أنواع الفرق من الخوارج:
كبار الفرق منهم : المحكمة ـ والأزارقة ـ والنجدات ـ والبيهسية ـ والعجاردة ـ والإباضية ـ والصفدية ـ والباقون فروعهم.
1ـ المحكمةُ الأولى:
هؤلاء أولهم "ذوالخويصرة "وآخرهم "ذو الثدية" وهم الذين خرجوا على أمير المؤمنين "علي" رضي الله عنه حين جرى أمر المحكمين، واجتمعوا بحروراء من ناحية الكوفة، ورأسهم: عبد الله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبي، وعروة بن حدير، ويزيد بن عاصم المحاربي، حرقوص بن زهير البجلي المعروف "بذي الثدية". وكانوا يوم النهروان اثنى عشر ألف رجل أهل صلاة وصيام .
وفيهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (تحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم، وصوم أحدكم في جنب صيامهم، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم) رواه البخاري ومسلم. وهم أيضاً المارقة، الذين قال فيهم: (سيخرج من ضئضىء هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) رواه البخاري ومسلم.
بدعة المحكمة الأولى:
(أ)الإمامة: جواز أن تكون الإمامة في غير قريش، وكل من تصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور: كان إماماً، ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه ، وإن غير السيرة، وعدل عن الحق،وجب عزله أو قتله وهم أشد الناس قولاً بالقياس، وجوزوا: أن لا يكون في العالم إمام أصلاً، وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون: عبداً، أو حراً ، أو نبطياً، أو قرشياً
(ب)التحكيم: قالوا أخطأ "علي" إذ حكم الرجال، ولا حكم إلا لله. وقد كذبوا على "علي" لأنهم هم الذين حملوه على التحكيم، وأن تحكيم الرجال جائز، فإن القوم هم الحاكمون في هذه المسألة، وهم رجال، ولهذا قال "علي" رضي الله عنه :"كلمة حق أريد بها باطل". وقد يريدون بذلك التخطئة إلى التكفير، ولعنوا "على" رضي الله عنه.
2ـالأزارقة:
أصحاب "أبي راشد نافع بن الأزرق" الذين خرجوا مع نافع من البصرة إلى الأهواز، فغلبوا عليها، وعلى كروها، وما وراءها من بلدان: فارس وكرمان، في أيام عبد الله بن الزبير ، وقتلوا عمله بهذه النواحي.
بدعة الأزارقة:
بدع الأزارقة ثمانية : تكفير علياً وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم ، وتخليدهم في النار ــ تكفير القعدة عن القتال ـ إباحة قتل أطفال المخالفين والنسوان منهم ـ إسقاط الرجم عن الزاني ، إذ ليس في القرآن ذكره ، وحد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال ، ووجوبه على قاذف المحصنات من النساء ــ أطفال المشركين في النار مع آبائهم ــ أن التقية غير جائزة في قول ولا عمل ــ تجويز أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافراً قبل البعثة، والكبائر والصغائر: إذا كانت بمثابة عنده ، وهي كفر ، وفي الأمة من جوز الكبائر والصغائر على الأنبياء عليهم السلام ، فهي كفر ـــ اجتمعت الأزراقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة، خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار ، واستدلوا بكفر إبليس، وقالوا: ما ارتكب الإ كبيرة حيث أمر السجود لآدم عليه السلام فامتنع، وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى.
3ـالنجدات العاذرية:
أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، وكان من شأنه أنه خرج من اليمامة مع عسكره يريد اللحوق بالأزارقة ، فاستقبله أبو فديك، وعطية بن الأسود الحنفي في الطائفة الذين خالفوا نافع الأزرق ، فأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف: بتكفير القعدة عنه، وسائر الأحداث، والبدع، وبايعوا نجدة، وسموه أمير المؤمنين، ثم اختلفواعلى نجدة، فأكفره قوم منهم لأمور نقموها عليه. وإنما قيل للنجدات العاذرية، لأنهم عذروا بالجهالات في أحكام الفروع.
بدعة النجدات:
قالوا بأن الدين أمران:
(أ)معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله عليهم السلام، وتحريم دماءالمسلمين(يعنون موافقيهم)، والإقرار بما جاء من عند الله جملة. فهذا واجب على الجميع والجهل به لا يعذر فيه.
(ب)ما سوى ذلك فالناس معذورون فيه، إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام. قالوا: ومن جوزالعذاب على المجتهد المخطئ في الأحكام قبل قيام الحجة عليه، فهو كافر.
واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العهد والذمة وأموالهم ، في حال التقية، وحكم بالبراءة ممن حرمها. وقال: وأصحاب الحدود (من موافقيه) لعل الله تعالى يعفو عنهم، وإن عذبهم ففي غير النار، ثم يدخلهم الجنة، فلا تجوز البراءة عنهم. وقال من نظر نظرة أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة وأصر عليها،فهو مشرك، ومن زنى،وشرب الخمر، وسرق، غير مصر عليه فهو غير مشرك، وغلظ على الناس في حد الخمر تغليظاً شديداً.
والتقية جائزة في القول والعمل كله، وإن كان في قتل النفوس، وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن هم رأوا أن ذلك لا يتم بإمام يحملهم عليه ، فأقاموه جاز.
4ـالبيهسية:
هم أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر، وهو أحد بني سعد بن ضبيعة، وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد، فهرب إلى المدينة، فطلبه بها عثمان بن حيان المري، فظفر به وحبسه، وكان يسامره إلى أن ورد كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه فيم يقتله، ففعل به ذلك.
