بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مرحبا بكم في موقع فضيلة الشيخ/ محمد فرج الأصفر نتمنى لكم طيب الاقامة بيننا        
:: الأخبار ::
هل شفاعة النبي يوم القيامة للمسلمين وغير المسلمين؟ والرد على المردفين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رد الشبهات على من قال بفناء النار أو إلغائها ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ورحل شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من قال بعدم دخول أبو لهب النار ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رمضان في غزة جوع ودموع وحرمان من العبادة ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من يزعم ان الجنة يدخلها غير المسلمين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ثماني عبادات لا تغفلوا عنها في رمضان ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ملف شهر رمضان ... مقالات وفتاوى ودروس ( العلوم الإسلامية )     ||     أبشروا جاءكم شهر رمضان ... وكيف نستقبله؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك .. فكيف بأمة الإسلام؟! ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     
:جديد الموقع:
 

موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || فرسان بالنهار رهبان بالليل (11) معاوية بن أبي سفيان
::: عرض المقالة : فرسان بالنهار رهبان بالليل (11) معاوية بن أبي سفيان :::
Share |

الصفحة الرئيسية >> قســـم المقــالات >> أعلام أهل السنة والجماعة

اسم المقالة: فرسان بالنهار رهبان بالليل (11) معاوية بن أبي سفيان
كاتب المقالة: الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ الاضافة: 10/11/2010
الزوار: 2424

فرسان بالنهار رهبان بالليل

(11)

معاوية بن أبي سفيان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلقد قضى الله بحكمته أن يكون لنبيه المصطفى المختار صحبٌ كرام ؛ ورجال أفذاذ ، هم خير الخلق بعد الأنبياء،

وهم الذين حملوا رسالة هذا الدين وبثّها في أصقاع المعمورة، واختصهم الله سبحانه وتعالى بصحبة نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام،

ولولا انفرادهم بالأفضلية والخيرية؛ لما اختيروا لهذه الصحبة العظيمة، والتي هي أجلّ مرافقة على مرّ العصور؛

كيف لا! وهي مرافقة أفضل الخلق وأكرمهم عليه الصلاة والسلام.

ثم إنه قد وقع بين البعض من الصحابة رضوان الله عليهم شيء من الخلاف في أمور اجتهدوا فيها، ورأى كلٌ منهم أنه على الحق،

ولم يكن اختلافهم هذا من أجل دنياً يرغبون إصابتها، ولا ملك يريدون انتزاعه ـ كما يتوهم البعض من العامة؛

بل كان السبب المنشئ لهذا الخلاف هو : إحقاق الحق ؛ الذي يرى كلٌ منهم أنه معه ، فرضي الله عنهم أجمعين.

ومن المؤسف أن يقع البعض في الصحابة الأخيار، وأن ينال ممن صحبوا الرسول الكريم،

وشهد لهم كبار هذه الأمة بعد رسولها بالخير والصلاح، ونصّبوهم المناصب العالية في دولتهم، وسيّروهم على الجيوش الفاتحة لبلاد العالم آنذاك.

ومن هؤلاء الصحابة الكرام، الصحابي الجليل ، الخليفة والملك القائد ، صاحب الفتوحات الإسلامية ، والقائد المحنّك ، وداهية زمانه :

معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه.

من هو معاوية ؟

هو : معاوية بن أبي سفيان، واسم أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، يكنى أبا عبدالرحمن.

أمه : هند بنت عتبة بنت ربيعة بن عبد شمس، وأمها: صفية بنت أمية بن حارثة بن الأقوص من بني سليم.

كان أبيض طويلاً، أبيض الرأس واللحية، أصابته لُقوةٌ (اللقوة: داء يصيب الوجه) في آخر حياته.

قال أسلم مولى عمر: "قدم علينا معاوية وهو أبيض الناس وأجملهم".

ولقد كان حليماً وقوراً، رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.

قال المدائني: عن صالح بن كيسان قال : رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صغير؛ فقال : "إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه".

فقالت هند ـ أم معاوية ـ: "ثَكِلتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه".

إسلامه

أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه يوم فتح مكة.

وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: "أسلمت يوم القضية ـ أي: يوم عمرة القضاء، وكتمت إسلامي خوفاً من أبي".

