لقد أصبحت المنافسة الأمريكية الإيرنية بمثابة لعبة الشطرنج ذات الأبعاد الثلاثة، ولكنها لعبة يستطيع كل طرف أن يغير قواعدها مع كل نقلة. كما أنها لعبة أيضًا مستمرة منذ ما يقرب الثلاثة عقود، ومن الواضح أيضًا أنها لعبة من غير المحتمل أن تنتهي بحوار أفضل وبفهم متبادل، وأن النسخة الإيرانية من "الديموقراطية" من غير المحتمل أن تغير الطريقة التي ستلعب بها في المستقبل المنظور.
وكرسي بورك في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يعد تحليلاً مفصلاً لتاريخ وطبيعة تلك المنافسة، كجزء من مشروع تدعمه مؤسسة سميث ريتشاردسون، وهذا أدى إلى إعداد نسخة تقرير جديدة بمسمى "المنافسة على الأطراف في أمريكا اللاتينية وأفريقيا. وهذا التقرير يظهر أن إيران تحاول أن تحظى بتعاون عدة دول تقع على الهامش الاستراتيجي الجغرافي للمنافسة بين الولايات المتحدة وإيران من أجل خلق شبكة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية أو "الشركاء" الذين يستطيعون أن يقللوا من آثار العقوبات الدولية الموقعة على إيران ويقاومون المحاولات الغربية للحد من طموحاتها الدولية. وهؤلاء الشركاء على تلك الأطراف الجغرافية يقعون بصورة أساسية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويعملون أيضًا كأسواق بديلة للنفط الإيراني ويوفرون غطاءً دبلوماسيًّا للجهود النووية الإيرانية ويساعدون إيران في استحواذها على البضائع المحظورة عليها طبقًا للعقوبات الاقتصادية الدولية.
والاستراتيجية الإيرانية تعمل ببراجماتية بعيدة عن منطلقاتها الأيدلوجية والدينية من أجل هدف إنشاء تحالف من الدول غير الغربية أو المعادية للغرب تكون قادرة على التأثير في محددات التنافس بينها وبين الولايات المتحدة، وتلك الدول تعِدُها إيران بالمساعدات الاقتصادية في مجالات الطاقة وبالتحدي الإيراني للنظام الدولي العالمي الذي تهيمن عليه الدول الغربية.
كما تستمر الجمهورية الإسلامية في وصف عزلتها الحالية على يد الولايات المتحدة والغرب بأنها استمرار للإمبريالية الغربية، وتعتمد على كونها من دول حركة عدم الانحياز لاستدرار الدعم من الدول الفقيرة والمحبطة في القارتين الأفريقية واللاتينية والتي لها مظالم مع النظام الغربي ودوله الكبرى.
وطبقًا للقادة الإيرانيين فإن المنافسة الإيرانية مع الولايات المتحدة وحلفائها لا تعتبر مجرد مسابقة بين الدول، ولكن صراع بين الرؤى العالمية للفريقين، فالولايات المتحدة تمثل دولة مستغلة في حين تقدم إيران نفسها على أنها توفر الوعود بنظام بديل يؤدي إلى احترام سيادة الدول ومصالحها وخاصة الدول النامية منها، فقد تحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للجماهير في نيجيريا عام 2010 ودعاهم إلى انفصال حاسم مع النظام العالمي الحالي الذي تسيطر عليه الدول الغربية، قائلاً: "يجب علينا أن نطور التعاون المثمر بين الدول النامية من أجل انتشال أنفسنا من هيمنة القوى الغربية، وهذه الجهود مستمرة في الدول النامية المستقلة اليوم، يجب علينا أن ننشئ منظومة عمل جماعية برؤية تهدف إلى إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد مستقل تمامًا يعتمد على العدل والمساواة".
وبالرغم من أن معظم الدول التي تحاول إيران التواصل والتعاون معها هي دول فقيرة اقتصاديًّا وضعيفة عسكريًّا، إلا أن طهران بسطت شبكة واسعة تحاول من خلالها أن تبني منظومة من الشركاء لموازنة الثقل الغربي وهيمنته على النظام العالمي، كما أن إيران تهدف إلى أن تكون مركزًا للكتلة غير الغربية وتهدف إلى إضعاف النفوذ الأمريكي على إيران عبر العالم النامي.
وقدرة الولايات المتحدة لمقاومة تلك الجهود الإيرانية لتوسيع شبكتها في تلك الدول تكون في أشد حالاتها في الدول التي تستفيد بصورة أكبر من المساعدات الأمريكية، وتكون في أدنى مستوياتها في تلك الدول التي تفتقد إلى القواعد الأساسية من التفاهم مع الولايات المتحدة أو التي تختلف أيدلوجيًّا معها، كما أن التحول الإيراني إلى دول الأطراف يحمل في طياته إمكانية إضعاف المحاولات الأمريكية لاحتواء وعزل إيران، فبالرغم من أن شبكة طهران شبكة هشة إلا أنها قد تكون خادعة.
فيجب على الولايات المتحدة أن تنتظر وترى إذا كانت إيران تستطيع أن تستفيد من وعود التنمية التي قطعتها على نفسها أمام أصدقائها المحتملين، فالخطة الإيرانية هي إعادة هيكلة النظام العالمي لمعارضة الولايات المتحدة ونموذجها الغربي الذي تقود به العالم، ولكن يخلص التقرير إلى أن تلك المحاولات من وجهة النظر الأمريكية تبدو ضعيفة ومن غير المحتمل أن تنتشر في الدول حول العالم.