(( إكذوبة تجديد الخطاب الديني ))
الحمد لله رب العالمين ناصر هذا الدين بحفظه وبسيد المرسلين وبالعلماء الربانين وبعبادة المخلصين وأصل وأسلم على سيد الخلق اجمعين صلا وسلاما إلى يوم الدين وعلى آل بيته وأصحابه ومن تبعهم أجمعين
أما بعـــــــــد
إن من أسباب كتابة هذا الموضوع هو كثرة اللغط والخوض فيه من كل حدب وصوب ومن يعلم ومن لايعلم ومن عرف ومن لا يعرف كأن هذا الدين يتيم لا أب له ولا أم ولا دار تحميه ، وقد عجبت من أناس انتسبوا إلى أهل العلم والدعاه زورا وبهتانا ففي إحدى القنوات الفضائية يناقش هذا الموضوع من ثلاث دعاه من ( النجوم ) ومن أصحاب ( رابطة العنق ) وجلسوا طول البرنامج يخضون فيما لا يعلمون وما أحد منهم يأصل في هذا الموضوع التأصيل الشرعى أو حتى يفهم الواقع الذي فرض هذا الموضوع وأظهره على الساحة فعزمت على أن أكتب فيه من أجل إظهار الحق وإبطال الباطل .
من الذي فرض هذا الموضوع ؟؟
إن الذي فرض هذا الموضوع كما سماه أهل العصر ( الأجندة الأمريكية ) وخاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وخلاصتها هي « مانشرته بعض الصحف العربية في ذي القعدة 1423هـ تقريراً يتحدث عن مشروع أمريكي يستهدف تطوير الخطاب الديني، والمشروع يعمل على: تقريب دور الدين الإسلامي في حياة العرب والمسلمين من دور الدين النصراني في حياة الغرب العلماني؛ أي: تحويل الإسلام عن وجهته في توجيهه للمسلمين وقيادتهم وفق تشريعاته إلى أن يكون قريباً من الدين النصراني... ويقترح المشروع أيضاًً تشكيل لجنة دينية عُليا من المسلمين والمسيحيين واليهود: تهدف إلى تبصير كل شعوب العالم بالتقاء وجهات النظر، والتقارب بين الديانات التوحيدية الثلاثة، ويقترح المشروع أيضاً أن تعقد هذه اللجنة أربعة اجتماعات سنوياً في القدس، ومكة، والمدينة، ومقر الفاتيكان».
وأقول لكل من ينهل بدلويه في هذا الموضوع ألا رجعت إلى التأصيل العلمي من الناحية اللغوية والإصطلاحية لكي تفهم وتُفهم الناس ما تقول ولا تكون كحاطب ليل ، مع العلم فكل ما تكلموا في هذا الموضوع يستند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ))..
أقوال أهل العلم في الحديث
وأهل العلم ذكروا في بيان المراد بالتجديد عدة أقوال متقاربة المعاني؛
فمن ذلك:
تعليم الناس دينهم، ومنه: تعليم الناس السنن، ونفي الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومنه: إظهار كل سنَّة وإماتة كل بدعة، ومنه: إظهار السنة وإخفاء البدعة، ومنه: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع المحدثات، ومنه: تبيين السنَّة من البدعة، وتكثير العلم وإعزاز أهله، وقمع البدعة وكسر أهلها، ومنه: إحياء السنن ونشرها ونصرها، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان، أو تصنيف الكتب والتدريس، وكل هذه الأقوال تدور على معنى حفظ الدين على النحو الذي بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس كما ذهب هؤلاء بتغير الخطاب الديني لعدم صلاحيته في هذا الزمان أو كما ذهب صاحب (رابطة العنق ) بتغير الديكور في الإستديو وان الداعية يلبس أرقى الموضلات العالمية من بنطال وقات ويرتب قصة شعره عند أفخم الصالونات. وإنا لله وإنا إليه راجعون
كيف يكون التجديد :
التجديد مطلوب بضوابطه الشرعية، منها أولا من هو الذي يقوم بالتجديد وماهي مواصفات المجدد التي أجملها في الآتي:
أ - أن يكــون مــن أهــل هـــذا الدين المؤمنين به على النحو الذي جاء به رســول الله صلى الله عليه وسلم.
ب - أن يكون من المتفقهين فيه المتمسكين به في أقوالهم وأفعالهم، لا يظهر منه تهاون فيه أو خروج عليه،أو تساهل وتفريط فيما دل عليه.
ت - أن يكون خبيراً بواقع الأمة عارفاً بعللها، وأن يكون محيطاً بالأحوال العالمية من حوله والتي لها علاقة بأمته؛ فإنه لا يتحرك في فضاء .
حدود التجديد المشروع وهو:
1 - نشر العلم بين الناس، وإظهار الشرائع التي خفيت في المجالات الشرعية المختلفة بفعل الجهل الذي خيّم على كثير من مجتمعات المسلمين، أو بفعل التأويل الفاسد الذي أضاع كثيراً من دلالات النصوص، ويكون التجديد في هذه الحالة: هو إظهار ما طُمِس، وإحياء ما اندرس.
2 - إزالة كل ما علق بالدين مما ليس منه من أخطاء، أو بدع، أو تصورات وقعت في سلوك بعض الناس، أو أقوالهم، أو عقائدهم، وردُّ الأمر إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إزالة ما زيد في الشريعة أو أضيف إليها.