قال معاوية رضي الله عنه : "لما كان يوم الحديبية وصدّت قريش رسول الله عن البيت، ودافعوه بالروحاء وكتبوا بينهم القضيّة؛ وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة،

فقالت : إيّاك أن تخالف أباك، وأن نقطع أمراً دونه فيقطع عليك القوت، وكان أبي يومئذ غائباً في سوق حباشة".

قال : "فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله من الحديبية وإني مصدّق به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، ودخل رسول الله عمرة القضية وأنا مسلم مصدق به، وعَلِمَ أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوماً: لكن أخوك خير منك، وهو على ديني، فقلت: لم آل نفسي خيراً".

فضائله

(1) كان أحد الكتاب لرسول الله  ، وقيل إنه كان يكتب الوحي،

وفي هذه المسألة خلاف بين المؤرخين، وكان يكتب رسائل النبي لرؤساء القبائل العربية.

(2) شهد مع رسول الله حنيناً، وأعطاه مائة من الإبل، وأربعين أوقية من ذهب وزنها له بلال رضي الله عنه.

قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) التوبة ، الآية : 26،

وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي ، كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى : قال تعالى : (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد : 10.

ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما.

(3) شهد اليمامة، ونقل بعض المؤرخين أن معاوية ممن ساهم في قتل مسيلمة الكذاب.

(4) صحب رسول الله  ، وروى عنه أحاديث كثيرة؛ في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد. بل ورد من النبي  ، أحاديث في فضله منها دعاء الرسول  لمعاوية رضي الله عنه، ومن ذلك قوله (اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهد به) ، وقال : (اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب) .

ما أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف الباب، قال : فجاء فحطأني حطأةً وقال : ( اذهب وادع لي معاوية.)، قال: فجئت فقلت: ( هو يأكل.)، قال : ثم قال لي: ( اذهب فادع لي معاوية.)، قال: فجئت فقلت: ( هو يأكل.)،فقال: ( لا أشبع الله بطنه)

قال النووي : معلقاً على هذا الحديث. وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه،

فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة دعاء له، ولذلك قال ابن عساكر عن حديث لا أشبع الله بطنه:

أصح ما روي في فضل معاوية.. وبعده حديث.. ( اللهم علمه الكتاب.)، وبعده حديث.. ( اللهم اجلعه هادياً مهدياً.)

وعن الحديث نفسه قال الذهبي: قلت: ( لعل أن يقال، هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أو سببته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة.)

وقال الألباني: ( قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي  ، وقيل في لا أشبع الله بطنه: أنها كلمة جرت على عادة العرب نحو قاتله الله ما أكرمه، ويل أمه وأبيه ما أجوده، مما لا يراد معناه.)

*ما أخرجه البخاري من طريق أنس بن مالك، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ( ما اضحكك؟) قال: (أنس من أمتي عرضوا علي، يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة) ، قالت: ( فادع الله أن يجعلني منهم.)، فدعا لها، ثم نام الثانية ، ل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ( ادع الله أن يجعلني منهم.)،فقال: ( أنت من الأولين.)، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين،فقُرِّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.

قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله : قوله:

(ناس من أمتي عرضوا على غُزاة.. يشعر بأنه ضحكه كان عجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة) .

*ما أخرجه البخاري من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: (أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا) ، قالت : ( يا رسول الله أنا فيهم؟) قال: ( أنت فيهم.) ، ثم قال النبي : ( أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم.) ، فقلت: ( أنا فيهم يا رسول الله؟) قال: ( لا

قال المهلب: معلقاً على هذا الحديث: " في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر"

وكان معاوية رضي الله عنه يكتب الوحي لرسول الله ، وكذلك رسائل النبي إلى زعماء القبائل،

وكتابة معاوية للوحي لرسول الله أتاح له لون من القرب الطبيعي من رسول الله في تلك الفترة التي أعقبت فتح مكة حتى وفاة رسول الله ، مما يستتبع بالضرورة التأثر بشخص الرسول الكريم ، والأخذ المباشر منه.

(5) روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.

