بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مرحبا بكم في موقع فضيلة الشيخ/ محمد فرج الأصفر نتمنى لكم طيب الاقامة بيننا        
:: الأخبار ::
فضل الترضى عن الصحابة .. والرد على من قال بعدم الترضى ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     هل شفاعة النبي يوم القيامة للمسلمين وغير المسلمين؟ والرد على المردفين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رد الشبهات على من قال بفناء النار أو إلغائها ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ورحل شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من قال بعدم دخول أبو لهب النار ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     رمضان في غزة جوع ودموع وحرمان من العبادة ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     الرد على من يزعم ان الجنة يدخلها غير المسلمين ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ثماني عبادات لا تغفلوا عنها في رمضان ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     ملف شهر رمضان ... مقالات وفتاوى ودروس ( العلوم الإسلامية )     ||     أبشروا جاءكم شهر رمضان ... وكيف نستقبله؟ ( المـكتبة الـمــرئية )     ||     
:جديد الموقع:
 

موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || شرح العقيدة الأصفهانية (مقروء)
::: عرض الكتاب : شرح العقيدة الأصفهانية (مقروء) :::
Share |

   

الصفحة الرئيسية >> مكتبة الكتب >> كتب العقائد والملل >> الكتب الجامعة لمسائل العقيدة