فرق البيهسية:
1ـخرج منهم قوم يقال لهم : "العونية" وهم فرقتان:
(أ)فرقة تقول: من رجع من دار الهجرة إلى القعود برئنا منه.
(ب)وفرقة تقول: بل نتولاهم، لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم.
والفرقتان اجتمعتا على أن الإمام إذا كفر كفرت الرعية: الغائب منهم والشاهد.
2ـوخرج من البيهسية صنف يقال لهم : "أصحاب التفسير" زعموا: أن من شهد من المسلمين شهادة، أخذ: بتفسيرها، وكيفيتها.
3ـوصنف يقال لهم: "أصحاب السؤال" قالوا: إن الرجل يكون مسلماً إذا شهد الشهادتين، وتبرأ وتولى، وآمن بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم فيسأل ما افترض الله عليه، ولا يضره أن لا يعلم حتى يبتلى به فيسال، وإن واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر. وقالوا أن أطفال المؤمنين مؤمنون، وأطفال الكافرين كافرون ، ووافقوا القدرية في القدر، وقالوا: إن الله تعالى فوض إلى العباد في فليس لله في أعمال العباد مشيئة، فبرئت منهم عامة البيهسية.
5ـالعجــاردة:
أصحاب عبد الكريم بن عجرد . وافق النجدات في بدعهم، وتفرد بقوله : وجوب البراءة عن الطفل حتى يدعى إلى الإسلام، ويجب دعاؤه إذا بلغ، وأطفال المشركين في النار مع آبائهم، ولا يرى المال فيئاً حتى يقتل صاحبه، وهم يتولون القعدة، إذا عرفوهم بالديانة، ويرون الهجرة فضيلة لا فريضة، ويكفرون بالكبائر، وينكرون كون سورة يوسف من القرآن، ويزعمون أنها قصة من القصص، وقالوا: ولا يجوز أن تكون قصة العشق في القرآن.
فرق العجــاردة:
(أ)الصلتية: أصحاب عثمان بن أبي الصلت، تفردوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم توليناه، وتبرأنا من أطفاله، حتى يدركون فيقبلوا الإسلام، وقالوا: ليس لأطفال المشركين والمسلمين ولاية، ولا عداوة، حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام ، فيقروا، أو ينكروا.
(ب)الميمونية: أصحاب ميمون بن خالد، كان من جملة العجاردة، إلا أنه تفرد عنهم، بإثبات القدر خيره وشره من العبد. وإثبات الفعل للعبد خلقا وإبداعاً. وإثبات الاستطاعة فبل الفعل . والقول بأن الله تعالى يريد الخير دون الشر، وليس له مشيئة في معاصي العباد . ويجوز نكاح بنات البنات، وبنات أولاد الإخوة والأخوات، وإن الله تعالى حرم نكاح البنات فقط، وإنكار سورة يوسف من القرآن ، ووجوب قتال السلطان وحده، ومن رضي بحكمه، فأما من أنكره فلا يجوز قتاله: إلا إذا أعان عليه . وأطفال المشركين في الجنة.
(ج)الحمزية: أصحاب حمزة بن أدرك. وافقوا الميمونية في القدر وفي سائر بدعها إلا في أطفال مخالفيهم والمشركين، فإنهم كلهم في النار.
(د)الخلفية: أصحاب الخارجي، وهم خوارج كرمان ومكران. خالفوا الحمزية في القول بالقدر، وأضافوا القدر خير وشره إلى الله تعالى، وسلكوا في ذلك مسلك أهل السنة، وقالوا: الحمزية ناقضوا، حيث قالوا: لو عذب الله العباد على أفعال قدرها عليهم، أو على ما لم يفعلوه كان ظلماً. وفضوا بأن أطفال المشركين في النار، ولا عمل لهم، ولا ترك. وهذا من أعجب ما يعتقد من التناقض!!!.
(هـ)الأطرافية: فرقة على مذهب حمزة في القول بالقدر، إلا أنهم عذروا أصحاب الأطراف في ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من طريق العقل, وأثبتوا واجبات عقلية، كما قالت القدرية.
(و) الشعبية: أصحاب شعيب بن محمد، وكان مع ميمون من جملة العجاردة، إلا أنه بريء منه، حيث أظهر القول بالقدر. قال شعيب: إن الله تعالى خالق أعمال العباد، والعبد: مكتسب لها: قدرة، وإرادة، مسؤول عنها خيراً وشراً مجازى عليها ثواباً وعقاباً، ولا يكون شيء في الوجود إلا بمشيئة الله تعالى. وهو على بدع الخوارج في الإمامة والوعيد، وعلى بدع العجاردة في حكم الأطفال وحكم القعدة والتولي والتبري.
(ز)الحازمية: أصحاب حازم بن علي ، أخذوا بقول شعيب
في أن الله تعالى خالق أعمال العباد، ولا يكون في سلطانه إلا ما يشاء . وقالوا
بالموافاة، وأن الله تعالى إنما يتولى العباد على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر
أمرهم من الإيمان، ويتبرأ منهم على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر أمرهم من
الكفر. وأنه سبحانه لم يزل محباً لأوليائه مبغضاً لأعدائه.
وللحديث بقية في السلسلة
إذا أرد الله لنا البقاء واللقاء
ولا تنسونا من صالح الدعاء