أخطاء 11 سبتمبر بين أمريكا والقاعدة


في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2001، لا يزال المحللون الإستراتيجيون منهم والعسكريون يرون أن ثمة أخطاء فادحة اقترفتها الولايات المتحدة في التعاطي مع ما وقع فوق الأراضي الأمريكية وخارجها سواء قبل 11 سبتمبر أو في أعقابه.

ويقول المحلل الأمني "بروس ريدل"-  زميل مركز سابان التابع لمعهد  بروكينجز البحثي الأمريكي -: إن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء تكتيكية وإستراتيجية وجغرافية، وإن المرحلة الراهنة تقدم لها فرصة سانحة لتصحيح بعض أخطائها.

وتحت عنوان "كيف مكنت الولايات المتحدة القاعدة؟"، نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية تحليلاً أمنيًّا لريدل - الذي عمل لفترة طويلة كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية - جاء فيه:

لقد كانت هذه هي الحرب التي يجب أن تنتهي منذ سنوات. لقد كشفت هجمات الحادي عشر من سبتمبر عن عدو ذكي لا يرحم؛ عدو يتطلب تركيزًا لا يلين وأشخاصًا أذكياء. ولكننا، بدلاً عن ذلك، قمنا بارتكاب أخطاء كبرى.

أخطاء وعثرات أمريكية

بعض تلك الأخطاء كان من الناحية التكتيكية، مثل إخفاق وكالة الاستخبارات المركزية في  دق ناقوس الخطر بشأن النشطاء الاثنين اللذين ينتميان لتنظيم القاعدة واللذين أقاما في الولايات المتحدة قبيل الهجمات. ولأسباب لا تزال غامضة، فإنهما لم يخضعا لاهتمام جدي حتى ارتطمت الطائرات في برجي مركز التجارة العالمي والبنتاجون.

وهناك أخطاء أخرى كانت أخطاء إستراتيجية؛ وكان أكبرها تجاهل تنظيم القاعدة في باكستان والمضي بدلاً عن ذلك في غزو العراق؛ والتي لم تكن تمثل أي تهديد جدي في هذه المرحلة. ولم تقدر إدارة بوش صلابة "أسامة بن لادن" حق قدرها، ووضعت ثقتها في قادة باكستان العسكريين ووجهت اهتمامها في اتجاه المعركة الخاطئة.

لكن ابن لادن أدرك زلتنا في وقت مبكر وأعد فخًّا لنا في العراق داعيًا العناصر الجهادية للسفر إلى هذه الجبهة حتى قبل الغزو.

ولقد كانت الثقة في خوض "برفيز مشرف" - الرئيس الباكستاني آنذاك - القتال إلى جانبنا ضد كلٍّ من ابن لادن وحركة "طالبان" إخفاق إستراتيجي آخر. فقد تبين أن "رجلنا" في إسلام آباد ساعد في جمع "طالبان" لصفوفها في الوقت الذي كان فيه ابن لادن يختبئ في فناء منزله ويعيش على مرأى من الأكاديمية العسكرية الأهم في باكستان. وعندما تعثر مشرف ظللنا نسعى من أجل مساندته. ولكن أخفقت محاولتنا البائسة لإبقاء الديكتاتور في السلطة، وزادت من نفور الشعب الباكستاني، وانتهت على نحو مأساوي باغتيال القاعدة لرئيسة الوزراء السابقة وأمل باكستان "بنظير بوتو".

أخطاء القاعدة

غير أن تنظيم القاعدة كذلك قد ساهم بنصيب من الأخطاء؛ إذ إن افتقار التنظيم إلى الرؤية هو زلة قائمة. فمن خلال تقديمه فقط لأعمال العنف والموت؛ فإنه منع المسلمين مما يتوقون إليه من أشياء، مثل الديموقراطية والتوصل إلى تسوية سلمية عادلة للشعب الفلسطيني. كما أن التنظيم بقتله الآلاف من إخوانه المسلمين وتفجير المدنيين في شوارع وأسواق العراق والأردن والمملكة العربية السعودية قد صرف مناصريه بإغراقهم في حمامات الدم.

أما الآن، فإن موت ابن لادن والثورات التي تجتاح الشرق الأوسط  يقدمان للولايات المتحدة فرصةً لتصحيح أخطائها. ويتعين علينا في دول مثل تونس ومصر وليبيا؛ والتي أطاحت أخيرًا بحكام مستبدين، أن نساعد المواطنين في بناء حكومات تخضع للمساءلة وليس دولاً بوليسية جديدة. فتخفيف أعباء الديون والحواجز التجارية سوف تساعد هذه الديموقراطيات الناشئة على تحقيق المساواة. في الوقت نفسه، ينبغي علينا في المناطق التي لا يزال يكافح الناس فيها ضد القمع (ويتبادر إلى الذهن اليمن وسوريا) أن نساند المعارضة لتولي السلطة واستعادة القانون والنظام. وأخيرًا،  نحن في حاجة ماسة إلى رؤية أمريكية لعملية السلام الفلسطينية "الإسرائيلية"- وليس مصادرة أحلام الفلسطينيين فحسب. وإلا فإننا نخاطر بأن ينسف الجهاديون معاهدات السلام المصرية والأردنية مع "إسرائيل". وسيكون اندلاع حرب (عربية - "إسرائيلية") أخرى هو تحقيق للقصة الخيالية الأكثر حماسًا التي رعاها زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري".

ولا تزال باكستان هي بؤرة الجهاد العالمي. وفي الوقت الذي تمارس فيه الطائرات الأمريكية التي تعمل بلا طيار الضغط على العناصر المتشددة، فإنها تتسبب أيضًا في عزلة المدنيين وخلق جيل جديد من المتشددين. إن الطائرات وحدها لن تنتصر في الحرب. وما يتعين  علينا فعله هو مساندة هؤلاء الباكستانيين الذين يقاتلون ويموتون في هذه المعركة المتواصلة، كأمثال "سلمان تاسير"، حاكم إقليم البنجاب، الذي حارب "التطرف" بشجاعة قبل أن يتعرض للاغتيال في وقت سابق هذا العام على يد حارسه الخاص. وقد تم اختطاف نجله في السادس والعشرين من شهر أغسطس.

إن عدونا لا يزال مروعًا والمهمة ليست سهلةً. ولكن هذه المرة يتعين علينا أن ننجح في ذلك لنتفادى إهدار عقد آخر من الزمان في خوض القتال.

---------------------------------*بروس ريدل" زميل بارز بمركز سابان التابع لمعهد  بروكينجز البحثي الأمريكي، وكان قد عمل لفترة طويلة كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

 





كاتب المقالة : بروس ريدل*/ مجلة نيوزويك ترجمة/ شيماء نعمان
تاريخ النشر : 15/09/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com