اسم الكتاب : شرح العقيدة الأصفهانية (مقروء)
المؤلف: شيخ الإسلام ابن تيمية
تعليق الكتاب: سئل شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه وهو مقيم بالديار المصرية في شهور سنة اثني عشر وسبعمائة أن يشرح العقيدة التي ألفها الشيخ شمس الدين محمد بن الأصفهاني الإمام المتكلم المشهور الذي قيل إنه لم يدخل إلى الديار المصرية أحد رؤوس علماء الكلام مثله وأن يبين ما فيها . فأجاب إلى ذلك واعتذر بأنه لا بد عند شرح ذلك الكلام من مخالفة بعض مقاصده لما توجبه قواعد الإسلام فإن الحق أحق أن يتبع والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ، والله تعالى يقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وليعلم أن الشرح المطلوب الآتي ذكره اشتمل ولله الحمد مع اختصاره على غرر قواعد أصول الدين التي لم ينهض بتحقيق الحق فيها إلا الجهابذة النقاد من سادات الأولين والآخرين كما ستشهد ذلك ويشهد به وقت التأمل أهل العدل والإنصاف من المحقين المحققين والله سبحانه ولي التوفيق والهادي إلى سواء الطريق وهو حسبنا ونعم الوكيل . وأول العقيدة المذكورة قوله [الحمد لله حق حمده وصلواته على محمد رسوله وعبده للعالم خالق واجب الوجود لذاته واحد عالم قادر حي مريد متكلم سميع بصير والدليل على وجوده الممكنات لاستحالة وجودها بنفسها واستحالة وجودها بممكن آخر ضرورة استغناء المعلول بعلته عن كل ما سواه وافتقار الممكن إلى علته والدليل على وحدته أنه لا تركيب فيه بوجه وإلا لما كان واجب الوجود لذاته ضرورة افتقاره إلى ما تركب منه ويلزم من ذلك أن لا يكون من نوعه اثنان إذ لو كان لزم وجود الاثنين بلا امتياز وهو محال والدليل على علمه إيجاده الأشياء لاستحالة إيجاده الأشياء مع الجهل بها والدليل على قدرته إيجاده الأشياء وهي إما بالذات وهو محال إلا لكان العالم وكل واحد من مخلوقاته قديما وهو باطل فتعين أن يكون فاعلا بالاختيار وهو المطلوب والدليل على أنه حي علمه وقدرته لاستحالة قيام العلم والقدرة بغير الحي والدليل على إرادته تخصيصه الأشياء بخصوصيات واستحالة التخصيص من غير مخصص والدليل على كونه متكلما أنه آمروناه لأنه بعث الرسل لتبليغ أوامره ونواهيه ولا معنى لكونه متكلما إلا ذلك والدليل على كونه سميعا بصيرا السمعيات والدليل على نبوة الأنبياء المعجزات والدليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن المعجز نظمه ومعناه . ثم نقول كل ما أخبر به محمد عليه الصلاة والسلام من عذاب القبر ومنكر ونكير وغير ذلك من أحوال القيامة والصراط والميزان والشفاعة والجنة والنار فهو حق لأنه ممكن وقد أخبر به الصادق فلزم صدقه والله الموفق فأجاب رضي الله تعالى عنه الحمد لله رب العالمين ما في هذا الكلام من الأخبار بأن للعالم خالقا وأنه واجب الوجود بنفسه وأنه واحد عالم قاد حي مريد متكلم سميع بصير فهو حق لا ريب فيه وكذلك ما فيه من الإقرار بنبوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يجب التصديق بكل ما أخبر به من عذاب القبر ومنكر ونكير وغير ذلك من أحوال القيامة والصراط والميزان والشفاعة والجنة والنار فإنه حق فإن هذه الأسماء المقدسة المذكورة لله تعالى منها ما هو في كتاب الله تعالى كاسمه الواحد والعالم والقادر والحي والسميع والبصير قال تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) وقال تعالى (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) وقال تعالى (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم) (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) وقال تعالى (وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقال تعالى(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ومثل هذا في القرآن كثير وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ومعناهما حق ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك وهي في نفسها صفات مدح والأسماء الدالة عليها أسماء مدح . وأما الكلام والإرادة فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود كالصدق والعدل وإلى مذموم كالظلم والكذب والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم جاء ما يوصف به من الكلام والإرادة في أسماء تخص المحمود كاسمه الحكيم والرحيم والصادق والمؤمن والشهيد والرؤوف والحليم والفتاح ونحو ذلك مما يتضمن معنى الكلام ومعنى الإرادة فإن الكلام نوعان: إنشاء وإخبار والإخبار ينقسم إلى صدق وكذب والله تعالى يوصف بالصدق دون الكذب والإنشاء نوعان إنشاء تكوين وإنشاء تشريع فإنه سبحانه لـه الخلق والأمر وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والتكوين يستلزم الإرادة عند جماهير الخلائق وكذلك يستلزم الكلام عند أكثر أهل الإثبات وأما التشريع فيستلزم الكلام وفي استلزامه الإرادة نزاع والصواب أنه يستلزم أحد نوعي الإرادة كما سنبين إن شاء الله والإنشاء يتضمن الأمر والنهي والإباحة والله تعالى يوصف بأنه يأمر بالخير وينهى عن الشر فهو سبحانه لا يأمر بالفحشاء وكذلك الإرادة قد نزه نفسه عن بعض أنواعها بقوله تعالى (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ) وقوله (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر) فلهذا لم يجىء في أسمائه الحسنى المأثورة المتكلم والمريد . وأما ما يوصف