ثناء الصحابة والتابعين عليه

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رجوعه من صفين : "ا تَكرهوا إمارة معاوية، والله لئن فقدتموه لكأني أنظرُ إلى الرؤوس تندرُ عن كواهلها".

وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب ـ يعني معاوية".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما رأيت رجلاً أخلق للملك من معاوية، لم يكن بالضيّق الحصر".

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "علمت بما كان معاوية يغلب الناس، كان إذا طاروا وقع، وإذا وقعوا طار".

وعنه قال: "ما رأيت بعد رسول الله أسود من معاوية"، أي: من السيادة،

قيل: "ولا أبو بكر وعمر؟

فقال: "كان أبو بكر وعمر خيراً منه، وما رأيت بعد رسول الله أسود من معاوية".

قال كعب بن مالك رضي الله عنه: "لن يملك أحدٌ هذه الأمة ما ملك معاوية".

وعن قبيصة بن جابر رضي الله عنه قال: "صحبت معاوية فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطل جهلاً، ولا أبعد أناةً منه".

عن أبي إسحاق قال: "كان معاوية؛ وما رأينا بعده مثله".

حكم سب الصحابة

ينبغي لكل مسلم أن يعلم أنه لا يجوز له بحال من الأحوال لعن أحد من الصحابة، أو سبّه، ذلك أنهم أصحاب رسول الله ، وهم نَقَلة هذا الدين.

قال رسول الله : «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» متفق عليه.

وقال رسول الله : «خير الناس قرني، ثم الذي يلونهم، ثم الذي يلونهم» رواه البخاري ومسلم.

فهم رضوان الله عليهم خيرٌ من الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام، وخير من النقباء أصحاب موسى عليه السلام،

وخير من الذين آمنوا مع هود ونوح وغيرهم عليهم الصلاة والسلام، ولا يوجد في أتباع الأنبياء من هو أفضل من الصحابة، ودليل ذلك الحديث الآنف الذكر .

فتاوى ابن عثيمين رحمه الله.

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن من يلعن معاوية، فماذا يجب عليه؟

فأجاب: "الحمد لله، مَن لعن أحداً من أصحاب النبي كمعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص ونحوهما؛ ومن هو أفضل من هؤلاء: كأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة ونحوهما، أو من هو أفضل من هؤلاء:

كطلحة والزبير، وعثمان وعلي بن أبي طالب، أو أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهم، أو عائشة أم المؤمنين، غير هؤلاء من أصحاب النبي فإنه مستحق للعقوبة البليغة بإتفاق أئمة الدين، وتنازع العلماء: هل يعاقب بالقتل، أم ما دون القتل؟ كما بسطنا ذلك في غير هذا الموقع" مجموع الفتاوى: 35.

لماذا يُصرّ البعض على الخوض فيما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من خلاف، على الرغم من أن كثيراً من العلماء إن لم يكن جُلُّهم؛ ينصحون بعدم التعرض لهذه الفتنة، فقد تأول كل منهم واجتهد، ولم يكن هدفهم الحظوظ النفسية أو الدنيوية،

بل كان هدفهم قيادة هذه الأمة إلى بر الأمان؛ كلٌ وفق اجتهاده ـ وهذا ما أقرّه العلماء.. فمعاوية رضي الله عنه يعترف بأفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنه خير منه، أورد ابن عساكر رحمه الله تعالى في كتابه تاريخ دمشق ما نصّه : "جاء أبو موسى الخولاني وأناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع عليّاً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله، إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً وأنا ابن عمه ؟ وإنما أطلب بدم عثمان؛ فأتوه فقولوا له، فليدفع إليّ قتلة عثمان، وأُسلم له".

