رمضان شهر الصوم
فرضالصيام على هذا
الأمة الإسلامية في شعبان في السنة الثانية من
الهجرة ، وصام رسول الله صلى
رمضان تسع سنين وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من
الهجرة
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة :
183
قال الحسن البصري : إذا سمعت الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فأسرع لها سمعك فإنها لأمر
تؤمر به أو لنهي تنهى عنه . ولذلك تجد لذة ما في النداء إزالة تعب العبادة
والعناء.
والصوم هو الإمساك
عن المعتاد من الطعام والشراب والجماع في الشرع مع ترك الآثام
.
أنواع الصيام
1- صوم العوام : وهو الذي يصوم عن الطعام والشراب
والنكاح
2-صوم الخصوص : وهو الذي يصوم صوم
العوام ويزيد بصيام الجوارح عن الآثام
3- صوم خصوص الخصوص: وهو من يصوم
صوم العوام والخصوص ويزيد عليهم بصيام القلب عن الفتن والشهوات والشبهات وهموم
الدنيا
ويكون خالصاً لله
سبحانه وتعالى.
فضل الصوم
الصائم وريح
المسك
عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَاللَّهِ يَقُولُ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ" أَوْ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَوْأَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَمْلَأَ خَطَايَاكُمْ مَا
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِثُمَّ اسْتَغْفَرْتُمْ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَغَفَرَ لَكُمْ وَالَّذِي نَفْسُمُحَمَّدٍ بِيَدِهِ" أَوْ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُخْطِئُوا لَجَاءَ
اللَّهُعَزَّ وَجَلَّ بِقَوْمٍ يُخْطِئُونَ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُلَهُمْ) أخرجه أحمد.
إن تلك الرائحة
المستقذرة الكريهة عند الناس ، وهي بسبب خلو المعدة من الطعام ، محبوبة إلى الرب
تبارك وتعالى ن رب الناس رب الجنة والنار ، وكل شيء .
الصوم في رمضان مغفرة للذنوب
عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله :( من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غُفر له ما تقدم من ذنبه
) رواه الشيخان
وهذا بشرط أن تجتنب
الكبائر من الذنوب ، فالكبائر لا يكفرها إلا التوبة .
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ
وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ
الْكَبَائِر) رواه مسلمَ.
وعن أبي
هريـرة رضي الله عنه عن النبي
قال : (( كل عمل ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال
الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه يدع شهوته وطعامه وشرابه من
أجلي ، وللصائم فرحتان : فرحـة عنـد فطره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم
أطيب عند الله من ريح المسك) اخرجه أحمد .
الصوم جنة
من النار ووقاية من الشهوات
عن جابرعن
النبي
قال: ( إنما
الصيام جنة يستجن بها العبد من النار هو لي وأنا أجزي به) رواه الطبراني
وعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه : (مَنْ صَامَ
يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ
خَرِيفًا ) متفق عليه
كل هذا الفضل
العظيم يدرك بصيام يوم واحد، فكيف بمن صام شهر رمضان ، وصام
الأيام الفاضلة في سائر العام ؟!
والصوم حماية
ووقاية من الوقوع في الشهوات ، لذلك أرشد المصطفي وهو الناصح الشفيق الشباب العاجز عن
الزواج بالصيام.
فعَنْ
عَلْقَمَةَ ، قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عَبْدِ الله بِمِنىً ، فَلَقِيَهُ
عُثْمَانُ ، فَقَامَ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَبَا عَبْدِ
الرَّحْمٰن أَلا نُزُوِّجُكَ جَارِيَةٌ شَابَّةً ، لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ
مَا مَضَىٰ مِنْ زَمَانِكَ. قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الله : لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ ،
لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ الله
: ( يَا
مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ،
فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ). رواه البخاري ومسلم.
الصوم
والشفاعة
عن عبد الله بن
عمرو ، أن رسول الله قال:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام :
رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهارفشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فيشفعان ) هذا
حديث صحيح علىشرط مسلم ، ولم
يخرجا.
الصوم أدرك للباب
فعن سهل
عن النبي قال: (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا
يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا
أغلق فلم يدخل منه أحد)متفق عليه.
