16ـ انتشار الزنا
ومن العلامات التى ظهرت فشو الزنا وكثرته بين الناس، فقد
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك من أشراط الساعة.
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: -وذكر
منها- ويظهر الزنا».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي
نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون
خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط» رواه أبو يعلي، وقال الهيثمي:
ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني.
قال
القرطبي: "معلقاً على هذا الحديث بأنه علم من أعلام
النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع، فوقعت، خصوصاً في هذه الأزمان" كتاب المفهم.
قلت: وإذا كان هذا في زمان القرطبي، فهو في زماننا هذا أكثر
ظهوراً لعظم غلبة الجهل، وانتشار الفساد بين الناس.
لقد فشا الزنا وانتشر
في العالم بشكل مخيف حتى في بعض مجتمعات المسلمين حتى غدا شيئاً مألوفاً لأشخاص
أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي
الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها
بعض الحيوانات.
ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في
الجاهلية قرداً يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته.
قال شيخ الإسلام: "وحدثني
بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعاً من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض
جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب
جنسه حتى اجتمع منهم عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها. ثم قال الشيخ: ومثل هذا معروف
في عادة البهائم" الفتاوى.
ما استجلبت الأمراض المدمرة بمثل الزنا؛ كما جاء
في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على المهاجرين يوماً فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن
تدركوهن» فذكر منها: «ولم تظهر الفاحشة في قوم
قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم»
رواه ابن ماجة والدارمي وحسنه الألباني. وإذا انتشر الزنا كثر فيه أولاد الزنا،
وإذا انتشر أولاد الزنا كان ذلك مؤذناً بنزول العقوبة.
عن ميمونة رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد
الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب» رواه أحمد
وحسنه الألباني.
ولهذا فقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم الزنا على أمته، فعن
عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا نعايا العرب -يريد أن العرب قد هلكت- يا نعايا
العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية» رواه الطبراني وحسنه
الألباني.
الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، وقد قرنه
الله بالشرك فقال: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} النور:3. وهو جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل
الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه،
ويخرس الألسنة، ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما
اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع، الزنا يجمع خصال الشر كلها، من الغدر والكذب
والخيانة، وينزع الحياء ويذهب الورع ويزيل المروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب
الرب، وإذا انتشر أفسد نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة
الحرمات، والحفاظ على روابط الأسر، وتماسك المجتمعات.
وأعظم من ذلك استحلال الزنا، فقد ثبت في الصحيح عن أبي أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ
الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ
إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ
لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ،
وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ" البخاري
17ـ انتشار الربا
ومنها ظهور الربا، وانتشاره بين الناس، وعدم المبالاة بأكل
الحرام، ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: «بين يدي
الساعة يظهر الربا» رواه الطبراني في الترغيب والترهيب وقال المنذري رواته
رواة الصحيح. الربا والأنظمة الربوية بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها وحياتها
الاقتصادية، إنه نظام بشع يمحق سعادة البشر ويفسد ضمير
الفرد وخلقه وشعوره تجاه أخيه، ويفسد نظام المجتمع وتضامنه بما ينشره فيه من
روح الطمع والجشع والأثرة. لهذا كله وقف الإسلام من الربا موقف الحرب التي لا
هوادة فيها، وشنع على أصحابه أبلغ تشنيع، قال تعالى: {الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ
الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ
وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ
اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ
أَثِيمٍ} البقرة: 275-276.
وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما
أخذ المال، أمن حلال أم من حرام" البخاري.
وهذه الأحاديث تنطبق على كثير من المسلمين في هذا الزمن،
فتجدهم لا يتحرون الحلال في المكاسب، بل يجمعون المال من الحلال والحرام، وأغلب
ذلك بدخول الربا في معاملات الناس، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا، وخرج
علينا أصحاب العمائم ممن يعاونون الظلمة، يستحلون المصارف الربوية والفوائد
البنكية، ووقع كثير من الناس في هذا البلاء العظيم .
18ـ ظهور المعازف واستحلالها
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :" سيكون في آخر الزمان
خسف وقذف ومسخ، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت
المعازف والقينات" روى ابن ماجه في سننه.