وإن من العقل والروية؛ أن يُعرِض المسلم عن هذا الخلاف، وأن لا يتطرق له بحال من الأحوال، ومن سمع شيئاً مما وقع بينهم فما عليه إلا الاقتداء بالإمام أحمد حينما جاءه ذلك السائل يسأله عما جرى بين علي ومعاوية، فأعرض الإمام عنه،

فقيل له: يا أبا عبدالله! هو رجل من بني هاشم، فأقبل عليه فقال: "اقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}" البقرة:134،

هذا هو الجواب نحو هذه الفتنة ؛ لا أن يتصدر بها المجالس، ويخطأ هذا، ويصوّب ذاك!!. فمعاوية رضي الله عنه صحابيٌ جليل، لا تجوز الوقيعة فيه، فقد كان مُجتهداً، وينبغي للمسلم عند ذكره أن يبيّن فضائله ومناقبه؛ لا أن يقع فيه، فابن عباس رضي الله عنه عاصر الأحداث الدائرة بين علي ومعاوية، وهو أجدر بالحكم في هذا الأمر؛ وعلى الرغم من هذا؛

إلا أنه حين ذُكر معاوية عنده قال: "تِلادُ ابن هند، ما أكرم حسبه، وأكرم مقدرته، والله ما شتمنا على منبرٍ قط، ولا بالأرض، ضناً منه بأحسابنا وحسبه".

كان معاوية من المشاركين في معركة اليرموك الشهيرة

وأورد الطبري رحمه الله تعالى أن معاوية كان من الموقعين على وثيقة استلام مدينة القدس بعد معركة اليرموك، والتي توّجها الخليفة عمر بحضوره إلى فلسطين، وكان معاوية والياً على الشام ذلك الوقت.

عن الإمام أحمد قال: "إذا رأيت الرجل يذكر واحداً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بسوء؛ فاتهمه على الإسلام".

وقيل لابن المبارك: "ما نقول في معاوية؟، هل هو عندك أفضل أم عمر بن عبدالعزيز؟"، فقال: "لتُرابٌ في مِنْخَري معاوية مع رسول الله خيرٌ ـ أو أفضل ـ من عمر بن عبدالعزيز".

فعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه؛ مع جلال قدره، وعلمه، وزهده، وعدله، لا يقاس بمعاوية؛ لأن هذا صحابي؛ وذاك تابعي!!، ولقد سأل رجل المعافى بن عمران رحمه الله تعالى قائلاً: "يا أبا مسعود، أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية؟فغضب وقال: "يومٌ من معاوية أفضل من عمر بن عبدالعزيز عُمُره"، ثم التفت إليه فقال: "تجعل رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل رجل من التابعين؟!".

قال الإمام الذهبي رحمه الله : "حسبك بمن يُؤمّر عمر، ثم عثمان على إقليم ـ وهو ثغر ـ فيضبطه، ويقوم به أتمّ قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم قد تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك".

قال المدائني: "كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب".

ولعل مما تجدر الإشارة إليه في ثنايا هذه الأسطر؛ أن يُبين كثيراً مما قيل ضدّ معاوية لا حقيقة له، ولعله من دسّ الرافضة؛ الذين يحملون عليه، لا بسبب ! إلا لامتناعه التسليم لعليّ رضي الله عنه.

ولولا فضل معاوية ومكانته عند الصحابة لما استعمله أمير المؤمنين عمر خلفاً لأخيه يزيد بعد موته بالشام، فكان في الشام خليفة عشرون سنة، وملكاً عشرون سنة، وكان سلطانه قوي، فقد ورد على لسان ابن عباس رضي الله عنه أنه قال :

"ما رأيت بعد رسول الله أسْوَدَ من معاوية"، قيل له: "ولا أبو بكر وعمر؟"، فقال: "كان أبو بكر وعمر خيراً منه، وما رأيت بعد رسول الله أسود من معاوية" أي في السيادة.

ثم إن معظم من ذكر معاوية ـ إما بسوء كالرافضة، أو الغلاة الذين ينابذونهم ـ قد طغوا في ذمّهم إياه، أو مديحهم له بشكل غير مقبول البتة.

قال ابن الجوزي في كتابه (الموضوعات): "قد تعصّب قوم ممن يدّعي السنة، فوضعوا في فضل معاوية أحاديث ليغيظوا الرافضة، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمّه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح".

من المصائب والفتن التي أصابت جسد الأمة خروج الفرق الضالة عليها لتشكك في دين وقرآن ربها وسنة نبيها والصحابة الكرام تحت شعارات كاذبة وباطلة أسسها اليهود من أمثال عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسس الرافضة ليكونوا شوكة في ظهر أهل السنة والجماعة ولن يكونوا كذلك لإن الحق واضح بين ولا ينكره إلا مبطل ضال مضل . والله حافظ هذا الدين حتى يرث الأرض ومن عليها فمهما زاغ الزائغون وافترى المفترون وضل المضلون فلن يكن لهم قائمة ؛ وسوف يخنسون كم يخنس إمامهم إبليس اللعين .