فاحرصوا أيها المسلمون
بأن تكونوا من القائمين لذاك الباب ، وذلك بالمحافظة على صيام الفرض وصيام النفل
المستحب.
الصائم مستجاب الدعوة
عن أبي هريرة
قال قال رسول الله (ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، و
دعوة المظلوم ، و دعوةالمسافر) صحيح
الجامع
فرحة
الصائمين:
عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله قال : (للصائم فرحتان : فرحة عند فطره
وفرحة عند لقاء ربه ) رواه البخاري
فرحة عند الفطر، وذلك بعد
أن من الله عليكم بإكمال الصيام وإباحة ما كان عليكم محرماً من الأكل والشرب
والجماع وغير ذلك.
وفرحة عند لقاء الرب ،
وذلك إذا وجد الصائم ثواب الصيام مدخراً له عند ربه .
قال تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ
كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا
عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا
بَعِيدًا) آل عمران : 30
صيام الدهر
وما لمن صامه من الثواب والأجر
عن عبد الله بن
عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال
: " إن أفضلالصيام صيام داود : كان يصوم يوماً ويفطر
يوماً " .رواه البخاري
ومسلم.
قال بعض
الصالحين الصيام زكاة البدن ومن صام الدهر فقد وهب نفسه لله تعالى .وعن شعيب عن سعد بن إبراهيم قال : " كانت عائشة رضي
الله عنها تصوم الدهر" . وعن يعقوب قال : حدثنا
أبي ، قال : " سرد سعد رضي الله عنه الصوم قبل أن يموت
أربعين سنة " .
وعن أبي إدريس عائذ الله
قال : " صام أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حتى صار كأنه
خلال ، قال : فقلت : يا أبا موسى لو أجممت نفسك؟
فقال : إجمامها أريد ، إني رأيت السابق من الخيل
الضامرة ".
وعن أنس رضي الله عنه قال
: كان أبو طلحة رضي الله عنه لا يصوم على عهد رسول من
أجل الغزو ، فلما مات رسول الله ،
لم أره مفطراً إلا يوم الفطر ويوم النحر.
السلف
مع الصيام
فهذا ابن عمرو رضي الله عنهما يقول :"
أنكحني أبي امرأة ذات حسب فكان يتعاهد كَنّته ـ وهي زوجة الولد ـ فيسألها عن بعلها
فتقول: نعم الرجل من رجل ، لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا مذ أتيناه ، فلما
طال ذلك عليه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" القني به " فلقيته بعد ، فقال :
كيف تصوم ؟ قلت : كل يوم ..قال : وكيف تختم ؟ قلت ..كل ليلة ..قال : " صم في كل شهر
ثلاثة واقرأ القرآن في كل شهر " قال : قلت أطيق أكثر من ذلك.. قال :" صم ثلاثة أيام
في الجمعة" قلت : أطيق أكثر من ذلك ..قال :" أفطر يومين وصم يوما " قال : قلت :
أطيق أكثر من ذلك ..قال : " صم أفضل الصوم صوم داود صيام يوم وإفطار يوم واقرأ في
كل سبع ليال مرة " فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك أني كبرت
وضعفت فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار والذي يقرؤه يعرضه من النهار
ليكون أخف عليه بالليل وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى وصام أياما مثلهن
كراهية أن يترك شيئا فارق النبي صلى الله عليه وسلم ) . رواه البخاري
..
ولقد حدث عنه مولاه نافع ..فقال : كان
ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحظر ..