3 - التمسك بما ورد في الشرع كله، والتقيد به والعمل على وَفْقِه، وعدم ترك جزء منه أو إهماله، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إعادة ما نُزِع أو نقص، ومن أهم تلك الأمور في عصرنا الحاضر إعادة التحاكم إلى الدين (الذي نُحِّيَ وأُبعد عن الغالبية العظمى من ديار المسلمين)؛ ليكون الحكم في شؤوننا كلها بما أنزل الله. ويدخل في هذه الدائرة أيضاً البحث في النصوص الشرعية وأدلة الشريعة الإجمالية، والقواعد الفقهية للتوصل إلى الأحكام الشرعية للنوازل والمستجدات..».
ثالثا : ماهو المقصود من التجديد وفوائدة :
إن يكون طريقاً إلى حفظ الدين على صورته النقية بعيداً عن البدع التي أُضيفت إليه، أو الأقوال الباطلة التي نُسبت إليه، كما أنه يؤدي إلى تآلف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الأمة؛ إذ لا مجال ولا مسوّغ للتفرق والاختلاف عند العودة إلى المنابع والأصـول». وهذه هي الضوابط الشرعية لهذا الموضوع
التجديد من الناحية التحريفية :
وهذا فيه اتجاهين للدعوه به :
الأول: وهو الذي ينادي بذلك على الوجه الذي تقدم في هذه الدراسة، وهؤلاء قلة، وصوتهم يكاد أن لا يُسمع من الصخب والجلبة التي يثيرها الفريق الآخر، وهؤلاء غالبيتهم من أهل الاختصاص في العلوم الشرعية: كبعض المفتين، ووزراء الأوقاف، وأساتذة العلوم الشرعية في الجامعات، وبعض الدعاة وطلبة العلم، وإن كان بعض هؤلاء لم يخلُ خطابهم وحديثهم من بعض الشوائب التي كدَّرت صَفْوَ كلامهم؛ وذلك بفعل الصياح الذي يكاد يصم الآذان من الفريق الآخر.
الثاني: وهو الذي ينادي بالتجديد، لكنه يفهم التجديد على أنه التغيير أو التطوير؛ أي تغيير الخطاب الديني: المحتوى والمضمون، وليس الطريقة أو الأسلوب؛ ليجاري التغيرات السريعة في واقع المجتمعات داخلياً، وفي العلاقات بين الدول خارجياً؛ بحيث تصير قضية الخطاب الديني: هي إقرار هذا الواقع وتسويغه وتسويقه،والتجاوب معه كلما تغير».
خطورة التجديد بمعنى التغير:
1- إخضاع الدين الذي هو وضع إلهي إلى عقل الإنسان وتفكيره؛ مما يجعل الدين عرضة للتغيير والتبديل المستمر، وهذا بدوره يؤدي مع مرور الزمن إلى ضياع الدين كليةً، كما حدث مع الذين من قبلنا اليهود والنصارى، حينما عمد الأحبار والرهبان إلى تغيير بعض الأحكام التي أنزلها الله في كتبهم بزعم المصلحة، وقد بين الله ذلك في كتابه؛ فقال مبيناً سوء صنيعهم وعاقبة فسادهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} التوبة: 31، قال ابو البختري: «انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراماً، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالاً» وعند ذلك يُدْرَس الإسلام، وتعود البشرية إلى الجاهلية مرة أخرى؛ فهذه دعوة تحريفية تسعى إلى خراب العالم وإفساده؛ بإبعاد البشرية عن هداية الله لهم فيما أوحاه إلى عبده ورسوله الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
2 - إفقاد الأمة الإسلامية أهم مصدر من مصادر عزها وقوتها، حتى تصير بعد ذلك أمة بلا هوية، وبلا تاريخ، وبلا ثقافة، وأخيراً بلا دين، وتصير بعد ذلك نهباً لكل طامع في خيرات بلادها.
3 - إفساح المجال بقوة أمام الحركات أو جمعيات التنصير التي تنشط في المجتمعات والأماكن التي تجهل حقيقة الإسلام.
4 - تحويل الأمة من أمة قائدة هادية للحق إلى أمة تابعة ذليلة ضالة.
5 - إماتة روح الجهاد في نفوس الأمة؛ مما يسهل اختراقها واحتلال بلاد المسلمين من قِبَل الصليبيين المتربصين، كما يساهم في تثبيت احتلال اليهود لفلسطين وسيطرتهم على بيت المقدس.
6 - العبث بحاضر الأمة ومستقبلها؛ مما يحوِّلها في النهاية إلى مجرد قطيع يسوقه راعي الصليب إلى حيث يشاء؛ فتنساق خاضعة مستسلمة حتى لو كان في ذلك هلاكها.
7 - إيجاد قطيعة مع سلف هذه الأمة، حتى إنك لو نظرت في أقوال المجددين العصريين وقارنتها بسلف هذه الأمة خُيِّل إليك أنهم يتحدثون عن شريعة غير الشريعة التي يتمسك بها السلف الصالح، ويتحدثون عنها».
وإذا بحثت عن من ينادون بالتجديد ( التغير) تجدهم مقلدون في بعض أفكارهم الموافقة لبعض أفكار العلمانية والفكرية المعاصره.
ولذلك إن احذر كل من يتكلم في هذا الموضوع أن يتقي الله ولا ينحل منحل المتفلسفة وأن يتكلم بكلام أهل العلم المعتبرين.
وكما احذر هذه الأمة بأن تفيق من غفلتها وتستيقظ من سكرتها وتعرف بما يخطط لها من أجل هدم دينها وأصولها وقيمها. اللهم بلغت اللهم فأشهد
وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 24/11/2010
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com