وقد خرج علينا هذة الأيام الروافض بفريه جديدة حتى يشغلوا الأمة عن طريق دعواتها وهي بأن ليس هناك أحاديث صحيحة في مناقب العملاق والصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين . وارسلوا أذنابهم في نشر تلك الفريه في منتديات أهل السنة من باب معاونة اليهود والنصارى في حربهم على الإسلام والمسلمين . ولكن شاء الله أن يرد مكرهم في نحورهم . ويسخر من أهل السنة للدفاع عن هذا الدين وسنه نبيه الأمين وسيره الصحابة الميامين . والحمد لله رب العالمين .

قال تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 9 ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 10 )‬الحجرات

‫فهل نزع الله الايمان عن الطائفتين برغم قتالهم‬ ؟ ‫وقتال معاوية وعلى بن أبي طالب‬ ‫لا ينزع عنهما الإيمان ولا الصحبه‬ ؛ ‫بل كل منهما كان يرى بأنه على حق‬ وهؤلاء أئمة‬ مجتهدون‬ ‫المصيب له أجران والمخطئ له أجر ،‬

‫بدليل‬

‫هل نستطيع ان نقدح في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها‬ حينما خرجت في موقعه الجمل تطلب من سفكوا دم عثمان رضي الله عنه‬ ؛ لقد اجتهدت بأنها ام المؤمنين وعثمان ابن لها وكان أماما للمسلمين وكان له السمع والطاعة ؛ وكذلك معاقبه الظلمة الذين استحلوا دمه .

وأما : لايشبع الله بطنك : ‫فلا يشترط أن ننظر بمنظورنا بأن عدم الاشباع ليس فيه رحمة ، ‬‫لانه ليس التلذذ بالأكل‬ ‫بالاشباع ،‬ فهذا مخالف‬ ‫للعقل لأن الإشباع يقطع التلذذ ‫بالطعام والشراب ،‬ وعدم الإشباع‬ فيه مواصله الأكل‬ ، ‫وفي حد ذاته مواصلة التلذذ بالطعام‬ وعدم الانقطاع للتلذذ .

وهذه أحاديث فضل معاوية الصحابي رضي الله عنه :

الحديث الأول : عن العِرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله يقول : "اللهم علّم معاوية الكتاب والحساب ، وقِهِ العذاب" رواه أحمد ( 17202 )، وصححه بشواهده الألباني في السلسلة الصحيحة ( 3227 )

الحديث الثاني : عن عبد الرحمن بن أبي عُمَيرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال لمعاوية : " اللهم اجعله هادياً مهديًّا، واهدِ به "رواه الترمذي ( 3842 )، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1969 )

الحديث الثالث : عن أم حرام الأنصارية رضي الله عنها، أنها سمعت النبي يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا " رواه البخاري ( 2924 ) ، قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 6 / 127 ) : قال المهلّب : في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر . اهـ .

وقال أبو جعفر الطبري في " تاريخ الأمم والملوك " ( أحداث سنة ثمان وعشرين ) : عن خالد بن معدان قال : أول من غزا البحر معاوية؛ في زمن عثمان، وكان استأذن عمر فلم يأذن له، فلم يزل بعثمان حتى أذن له، وقال : لا تنتخب أحداً، بل من اختار الغزو فيه طائعاً فأعِنه، ففعل . اهـ .

الحديث الرابع : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لي النبي : " اذهب ادعُ لي معاوية "، وكان كاتبه ، رواه أحمد ( 2651 / شاكر )، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1 / 164 )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 4 / 288 ) :

إن معاوية ثبت بالتواتر أنه أمّره النبي كما أمّر غيره، وجاهد معه، وكان أميناً عنده يكتب له الوحي، وما اتّهمه النبي في كتابة الوحي، وولاّه عمر بن الخطاب الذي كان أخبر الناس بالرجال، وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه، ولم يتّهمه في ولايته . اهـ .