و آخى رسول الله بين
سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال : ما
شأنك متبذلة ..قالت : إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ..قال ..فلما جاء
أبو الدرداء ..قرّب إليه طعاما فقال :كل فإني صائم ..قال ..ما أنا بآكل حتى تأكل
..قال : فأكل ..فلما كان الليل ..ذهب أبو الدرداء ليقوم ..فقال له سلمان : نم فنام
ثم ذهب يقوم ..فقال له : نم فنام ..فلما كان ثم الصبح قال له سلمان : قم الآن فقاما
فصليا ..فقال: إن لنفسك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، ولضيفك عليك حقا ، وإن لأهلك
عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه ..فأتيا النبي فذكرا ذلك فقال له: "صدق سلمان " رواه الترمذي وصححه
لقد شغلهم
حب الصيام ..عن مضاجعة النساء على الفرش ..نعم لقد أدركوا أن من أظمأ نفسه في هذه
الحياة ..فلن يظمأ في الآخرة في دار القرار بإذن الواحد القهار ..لقد أدركوا أن
الصائمين يدخلون من باب خاص إلى جنات النعيم ..يسمى باب الريان . ولماذا لا يعشقون
الصيام ونبيهم قد أعلمهم :" إن في الجنة غرفة ..يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من
ظاهرها ..أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس
نيام. ولم يكن صيام السلف رحمه الله عن الطعام والشراب فحسب ..وأطلقوا
ألسنتهم بالغيبة والنميمة والكذب والبهتان ..والتندر بالناس والاستهزاء بهم ..ولم
يكن صيامهم كسل ونوم ..وسهر بالليل إلى قبيل الفجر ..كلا ..لم يكن من ذلك شيء ..بل
كانوا يحافظون على صيامهم ..عن كل ما يخدشه ..فهم صاموا نهاره فأحسنوا الصيام
..وقاموا ليله فأحسنوا القيام.
فيا قوم ألا خاطب في
الصوم إلى الرحمن
ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان
ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم
مع أنه ليس الخبر كالعيان .
من يرد ملك الجنان
فليدع عنه التـواني
وليقم في ظلمة الليل إلى نور القــرآن
وليصل صوماً بصوم إن هذا
العيش فاني
إنما العيش جوار الله في
دار الأمان
لذلك كان السلف رحمه الله يتحسرون لفراق
الحياة ...لا حباً بأشجارها وأنهارها ..ولا شوقاً إلى نسائها وبهرجها ..ولكن لظمأ
الهواجر ..وقيام الليل .. لما حضرت معاذا الوفاة قال ..انظروا أصبحنا ؟..فأتي فقيل : لم تصبح
..فكرر ذلك مراراً .. حتى أتى في بعض ذلك ..فقيل له : قد أصبحت قال ..أعوذ بالله من
ليلة صباحها إلى النار.. مرحبا بالموت ..مرحبا زائرا مغيب حبيب ..جاء على فاقة
..اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك ..اللهم أن كنت تعلم أنى لم أكن أحب
الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار ..ولا لغرس الشجر.. ولكن لظمأ الهواجر
..ومكابدة الساعات ..ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.فيا لله من هذه القلوب
.. التي أصبح حرمان النفس من الطعام والشراب ..أشهى إليها من جري الأنهار ..وغرس
الأشجار. ولما حضر الموت عامر بن قيس ..جعل يبكي ..فقيل له ما يبكيك ؟قال : ما أبكي
جزعا من الموت ..ولا حرصا على الدنيا ..ولكن أبكي على ظمأ الهواجر ..وعلى قيام
الليل في الشتاء ..وعن عبيد الله بن محمد التيمي حدثني بعض أشياخنا أن رجلا من عامة
هذه الأمة حضرته الوفاة فجزع جزعا شديدا وبكى بكاء كثيرا ..فقيل له في ذلك فقال:ما
أبكي إلا على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم .. ويصلي المصلون ولست فيهم..ويذكره
الذاكرون ولست فيهم..فذاك الذي أبكاني.وقال أبو بكر النيسابوري : حضرت إبراهيم بن
هانئ عند وفاته فجعل يقول لابنه إسحاق : يا أبا إسحاق ارفع الستر ..قال : يا أبت
الستر مرفوع ..قال : أنا عطشان فجاءه بماء ..فقال : غابت الشمس ؟ قال : لا ..فرده
..ثم قال : لمثل هذا فليعمل العاملون ثم خرجت روحه .. أرأيتم كيف اشتياقهم لفعل
الطاعات ..وتهافتهم لعمل الخيرات ..لقد فارقوا الملذات ..وهجروا المباحات ..وما حصل
منهم ذلك إلا لأنهم ذاقوا طعم الإيمان ..فبكوا لفراق الحياة ..لا حباً فيها ..ولكن
لفوات تلك الأعمال.
وفي الختام نسأل الله الكبير المتعال
أن نكون مثل هؤلاء ويحشرنا معهم سواء
أنا وأنتم في الجنات وندخل جميعاً من باب الريان
وللحديث بقية إذا قدر الله البقاء واللقاء
ولا تنسونا من صالح الدعاء