وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
قول هذه المرأة في حق الابن بعد سن النضج أن يختار الدين
الذي يريد، دعوة صريحة لحرية ترك الدين واعتناق أخر، حتى ولو كان الإسلام ، ومخالفة واضحة لنصوص الكتاب
والسنة والفطرة السليمة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي
السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) البقرة:
208
قال أبو
جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع.
فقال بعضهم: معناه: ادخلوا في الإسلام
كافة
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في
الطاعة.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) آل عمران: 102
وعن مرة ، عن عبد الله هو ابن مسعود قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " ( اتقوا الله حق تقاته ) أن يطاع
فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " صحيح موقوف .
وقوله :( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي : حافظوا على الإسلام في
حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على
شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، فعياذا بالله من خلاف ذلك
وقال
تعالى :
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران : 85
قال أبو
جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب دينا غيرَ دين الإسلام ليدين به، فلن
يقبل الله منه ومن الباخسين أنفسَهم حظوظَها
من رحمة الله عز وجل
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه
وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء .( ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم} فطرة الله التي فطر الناس
عليها لا تبديل لخلق الله { الآية. رواه البخاري ومسلم واللفظ له
والفطرة هنا هي فطرة الإسلام ، وهي
السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة ، وليس المراد أن الإنسان
حين يخرج من بطن أمه يعلم هذا الدين موحداً لله فإن الله تعالى يقول : (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)النحل: 78
وإنما المراد أن فطرته مقتضية وموجبة لدين الإسلام
ولمعرفة الخالق والإقرار به ومحبته. ومقتضيات هذه الفطرة وموجباتها تحصل شيئاً بعد
شيء وذلك بحسب كمال الفطرة وسلامتها من الموانع .
والأدلة القاضية بصحة هذا التفسير كثيرة منها:
أولاً: ورود روايات لهذا الحديث تفسر الفطرة منها قوله صلى
الله عليه وسلم: (على هذه الملة) .
ثانياً : إن الصحابة فهموا من الحديث أن المراد بالفطرة :
الإسلام ، ولذلك سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عقب ذلك عن أطفال المشركين لوجود
ما يغير تلك الفطرة السليمة وإلا لما سألوا عنهم.
ثانياً:
أما استدلال هذه المرأة بقوله تعالى : ﴿ فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾. استدلال خاطئ وعدم فهم لمدلول الآية ومعناها .
وللأسف الشديد تجد كثير من الدعاة يستدلون بهذه الآية الكريمة في موضع حرية الاعتقاد
وهي بخلاف ذلك ، بل هي على سبيل التهديد وليس على سبيل الاختيار
قال ابن
كثير في تفسير
قوله تعالى : (فَمَنْ
شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) : هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال : (إِنَّا أَعْتَدْنَا ) أي : أرْصَدْنا لِلظَّالِمِينَ)
وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه (نَارًا أَحَاطَ
بِهِمْ سُرَادِقُهَا) أي : سُورها .
وقال البغوي: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ) هذا على طريق التهديد والوعيد.
ثم أين هؤلاء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون من قوله
تعالى : (إِن
تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ) الزمر : 7
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) فقال بعضهم: ذلك لخاص من
الناس ، ومعناه : إن تكفروا أيها المشركون بالله ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى
لعباده المؤمنين الذين أخلصهم لعبادته وطاعته الكفر
وقال آخرون : بل ذلك عام لجميع الناس ، ومعناه : أيها الناس إن تكفروا ، فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى
لكم أن تكفروا به.
هذا. والله أعلى وأعلم