وهذه العلامة قد وقع شيء كبير منها في العصور السابقة, وهي الآن
أكثر ظهوراً, فقد ظهرت المعازف في هذا الزمن وانتشرت انتشاراً عظيماً, وكثر
المغنون والمغنيات وهم المشار إليهم في هذا الحديث بـ
" القينات"
وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف, وقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك
بالمسخ, والقذف, والخسف كما في الحديث السابق, ولما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله
قال: قال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد - ثم ساق السند إلى أبي مالك الأشعري
رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر
والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم - يعني
الفقير - لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين
قردة وخنازير إلى يوم القيامة". البخاري
وقد زعم ابن حزم أن هذا الحديث منقطع لم يتصل ما بين البخاري
وصدقة بن خالد, ورد عليه العلامة ابن القيم, وبيَّن أنَّ ما قاله ابن حزم باطل من
ستة وجوه:
1ـ
أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا روى
عنه معنعناً حمل على الاتصال اتفاقاً لحصول المعاصرة والسماع فإذا قال: (قال هشام) لم يكن فرق بينه وبين قوله: (عن هشام) أصلاً.
2ـ
أن الثقات الأثبات قد رووه عن هشام موصولاً، قال
الإسماعيلي في صحيحه: (أخبرني الحسن حدثنا هشام بن عمار) بإسناده ومتنه.
3ـ
أنه قد صح من غير حديث هشام, فرواه الإسماعيلي
وعثمان بن أبي شيبة بسندين آخرين إلى أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
4ـ أن البخاري لو لم يلق هشاماً ولم يسمع منه فإدخاله هذا الحديث
في صحيحه وجزمه به يدل على أنه ثابت عنده عن هشام ولم يذكر الواسطة بينه وبين هشام
إما لشهرتهم, وإما لكثرتهم فهو معروف مشهور عن هشام.
5ـ أن البخاري إذا قال في صحيحه: (قال فلان) فالمراد أن الحديث صحيح عنده.
6ـ
أن البخاري ذكر هذا الحديث محتجاً به, مدخلاً له في
صحيحه أصلاً لا استشهاداً فالحديث صحيح بلا ريب.
وقال ابن الصلاح: ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه
البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك فذكره ثم قال: – والحديث صحيح معروف الاتصال
بشرط الصحيح, والبخاري رحمه الله قد يفعل مثل ذلك لكون ذلك الحديث معروفاً من جهة
الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه. وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع
آخر من كتابه مسنداً متصلاً وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل
الانقطاع.
وإنما أطلتُ الكلام على هذا الحديث، لأن بعض
الناس يتشبث برأي ابن حزم، ويحتج به على إباحة المعازف، وقد تبين أن الأحاديث
الواردة في النهي عنها صحيحة، وأن الأمة مهددة بالعقوبات إذا ظهرت الملاهي، وارتُكبت
المعاصي.
19ـ كثرة شرب الخمر واستحلالها
ظهر في هذه الأمة شرب الخمر
وتسميتها بغير اسمها, والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، وهذا من أمارات
الساعة، فقد روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: "من أشراط الساعة(وذكر منها) ويشرب الخمر") ومضى ذكر بعض
الأحاديث في الكلام على المعازف وفيها أنه سيكون من هذه الأمة من يستحل شرب الخمر.
ومنها ما رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "لتستحلن طائفة
من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه".
فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة, حتى سميت بالمشروبات الروحية
ونحو ذلك, والأحاديث في بيان أن هذه الأمة سيفشو فيها شرب الخمر, وأن فيهم من
يستحلها ويغير اسمها ، وفسر ابن العربي استحلال الخمر بتفسيرين:
الأول: اعتقاد حل شربها.
الثاني: أن يكون المراد بذلك الاسترسال في
شربها كالاسترسال في الحلال.
وذكر أنه سمع ورأى من يفعل ذلك ، وهو في زمننا هذا أكثر, فقد فتن بعض الناس بشربها, وأعظم من ذلك
بيعها جهاراً وشربها علانية في بعض البلدان الإسلامية، وانتشار المخدرات انتشاراً
عظيماً لم يسبق له مثيل مما ينذر بخطر عظيم، وفساد كبير، والأمر لله من قبل ومن
بعد.
وللحديث بقية