الآجل، فنسترجع أحوال من ماتوا قبلنا وكيف حال بينهم وبين ما يشتهون وانقطع عنهم العمل كما انقطع الأمل. ثم نعلن من كل قلوبنا التوبة والأوبة النصوحة إلى الله عزوجل من ما يغضب الله تعالى مهما كانت المعصية ، لعل أن يكون هذا هو أخر رمضان له. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم: 8. ثانياً: علينا أن نشد الهمم ونرفع العزائم ونشمر للعمل وفعل الصالحات وحرص الخيرات، من كل حدب وصوب، ولا نستصغر العمل. فعن عدي بن حاتم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اتقوا النار ولو بشق تمرة " اخرجه مسلم. ثم مع صيامنا عن الطعام والشراب أن نصوم عن الحرام وعن الدنيا ونفطر على الآخره، التي هي مآلنا وحياتنا الأبدية. فجديرٌ بالمؤمن أن يعدَّ العدة في هذه الدار، التي هي دار العمل ودار الإعداد للآخرة، قال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران:185، فهذه الدار هي دارٌ فيها المحن والبلايا، فيجب على المؤمن أن يحذرها، وأن يعد العدةَ للآخرة: وقال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة:197. وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) الحشر:18.
وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَخَذ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فقال: " كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ". وَكَانَ ابنُ عمرَ رضي اللَّه عنهما يقول: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، ومِنْ حياتِك لِمَوتِكَ" رواه البخاري.
وعن أَبي الْعبَّاس سَهْلِ بنِ سعْدٍ السَّاعديِّ قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يَا رسولَ اللَّه، دُلَّني عَلى عمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ أَحبَّني اللَّه، وَأَحبَّني النَّاسُ، فقال: (ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللَّه، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ) حديثٌ حسنٌ، رواه ابنُ مَاجَه. ثالثاً: التضرع إلى الله عز وجل والدعاء بالثبات حتى الممات. قال تعالى: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل:16. وقال تعالى: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) الإسراء: 74ـ 75.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ" متفق عليه.
وفي النهاية
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
ولا تنسونا من صالح دعائكم