|
اسم الكتاب : ميراث الصمت والملكوت |
المؤلف: عبد الله بن عبد العزيز الهدلق
|
تعليق الكتاب:
هذا الكاتبُ الموهوبُ ، رغمَ قراءاته المتنوعة ، واطلاعه الواسع ، وصمته الطويل؛ لم يَرِثْ –فيما وَرِثَه- الانهزاميةَ والنكوصَ على العَقِبِ ، لم يتنكَّرْ لجِلْدِه ، ويجنِّدْ ذاتَهُ لتلقُّطِ عثراتِ مَنهجِنا السَّلفي ،
تلك المعادلةُ الصَّعبة التي نَجَحَ في حَلِّها أبو أحمد ، وأخفقَ فيها المتعالمون ، فهل يَعْجِزُ أحدُكم أن يكونَ مثلَ هذا؟!
كُلَّما أَخَذَكَ العَجَبُ مِن بعضِ أدعياءِ المعرفةِ ومتثيقفِةِ العَصْر ، وهم في كل واد يَهيمون ، وإلى كُلِّ مسألةٍ يُهْطِعون –كثير مِـمَّا يكتبه هؤلاء هو مقدماتٌ لأفكارٍ لم تنضجْ وخواطرُ عابرةٌ ، أملاها عفوُ الخاطر وطرفُ القلم- أقولُ : كُلَّما أخذكَ العجبُ منهم ومن تهالُكِهِم على البَتِّ في كلِّ القضايا ؛ أَجِلْ بَصَرك الواهنَ كرَّتين فلن تخطئَ عينُك لونا زاهيا بين الألوانِ الباهِتَة ، ولن تفقد "نغمةً شَجيَّةً" بين الأصوات المتشابِكة؛ سيلوحُ لك قلمٌ يبلغُ منك دونَ ضَجيج ، ويذهبُ ويجيءُ في مختلف القضايا دون أن يتورطَ في لغةٍ فُسطاطية، ودون أن تعلق "قدمه" في فخ أفعال الأمر ، على حَدِّ : (عندما تصرخ في أذني لا أسمعك جَيِّدا) ؛ بلُغَةٍ محلِّقة وثقافةٍ عاليةٍ وروحٍٍ شفافةٍ ؛ يقفزُ الكاتب القدير عبدالله الهدلق في كتابِهِ الجديد (ميراث الصَّمت والملكوت) -الصادر هذا السنة 1431هـ- ، بين حقولِ المعرفةِ المختلفَةِ ، ويَتَنَقَّلُ في رياضِهَا النَّضِرة ، وفي (مائة وثمانين صفحة) يتسلل فيها إليك الإعجاب إزاء قامته السَّامقة وعباراته الشائقة ، ويستحوذُ عليك ما يُشبه الطمأنينة بوجود مُثَقَّفٍ حقيقي؛ بوجود رجلٍ في عامِهِ الحادي والعشرين (دخل المكتبة وأغلق باب الدنيا وراءه) ، ليس من هؤلاءِ المتشوِّفينَ للنِّزالِ ، المصطرعين على الفتاتِ ، ودلالة العنوان (ميراث الصمت والملكوت) أبلغُ من كلِّ ما يقال عنه؛ فما بين دفَّتي الكتابِ "كلامٌ" وَرِثَهُ الهدلقُ عن "الصَّمت" ، و"ميراثٌ" قَسَمَه على قُرَّائِهِ ؛ ستصلك من بين سطورِ الكِتاب رسالةً -غير مباشرةٍ- عَبَّرَ عن مضمونِها في المقدِّمة : (قد كان من أسمى مقاصدي.. أن أكشف لكثير من القراء عما لمنهج التفكير، والتنوع المعرفي، والبيان والوضيء؛ من أثر بالغٍ على بنية العقل ، ونوع الخطاب..) . وحتما سيقف قارئ الهدلق على أشباه هذا الإمتاع : (ذهبت أرود المكتبات لا أعرف أكثر هذا الذي على رفوفها، وكنت أتألَّمُ لألمِ الجهل ، ما زلتُ أذكرُ حيرَتي يوما وقفتُ فيه عند عنوان غريبٍ على الرَّف : ما هذا؟ ما معناه؟ وبكيت.. لم يكن ثمة أحد يُعَلِّمُني..) ،
ولم يَكُن يوما مُتَكَثِّرا بغيرِ ما يملك، كان وقفَ على المظانِّ العالية ، ومكثَ سنواتٍ يخصفُ على نفسِهِ من ورقِ المعرفة، حتى (أحس طعم الروح المر رويدا رويدا مع أنفاسه القديمة فيرتعش لخفق الروح الجديد بين الموت والحياة) ،
وفي كتابِهِ هذا تَقِفُ على قاماتٍ شامِخةٍ ، من نحو "حمد الجاسر" و"بكر أبو زيد" إلى جوار عبدالوهاب المسيري" و"أبي عبد الرحمن بن عقيل" ، وقبلَهم تأملاتٌ في شخصيةِ ابنِ تيميةَ الذي أحبَّه الهدلق ، وقال عنه : (إنه ليمرُّ بي اسم العالم والعالم فلا أكاد آبه .. ثم يمر ذكر ابن تيمية فيأخذني شيء لا أكاد أتبين مأتاه..) ،
إلى "ثنتي عشرة فقرة فيها ابن دقيق العيد وكافكا وفتيات بسمارك" ، إلى حديث ماتع عن "هتلر" ،
إلى تعليقٍ عابرٍ عن "الشعور بالنقص الحضاري" في كثيرٍ كثير.. ،
وستقفُ على أطوارٍ من نموِّ قلمه ، فهنا مقالةٌ قال فيها : (أنا فتى غرير أدرج في خطوات واسعة نحو السادسة والعشرين من سني حياتي..) ، ولن تخطئَ عينُكَ موهبة القلم التي شَبَّتْ مع الهدلقِ من بداياتِه ، لكنه لم يصمدْ إليها ، ففي كتابه يسوق كلمة جيته : (ما ورثته عن والديك حاول أن تكتسبه من جديد إذا أردت أن تمتلكه..) .
|
الزوار: 2656 |
تاريخ الاضافة: 22/11/2010 |
|
|