الشهــاب الخـارق على الخـــوارج ( 1 )


 

الحمد لله الذي سَلم ميزان العدل إلى أكف ذوي الألباب ، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب والعقاب ، وأنزل عليهم الكتب مبينة للخطأ والصواب ، وجعل الشرائع كاملة لا نقص فيها ولا عاب. أحمده حمد من يعلم أنه مُسَببُ الأسباب ، وأشهد بوحدانيته شهادة مخلص في نيته غير مرتاب.

وأشهد أن محمد عبده ورسوله ارسله ، وقد سدل الكفر على وجه الإيمان الحجاب ، فنسخ الظلام بنور الهدى وكشف النقاب ، وبين للناس ما أنزل إليهم ، وأوشح مشكلات الكتاب ، وتركهم على المحجة البيضاء ، لا سرب فيها ولا سراب . فصلى الله عليه وعلى جميع الآل وكل الأصحاب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والحساب . وسلم تسليما كثيراً

أما بعـــد

إن السبب للكتابة في هذا الموضوع ، هو ما خرج علينا في الآونة الأخيرة من فتاوى وأقوال من الذين نسبوا أنفسهم إلى أهل العلم زوراً وبهتاناً ، وركبوا موجة المصالح والنفاق للظهور على الفضائيات ،من أجل عرض قريب من مناصب زائلة ودنيا فانية ، فباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ، أوالتقرب إلى الخونة والمجرمين والسفاحين ، الذين قتلوا الأبرياء ، وحرقوا الجرح والأموات ، وفرقوا الأحياء بالرصاص الحي والغازات ، في مشهد لم نراه منذ عهد (هتلر النازي) . إن الذين تعمموا بالجهل والتصوف خرجوا علينا ، في فتاوى بقتل المسلمين السلميين العزل، على أنهم من الخوارج ، وهم فصيل وقفوا ضدد الظلم والطغيان ، وإحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ، فصنفوا بأنهم خوارج العصر وكلاب النار. فدماء هؤلاء في رقبة كل من تعاون عليهم وضددهم ولو بكلمة . ولذلك سوف أعرض في هذا الموضوع من هم الخوارج ، حتى نبين أفك وضلال وغي من أفتى بقتلهم، ويكون ذلك حجة عليهم يوم لقاء ربهم .

من هم الخوارج:

الخوارج: كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى" خارجياً " سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو كان بعدهم من التابعين بإحسان ، والأئمة في كل زمان ومكان .

زاد ابن حزم والشهرستاني حزم بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام عليّ أو شاركهم في آرائهم في أي زمن.

نشأة الخوارج:

اختلف علماء الفرق والمؤرخون في تحديد بدء نشأتهم، على ما يلي:

1ـ أنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

2ـ أنهم نشأوا في عهد عثمان رضي الله عنه.

أنهم نشأوا في عهد علي رضي الله عنه حين خرج عليه طلحة والزبير، كما يزعم بعض علماء الإباضية.

4ـ أو حين خرج الخوارج من المحكمة عن جيشه في عهد نافع بن الأزرق ابتداء من سنة 64هـ.

أما بالنسبة للقول الأول: فإن المقصود به ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من قيام ذي (عبد الله ذي الخويصرة التميمي) في إحدى الغزوات في وجه الرسول معترضاً على قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم للفيء، وأنه لم يعدل - حاشاه - في قسمتها.

فعن أبي سعيد قال: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمى فقال: اعدل يا رسول الله . فقال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن الخطاب دعني أضرب عنقه . قال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شىء، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل إحدى يديه - أو قال ثدييه - مثل ثدي المرأة - أو قال مثل البضعة - تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس ). رواه البخاري

قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه ، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي - صلى الله عليه وسلم.

ولكن : هناك فرق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما، وظهور الخوارج كفرقة لها آراء وتجمع قوي.

أن نشأتهم بدأت بانفصالهم عن جيش الإمام علي رضي الله عنه وخروجهم عليه، وهذا الرأي هو الذي عليه الكثرة الغالبة من العلماء إذ يعرفون الخوارج بأنهم هم الذين خرجوا على علي بعد التحكيم ، ومن هؤلاء الأشعري فقد أرخ للخوارج، وأقدم من أرخ لهم منهم هم الخارجون على الإمام علي وقال عنهم: " والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب .

أقسام الخروج:

أولا: من خرج لمنازعة في الملك، ولكنه خرج غضبا للدين، ومن أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة، مثل الحسين بن علي ، وأهل المدينة في وقعة الحرة، وزيد بن علي زين العابدين .

ثانيا: من خرج على ولي الأمر بتأويل سائغ يقره الكتاب والسنة، وهذا ما كان من أصحاب الجمل وصفين إذ خرجوا على علي رضي الله عنه لا معاندين مطالبين بالملك، بل لرأي رأوه واجتهاد صاروا إليه من طلب القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه .

