"ولهذه الأسباب وغيرها ... فإن عصر التحدي الإيراني المتعجرف ربما يقترب من نهايته"- سايمون تيسدال
مفكرة الاسلام: تخيم حالة من الهياج العصبي على طهران حاليًا بعدما تحول ترحيبها الأول بانتفاضات ربيع العرب إلى سحابة من القلق والانزعاج. فقد رحبت إيران بسقوط عدوها القديم الرئيس المصري "حسني مبارك"؛ إلا أن الانتفاضة التي تهدد الآن حليفها العربي الرئيسي- المتمثل في نظام "بشار الأسد" في سوريا- قضية أخرى مختلفة تمامًا. بل والأكثر سوءًا، أن المناخ الثوري السائد في المنطقة ربما يحفز الحركة الخضراء المعارضة في إيران والتي طالما تعرضت للقمع للنهوض مجددًا؛ وهو ما يثير خوفًا حقيقيًا.
إن التقديرات السريعة في واشنطن وتل أبيب التي توقعت أن تكون إيران المستفيد الأكبر من انهيار النظام العربي القديم تبدو الآن غير دقيقة. أما التناحر الداخلي داخل النظام الإيراني فهو يتطابق مع، ويرتبط أيضًا، بتصاعد حالة التقلب الإستراتيجي بالخارج. ولهذه الأسباب وغيرها- كالتأثير المتراكم للعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي- فإن عصر التحدي الإيراني المتعجرف ربما يقترب من نهايته.
ووسط حالة الاضطراب الكبرى التي تعم الشرق الأوسط، يظهر فجأة كلاً من الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" والمرشد الأعلى "علي خامنئي"- وهما توأم طهران المزعج- في حالة من عدم التوازن والضعف وعلى خلاف.
وكان خامنئي قد حاول في البداية سرقة حركات التحرر العربي بوسمها بالطابع الديني غير الليبرالي في إيران؛ متفاديًا بصفاقة الإشارة إلى القمع الوحشي للثورة الديموقراطية في إيران نفسها عام 2009. وقال في خطابه بمناسبة العام الفارسي الجديد في شهر مارس: "إن ما أود أن أعلنه بقوة هو أنه قد بدات حركة جديدة، بفضل من الله، في المنطقة". وأضاف: "وتلك الصحوة واسعة النطاق والموجهة نحو أهداف إسلامية سيُكتب لها النصر بكل تأكيد."
وإلى حد كبير، لم يشر خامنئي إلى سوريا. إلا أنه مع تصاعد الاضطراب هناك وفي مناطق أخرى، وفي الوقت الذي أصبح فيه الدافع ذي الأساس العلماني والديموقراطي لذلك الاضطراب أمر لا يمكن إنكاره، تخلى خامنئي وغيره من الزعماء الإيرانيين إلى حد كبير عن محاولة تصوير ذلك على أنه انتشار للثورة الخومينية. ولكنهم بدلاً من ذلك أعربوا عن استيائهم من تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا وكذلك من "مخطط" أمريكي- إسرائيلي للإطاحة بالأسد.
إن المخاطر كبيرة بلا شك. فأهمية سوريا بالنسبة لإيران الشيعية كقناة رئيسية لجماعة "حزب الله" في لبنان، وقاعدة لقادة حركة "حماس" في غزة، وحليفًا في الخط الأمامي في المواجهة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، وكذلك كممر سياسي وتجاري إلى العالم العربي أمر من الصعب المبالغة فيه. إلا أن طهران ربما تتفق على مضض مع التحليلات الغربية في أنه بغض النظر عن مصير الأسد، فإن التوازن السياسي بين نظام الأقلية العلوية الشيعية في دمشق والغالبية السنية قد تحول إلى غير رجعة- - إلى ما ليس في صالح إيران.
وقد أظهرت موجة التصريحات الأخيرة تصاعدًا في حالة القلق الإيراني. وقال "احمدي نجاد" متحدثًا من تركيا أنه: ليس هناك "ضرورة للتدخل الأجنبي" في سوريا، كما لو أن أحدًا قد توقع ذلك. واتهم الناطق باسم وزارة الخارجية "رامين مهمانبرست" الإعلام الغربي بالمبالغة في إظهار حجم العنف. كما حث بيان رسمي كلاً من الحكومة والمحتجين على الاتفاق لصالح التضامن في مواجهة الصهيونية.