به الرب من الكلام والإرادة فقد دلت عليه أسماؤه الحسنى وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى متكلم بكلام قائم به وإن كلامه غير مخلوق وأنه مريد بإرادة قائمة به وإن إرادته ليست مخلوقة وأنكروا على الجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين قالوا إن كلام الله مخلوق خلقه في غيره وإنه كلم موسى بكلام خلقه في الهواء واتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ومعنى قولهم منه بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره كما قالت الجهمية من المعتزلة وغيرهم أنه بدأ من بعض المخلوقات وأنه سبحانه لم يقم به كلام ولم يرد السلف أنه كلام فارق ذاته فإن الكلام وغيره من الصفات لا تفارق الموصوف بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فكيف تكون صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره ولهذا قال الإمام أحمد كلام الله من الله ليس ببائن منه ورد بذلك على الجهمية المعتزلة وغيرهم الذين يقولون كلام الله بائن منه خلقه في بعض الأجسام ومعنى قول السلف إليه يعود ما جاء في الآثار إن القرآن يسري به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية وقد قال الله تعالى عن المخلوق (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) ومع هذا فكلمة المخلوق لا تفارق ذاته وتنتقل إلى غيره ، وما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسان وغيرهم من أئمة المسلمين كالحديث الذي رواه أحمد في مسنده وكتبه إلى المتوكل في رسالته التي أرسل بها إليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرخ منه يعني القرآن وفي لفظ بأحب إليه مما خرج منه وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع كلام مسيلمة إن هذا كلام لم يخرج من إل أي من رب وقول ابن عباس لما سمع قائلا يقول لميت لما وضع في لحده اللهم رب القرآن اغفر له فالتفت إليه ابن عباس فقال مه القرآن كلام الله ليس بمربوب منه خرج وإليه يعود وهذا الكلام معروف عن ابن عباس . وقول السلف القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود كما استفاضت الآثار عنهم بذلك كما هو مذكور عنهم في الكتب المنقولة عنهم بالأسانيد المشهورة لا يدل على أن الكلام يفارق المتكلم ويتنقل إلى غيره ولكن هذا دليل على أن الله هو المتكلم بالقرآن ومنه سمع لا أنه خلقه في غيره كما فسره بذلك أحمد وغيره من الأئمة قال أبو بكر الأشتر سئل أحمد عن قوله القرآن كلام الله منه خرج وإليه يعود فقال أحمد منه خرج هو المتكلم به وإليه يعود ذكره الخلال في كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد وما جاءت به الآثار مثل قول خباب بن الأرت تقرب إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه مما خرج منه وروي ذلك مرفوعا ونحو ذلك أولى أن لا يدل على أن الكلام يفارق المتكلم وينتقل إلى غيره ولكن هذا دليل على أن الله هو المتكلم بالقرآن ومنه سمع لا أنه خلقه في غيره وقد بين السلف والأئمة وأتباعهم فساد قول الجهمية وأتباعهم الذين يقولون كلامه مخلوق بوجوه كثيرة مثل قولهم لو كان مخلوقا في غيره لكان صفة لذلك المحل ولاشتق لذلك المحل منه اسم كما في سائر الصفات مثل العلم والقدرة والسمع والبصر والحياة وكما في الحركة والسكون والسواد والبياض وسائر الصفات التي تشترط لها الحياة فإنها إذا قامت بمحل كانت صفة لذلك المحل دون غيره واشتق لذلك المحل منها اسم دون غيره فإن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل دون غيره وسمى بالاسم المشتق منها ذلك المحل دون غيره وطرد هذا عند السلف وجمهور أهل الإثبات في أسماء الأفعال كالخالق والعادل وغير ذلك . وأما من لم يطرد ذلك بل زعم أنه يوصف بصفات الأفعال وهي عنده المفعولات المباينة له ويشق له منها اسم فقوله متناقض ولهذا نقضت المعتزلة قول هؤلاء بما سلموه لهم وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا التنبيه على الفرق بين المتكلم والمريد وغيرهما حيث جاءت النصوص باسم العليم والقدير والسميع والبصير ولم تأت باسم المريد والمتكلم بما يدل على مطلق الإرادة والكلام وإنما جاءت بما يدل على الكلام المحمود والإرادة المحمودة لا باسم يشترك فيه المحمود والمذموم وأن الكلام والإرادة مما يقوم بالرب تعالى ويوصف به ليس ذلك أمرا منفصلا عنه كما تزعم الجهمية والتنبيه على أنه لو كان كلام الله مخلوقا في محل لكان ذلك المحل هو المتكلم به وكانت الشجرة مثلا هي القائلة لموسى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) ولوجب أن يكون ما أنطق الله به بعض مخلوقاته كلاما لـه وقد قال تعالى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عليه الحجر وقال إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن وقد سبح الحصى بيديه حتى سمع تسبيحه وأمثال ذلك كثير والله هو الذي أنطق هذه الأجسام فلو كان ما يخلقه من النطق والكلام كلاما له لكان ذلك كلام الله كما أن القرآن كلام وكان لا فرق بين أن ينطق هو وبين أن ينطق غيره من المخلوقات وهذا ظاهر الفساد . وكان قدماء الجهمية تنكر أن يكون الله يتكلم فإن حقيقة مذهبهم أن الله لا يتكلم ولهذا قتل المسلمون أول من أظهر هذه البدعة في الإسلام الجعد ابن درهم ضحى به خالد بن عبد الله القسري في يوم النحر وقال ضحوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه ثم إنهم صاروا يقولون إنه متكلم مجازا ثم أظهروا القول بأنه متكلم حقيقة وفسروا ذلك بأنه خالق للكلام في غيره وكان هذا من التلبيس على الناس فإن المتكلم عند الناس من قام به الكلام لا من أحدثه في غيره كما أن المريد والرحيم والسميع والبصير والعالم والقادر من قامت به الإرادة والرحمة والسمع والبصر والعلم والقدرة لا من أحدث ذلك في غيره وكذلك الإرادة . ومن الجهمية والمعتزلة وغيرهم من يقول أنه لا إرادة لـه كما يقوله من يقوله من المعتزلة البغداديين ومنهم من يقول له إرادة أحدثها لا في محل كما يقوله البصريون منهم والشيعة المتأخرون وافقوهم على ذلك ولهم قولان كالمعتزلة وهو من أفسد الأقوال من وجهين من جهة إثباتهم صفة لا في محل ومن جهة إثباتهم حادثا أحدثه لا بإرادة . فهذا المصنف احترز عن مذهب هؤلاء وأحسن في ذلك ولكن هذا المصنف اختصر هذه العقيدة من كتب المتكلمين الصفاتية الذين يثبتون ما ذكره من الصفات بما نبه عليه من الطرق العقلية ويسمون ذلك العقليات . وأما أمر المعاد فيجعلونه كله من باب السمعيات لأنه ممكن في العقل والصادق قد أخبر به وأما المعتزلة والفلاسفة والكرامية وغيرهم وكثير من أهل الحديث والفقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم وكثير من الصوفية وسلف الأمة وأئمتها فيجعلون المعاد أيضا من العقليات ويثبتونه بالعقل ويخوض أهل التأويل فيه كما خاضت الصفاتية في ذلك ولكن المصنف سلك في ذلك طريقة أبي عبد الله الرازي فأثبت العلم والقدرة والإرادة والحياة بالعقل وأثبت السمع والبصر والكلام بالسمع ولم يثبت شيئا من الصفات الخبرية وأما من قبل هؤلاء كأبي المعالي الجويني وأمثاله والقاضي أبي يعلى وأمثاله فيثبتون جميع هذه الصفات بالعقل كما كان يسلكه القاضي أبو بكر ومن قبله كأبي الحسن الأشعري وأبي العباس القلانسي ومن قبلهم كأبي محمد بن كلاب والحارث المحاسبي وغيرهما وهكذا السلف والأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله يثبتون هذه الصفات بالعقل كما ثبتت بالسمع وهذه الطريقة أعلى وأشرف من طريقة هؤلاء المتأخرين كما سنبين إن شاء الله تعالى وأيضا قائمة الصفاتية المتقدمون كابن كلاب والحارث المحاسبي والأشعري وأبي العباس القلانسي وأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الطبري والقاضي أبو بكر ابن الباقلاني وأبي إسحق الإسفرائيني وابي بكر بن فورك وغيرهم يثبتون الصفات الخبرية التي ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بها وكذلك سائر طوائف الإثبات كالسالمية والكرامية وغيرهم وهذا مذهب السلف والأئمة . ولا ريب أن ما أثبته هؤلاء الصفاتية من صفات الله تعالى ثابت بالشرع مع العقل وهو متفق عليه بين سلف الأمة وأئمتها وإنما خصوا هذه الصفات بالذكر دون غيرها لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم كما نبه عليه المصنف ولكن لا يلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول فلا يلزم نفي ما سوى هذه من الصفات والسمع قد أثبت صفات أخرى وأيضا فإن الرازي ونحوه ممن لم يثبت السمع طريقا إلى إثبات الصفات ولا نزاع بينهم أنه طريق صحيح لكن يفرقون بين ما أثبتوه وبين ما توقفوا في ثبوته بأن العقل دل على أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه ولهم فيما لم يثبتوه طريقان منهم من نفاه ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي وهذه طريقة محققيهم كالرازي والآمدي وغيرهما بل ومن الناس من يثبت صفات أخرى بالعقل . فالذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل فإنه قد علم بالشرع مع العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقال تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) وقال تعالى (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وقال تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) . وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ويجب لـه ما يجب لـه ويمتنع عليه ما يمتنع عليه فلو كان المخلوق مماثلا للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع والخالق يجب وجوده وقدمه والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقدمه بل يجب حدوثه وإمكانه فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك فكان كل منهما يجب وجوده وقدمه ويمتنع وجوب وجوده وقدمه ويجب حدوثه وإمكانه فيكون كل منهما واجب القدم واجب الحدوث واجب الوجود ليس واجب الوجود يمتنع قدمه لا يمتنع قدمه وهذا جمع بين النقيضين . فإذا عرفت هذا فنقول إن الله سمى نفسه في القرآن بالرحمن الرحيم ووصف نفسه في القرآن بالرحمة والمحبة كما قال تعالى (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) وقال (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وقال (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه) وقال (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ويحب المحسنين ويحب الصابرين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ونحو ذلك ومن الناس من جعل حبه ورحمته عبارة عما يخلقه من النعمة كما جعل بعضهم إرادته عبارة عن ما يخلقه من المخلوقات وهذا ظاهر البطلان لا سيما على أصل الصفاتية ومنهم من جعل حبه ورحمته هي