ثالثا: من خرج لطلب الملك فقط، وكان القتال على الدنيا وهؤلاء هم البغاة حقا .وقد جاء الوعيد والذم لهذه الطائفة المفرقة للأمة السافكة لدماء المسلمين من أجل الدنيا والملك.

رابعا: من خرج على الإمام وعلى الجماعة المسلمة للدعاء إلى معتقدهم ، فخروج هؤلاء نابع من مخالفة لأصول في الشريعة الاعتقادية أو العلمية .

والقسم الرابع هذا الخارج للدعاء إلى معتقده هو الذي وردت فيه نصوص نبوية في ذمه، والأمر بقتاله لأن خطره عظيم على الأمة المسلمة وهو أخطر أقسام الخروج السابقة، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ، فإنهم بغاة على جميع المسلمين سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق؛ فإن أولئك مقصودهم المال، فلو أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرضون لبعض الناس، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن...

وهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم ولا اليهود ولا النصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة" .

أسماء الخوارج:

1ـ المحكمة : هي من أول أسمائهم التي أطلقت عليهم، وقيل: إن السبب في إطلاقها عليهم إما لرفضهم تحكيم الحكمين، وإما لتردادهم كلمة (لا حكم إلا لله) وهو الراجح، وهي كلمة حق أريد بها باطل، ولا مانع أن يطلق عليهم لكل ذلك، غير أن السبب الأول ينبغي فيه معرفة أن الخوارج هم الذين فرضوه أولاً.

2ـ الخوارج : وهو أشهر أسمائهم، هم يقبلونه باعتبار وينفونه باعتبار آخر، يقبلونه على أساس أنه مأخوذ من قول الله عز وجل: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) سورة النساء: 100. وهذه تسمية مدح.

وينفونه إذا أريد به أنهم خارجون عن الدين أو عن الجماعة أو عن علي رضي الله عنه؛ لأنهم يزعمون أن خروجهم على علي رضي الله عنه كان أمراً مشروعاً بل هو الخارج عليهم في نظرهم

3ـ المارقة: وأما (هذه) التسمية فهي من خصوم الخوارج، لتنطبق عليهم أحاديث المروق الواردة في (الصحيحين) في مروقهم من الدين كمروق السهم من الرمية.

فعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان ، حداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة) راه البخاري ومسلم

4ـالحرورية: نسبة إلى المكان الذي خرج فيه أسلافهم عن علي، وهو قرب الكوفة ، بالعراق .فعن معاذة بنت عبد الله قالت : (سألت امرأة عائشة رضي الله عنها ، فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت ؟ فقلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل . فقالت :كان يصيبنا ذلك ، فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) رواه النسائي

وعن أبى سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبا سعيد الخدرى فسألاه عن الحرورية أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم . قال: لا أدري ما الحرورية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم - أو حناجرهم - يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه ، فيتمارى في الفوقة ، هل علق بها من الدم شيء)رواه البخاري

5ـ الشراة: نسبة إلى الشراء الذي ذكره الله بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )التوبة:111

وهم يفتخرون بهذه التسمية ويسمون من عداهم بذوي الجعائل: أي يقاتلون من أجل الجُعْل الذي بذل لهم. ويقول الأشعري في سبب تسميتهم بالشراة: والذي له سموا شراةً: قولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة

6- النواصب: وأما تسميتهم بالنواصب فلمبالغتهم في نصب العداء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

7- أهل النهروان: نسبة إلى المكان الذي قاتلهم فيه علي وهم الحرورية المحكمة

8- المكفِّرة: لأنهم يكفرون بالكبائر ويكفّرون من خالفهم من المسلمين، وهذا وصفٌ لكل من نهج هذا النهج في كل زمان.

9- السبئية: لأن منشأهم من الفتنة التي أوقدها ابن سبأ اليهودي، وهذا وصف لأصول الخوارج الأولين ورؤوسهم.

10- الشكاكية: وذلك أنهم لما رفضوا التحكيم، قالوا لعلي: شككت في أمرك وحكمت عدوك من نفسك، فسموا بذلك الشكاكية .

تلك أسماء الخوارج وألقابهم وهم يحبون هذه الأسماء كلها ولا ينكرون غير اسم واحد وهو تسميتهم بالمارقة، فإنهم لا يرضون به لأنهم يعتبرون أنفسهم على الهدى والحق وأما من عداهم فإنهم ظالمون أهل جورٍ وكفر. قال الأشعري: وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

وللحديث بقية في السلسلة

إذا أرد الله لنا البقاء واللقاء

ولا تنسونا من صالح الدعاء

 



كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 29/08/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com