وقال المحلل الأمريكي "ديفيد إجناتيوس" نقلاً عن مسئولين أمريكيين أنه "إذا ما بقى الأسد في السلطة، فسيتعين عليه الابتعاد بعض الشيء عن إيران لتهدئة المحتجين السنة .. أما إذا ما أطيح به، فمن المرجح أن يحكم سوريا نظام يهيمن عليه السنة وسيكون أكثر عداءً لإيران."
وبالنسبة لإيران، فالآثار السلبية للثورات العربية لم تتوقف عند سوريا. فالزواج القسري بين الفصيلين الفلسطينيين المتناحرين "حماس" و"فتح" بعد سنوات من القطيعة المريرة يعزى بشكل كبير إلى شعور قيادة "حماس" الجديد بانعدام الأمن في قاعدتها السورية المعتادة. ولكنه كذلك كان نتاجًا لإيجابية جديدة من جانب مصر، التي كان تخلصها السريع من نظام مبارك الخانع الموالي للولايات المتحدة قد بدأ في استعادة نفوذ القاهرة باعتبارها القوة العربية الرائدة ووسيطًا نزيهًا في المنازعات بين الدول العربية.
ويمكن في وجود مصر أقل خنوعًا لواشنطن وأكثر استعدادًا لتحدي "إسرائيل" (عن طريق فتح معابر غزة بشكل دائم على سبيل المثال) أن تكون مفيدة لطهران من الناحية النظرية. غير أن وجود مصر أكثر ديموقراطية وقوة سياسية وأكثر استقلالية من شأنه أن يجعلها منافسًا قويًا ورقيبًا على طموحات طهران الإقليمية. وكان"نبيل العربي"- وزير الخارجية المصري الجديد- قد صرح في مقابلة له مع صحيفة "واشنطن بوست" أن القاهرة "قد فتحت صفحة جديدة مع كل دول العالم." ولكنه امتنع عن ذكر ما إذا كان ذلك يشمل فعليًا إيران أيضًا أم لا.
ولقد ساهمت كذلك الثورات في البحرين واليمن، والتي تتجه نحو المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، في التوترات المفتوحة المشتعلة منذ أمد طويل؛ فعلى سبيل المثال، اتهم ملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" طهران بشكل مباشر بالتخطيط لانقلاب في البلاد. وقد حفزت المواجهة المملكة العربية السعودية ودفعتها إلى استعراض نادر للقوة في البحرين دفاعًا عن مصالحها المدركة. وفي لبنان أيضًا، ندد علنًا رئيس الوزراء المنتهية ولايته "سعد الحريري" بـ "التدخل السافر" لإيران. وتعهد أنه لن يتم السماح لطهران باستخدام حليفها "حزب الله" في تحويل لبنان إلى "محمية إيرانية".
وبالطبع لم يمر شيء من هذا دون أن تلاحظه واشنطن وتل أبيب؛ حيث يبدو صناع السياسة (باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو") أكثر هدوءًا بشأن "التهديد" الإيراني أكثر مما كانوا عليه منذ فترة. وكتب المحلل"علوف بن" في صحيفة "هاآرتس"- الصهيونية- أن "الإيرانيين في ورطة... ومن الأفضل لـ "إسرائيل" أن تبقى هادئة ولا تتدخل، وأن تدع العمليات الداخلية في طهران ودمشق تؤدي دورها."
إن التدفق المفاجئ لمشاعر العداء المكبوتة التي أطلق عقالها ربيع العرب قد نفذت من حاجز الوهم، الذي طالما شجعته إيران بشأن تناغم العلاقات بينها وبين العالم العربي، وعزز بدلاً عن ذلك من عزلتها. والأمر الأكثر خطورة بالنسبة لخامنئي ونجاد المتناحرين، أن ذلك ربما يعمل كعامل محفز لإيقاد المعارضة الداخلية الإيرانية من جديد فيما تتزايد المشكلات الاقتصادية وتحتدم الحزبية السياسية قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام القادم. وكان المتظاهرون في آخر احتجاجات المعارضة في فبراير الماضي- والتي تم تفريقها مثل غيرها- قد رفعوا شعارًا سيكون من الجيد لو تأمله التوأم المزعج وهو: "سواء القاهرة أو طهران، الموت للطغاة"!