قلـــــــت

وهذا دليل على أن معاوية رضي الله عنه أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه يوم فتح مكة. وفيه رد على الروافض الضالين بأنه أسلم بعد موت النبي وانه كان من كتاب الوحي فهل يختار النبي كاتبا للوحي ليس بأمين على ما يكتب ولو كان ذلك ؛ فهل لم يعلمه الله عز وجل أم يعلمه ؛ وإن قالوا : يعلمه فلماذا لم يخبرنا به بواسطه الوحي فهل كتمه الله !!؟ وهل ممكن ان يكتم الوحي ‫عدم أمانه كاتب الوحي إذا كان امينا‬ ؟ وإن قلتم : ذلك فقد قدحتم في الله‬ ‫عز وجل‬ أكثر ما قدحتم واشركتم اكثر ما اشركتم وكفرتم أكثر ما كفرتم به سبحانه وتعالى ؛‬ ‫وحاشى ربي أن يكون كذلك كما تزعمون‬ . ‫قال تعالى‬"‫يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" الصف 8

ياليت الروافض يسألون انفسهم هذا السؤال. فإن قالوا نعم لم يعلمه الله فقد كفروا بكفر على كفرهم .

وما أجمل أن نختم هذه الأسطر بقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

"ولهذا كان من مذهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة، فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم. وما وقع: منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان، ومنه ما تاب صاحبه منه، ومنه ما يكون مغفوراً. فالخوض فيما شجر يُوقع في نفوس كثير من الناس بُغضاً وذماً، ويكون هو في ذلك مخطئاً، بل عاصياً، فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك، كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك؛ فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله: إما من ذمّ من لا يستحق الذم، وإما من مدح أمور لا تستحق المدح". والله أعلم،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

طباعة


روابط ذات صلة

  فرسان بالنهار رهبان بالليل ( 1 ) أبوبكر الصديق  
  النشر في تراجـــم القــــــراء العشــــــــــــر  
  من سير الصالحات ( 1 ) فاطمة الزهراء  
  من سير الصالحات ( 2 ) صفية بنت عبد المطلب  
  من سير الصالحات ( 3 ) أسماء بنت عميس  
  من سير الصالحات ( 4 ) السيدة نفيسة كريمة الدارين  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل ( 2 ) عمر بن الخطاب  
   ترجمة شيخ الإسلام / إمـــام التابعـــــين  
  ترجمة رجب طيب أردوجــان  
  (( ترجمة إمام الزهــاد ))  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (3) عثمان بن عفان  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (4) علي بن أبي طالب  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (5) سعد بن أبي وقاص  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (6) أبو عبيدة بن الجراح  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (7) طلحة بن عبيد الله  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (8) الزبير بن العوام  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (9) سعيد بن زيد  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (10) عبد الرحمن بن عوف  
  فرسان بالنهار رهبان بالليل (12) أبو أيوب الأنصاري  
  من سير الصالحات ( 5 ) سكينة بنت الحسين  
  ترجمة / علي بن حزم الأندلسي الظاهري  
  (( ترجمة /الحافـــظ ابن حجــر العسقلانــي ))  
  ( ترجمة / الأستاذة الضابطة الحافظة المتقنة )  
  (( ترجمة شيــــخ المفسرين ))  
  ترجمة الأمام / محمد بن عبد الوهاب  
  ترجمة شيخ الأزهر / عبد الرحمــن تـــاج رحمه الله  
  حسبنا البارئ في من طعن في الإمام البخاري ( 1 )  
  حسبنا البارئ في من طعن في الإمام البخاري ( 2 )  
  (( قول الصالحين في مناقب أمهات المؤمنين )) خديجة رضي الله عنها  
  من سير الصالحات ( 6 ) أم هانئ رضي الله عنها  
  هذا هو " ابن عثيمين " أيها الهالك المهين ( 1 )  
  هذا هو " ابن عثيمين " أيها الهالك المهين (2 )  
  هذا هو " القائد صلاح الدين الأيوبي " يا وضيـع (1)  
  (( ترجمة العالم الرباني " محمد الراوي " ))  


 
::: التعليقات : 0 تعليق :::
 
القائمة الرئيسية
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الإشتراك

عدد الزوار
انت الزائر : 984850

تفاصيل المتواجدين