إرادته ونفى أن تكون له صفات هي الحب والرضا والرحمة والغضب غير الإرادة . فيقال لهذا القائل لم أثبت له إرادة وإنه مريد حقيقة ونفيت حقيقة الحب والرحمة ونحو ذلك فإن قال لأن اثبات هذا تشبيه لأن الرحمة رقة تلحق المخلوق والرب ينزه عن مثل صفات المخلوقين قيل له وكذلك يقول من ينازع في الإرادة أن الإرادة المعروفة ميل الإنسان إلى ما ينفعه وما يضره والله تعالى منزه عن أن يحتاج إلى عباده وهم لا يبلغون ضره ولا نفعه بل هو الغني عن خلقه كلهم فإن قلت الإرادة التي نثبتها لله ليست مثل إرادة المخلوق كما أنا قد اتفقنا وسائر المسلمين على أنه حي عليم قدير وليس هو مثل سائر الأحياء العلماء القادرين قال لك أهل الإثبات وكذلك الرحمة والمحبة التي نثبتها لله ليست مثل رحمة المخلوق ومحبة المخلوق فإن قلت لا أعقل من الرحمة والمحبة إلا هذا قال لك النفاة ونحن لا نعقل من الإرادة إلا هذا ومعلوم عند كل عاقل أن إرادتنا ومحبتنا ورحمتنا بالنسبة إلينا كإرادته ورحمته ومحبته بالنسبة إليه فلا يجوز التفريق بين المتماثلين فيثبت له إحدى الصفتين وتنفي الأخرى وليس في العقل ولا في السمع ما يوجب التفريق إذا كثر ما يقال إني أثبت الإرادة بالعقل لأن وجود التخصيص في المخلوقات دل على الإرادات فيقال لك انتفاء الدليل المعين لا يقتضي انتفاء المدلول فهب أن مثل هذا الدليل لا يثبت في الرحمة والمحبة فمن أين ذفيت ذلك ثم يقال بل السمع أثبت ذلك أيضا وقد يسلك في إثبات ذلك نظير الطريق العقلي الذي أثبت به الإرادة فيقال ما في المخلوقات من وجود المنافع للمحتاجين وكشف الضر عن المضرورين والاحسان إلى المخلوقات وأنواع الرزق والهدى والمسرات هو دليل على رحمة الخالق سبحانه والقرآن يثبت دلائل الربوية بهذا الطريق تارة يدلهم بالآيات المخلوقة على وجود الخالق ويثبت علمه وقدرته ومشيئته وتارة يدلهم بالنعم والآلاء على وجود بره وإحسانه المستلزم رحمته وهذا كثير في القرآن وإن لم يكن مثل الأول أو أكثر منه ولم يكن أقل منه بكثير كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) وقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) وقوله في سورة الرحمن بعد أن ذكر كل نوع من هذه الأنواع (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) وبالجملة ما ذكره في القرآن من الأمثال والآيات تارة يقرر نفس مشيئته وقدرته وخلقه وتارة يقرر بها إحسانه وإنعامه ورحمته . وهذه الطريقة مستلزمة للأولى من غير عكس فإنه يلزم من وجود الإحسان والرحمة وجود القدرة والمشيئة من غير عكس وقس على هذا غيره من الصفات وأمره هو أيضا مما يعلم بالسمع وبالعقل أيضا كما تعلم إرادته وكما تعلم محبته وهذه المسائل مبسوطة في مواضع وإنما ذكرنا في هذا الشرح ما يناسب حال هذه العقيدة المختصرة المشروحة وقد بسطنا في غير هذا الموضع الكلام الكلام في محبة الله وذكرنا أن للناس في هذا الأصل العظيم ثلاثة أقوال أحدها أن الله تعالى يحب ويحب كما قال تعالى فسوف يأتي اله بقوم يحبهم ويحبونه . فهو المستحق أن يكون لـه كما المحبة دون ما سواه وهو سبحانه يحب ما أمر به ويحب عباده المؤمنين وهذا قول سلف الأمة وأئمتها وهذا قول أئمة شيوخ المعرفة والقول الثاني أنه يستحق أن يحب لكنه لا يحب إلا بمعنى أن يريد وهذا قول كثير من المتكلمين ومن وافقهم من الصوفية والثالث أنه لا يحب ولا يحب وإنما محبة العباد لـه إرادتهم طاعته وهذا قول الجهمية ومن وافقهم من متأخري أهل الكلام والرازي ومما يوضح ذلك أن وجوب تصديق كل مسلم بما أخبر الله به ورسوله من صفاته ليس موقوفا على أن يقوم عليه دليل عقلي على تلك الصفة بعينها فإنه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبرنا بشيء من صفات الله تعالى وجب علينا التصديق به وإن لم نعلم ثبوته بعقولنا ومن لم يقر بما جاء به الرسول حتى يعلمه بعقله فقد أشبه الذين قال الله عنهم (قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ومن سلك هذا السبيل فهو في الحقيقة ليس مؤمنا بالرسول ولا متلقيا عنه الأخبار بشأن الربوية ولا فرق عنده بين أن يخبر الرسول بشيء من ذلك أولم يخبر به فإن ما أخبر به لا يقد به بل يتأوله أو يفوضه وما لم يخبر به إن علمه بعقله آمن به وإلا فلا فرق عند من سلك هذا السبيل بين وجود الرسول وإخباره وبين عدم الرسول وعدم إخباره وكان ما يذكره من القرآن والحديث والإجماع في هذا الباب عديم الأثر عنده وهذا قد صرح به أئمة هذا الطريق ثم الطريق النبوية فمنهم من يحيل على القياس ومنهم من يحيل على الكشف وكل من الطريقتين فيها من الاضطراب والاختلاف مالا ينضبط وليست واحدة منهما تحصل المقصود بدون الطريق النبوية والطريق النبوية تحصل الأيمان النافع في الآخرة بدون ذلك ثم إن حصل قياس أو كشف يوافق ما أخبر به الرسول كان حسنا مع أن القرآن قد نبه على الطرق الاعتبارية التي بها يستدل على مثل ما في القرآن كما قال تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فأخبر أنه يري عباده عن الآيات المشهودة التي هي أدلة عقلية ما يتبين أن القرآن حق . وليس لقائل أن يقول إنما خصصت هذه الصفات بالذكر لأن السمع موقوف عليها دون غيرها فإن الأمر ليس كذلك لأن التصديق بالسمعيات ليس موقوفا على إثبات السمع والبصر ونحو ذلك .
الزوار: 2678
تاريخ الاضافة: 20/12/2010
للحـفظ    ابلغ عن وصلة لاتعمل 
    

روابط ذات صلة

  شرح العقيدة الطحاوية  
  تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد  
  غاية المرام في علم الكلام (مقروء)  
  شرح العقيدة الواسطية (مقروء)  
  معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول  
  التوحيد للماتريدي  
  توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم  
  تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد  
  غاية المرام في علم الكلام  
  شرح المقاصد في علم الكلام  
  أساس التقديس في علم الكلام  
   أصول الإيمان  
   أصول الدين  
  معالم أصول الدين  
  اعتقاد أئمة الحديث  
  التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين  
  التحف في مذاهب السلف  
  التحفة المدنية في العقيدة السلفية  
  التوحيد لله عز وجل لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي  
  الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ  
  العقيدة السفارينية = الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية  
  متن الطحاوية بتعليق الألباني  
  الفقه الأبسط  
  الفقه الأكبر  
  تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل  
  رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب  
  رسالة التوحيد المسمى بـ تقوية الإيمان  
  عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة  
  فتاوى مهمة لعموم الأمة  
  قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر  
  لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة  
  نونية القحطاني  
  الصفدية  
  التوحيد لابن عبد الوهاب  

أحدث الإضافـات

  آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية  
  الانتصار للسلف الأخيار  
  ذم الكلام وأهله للهروي  
  الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي  
  الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار  
  رسالة في الرد على الرافضة  
  الرد على البكري  
  الرد على المنطقيين  
  مناصحة الإمام وهب بن منبه لرجل تأثر بالخوارج  
  مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة  


 
::: التعليقات : 0 تعليق :::
 
القائمة الرئيسية
القائمة البريدية

اشتراك

الغاء الإشتراك

عدد الزوار
انت الزائر : 989491

تفاصيل المتواجدين