النظام السوري يفتش في دفاتره القديمة .. لبنان


بعد ثلاثة أشهر من قيام الثورة في سورية، بدأ نظام الرئيس السوري يترنح، ما دفعه للزج بالجيش السوري في معركته ضد الشارع السوري الذي يضخ كل يوم جمعة أفواجا متزايدة. كما تحركت شوارع أخرى في بلدات وقرى كانت قبل ذلك ساكنة.

دخول الجيش المعركة في مواجهة الشعب السوري لعبة خطرة أدت إلى انشقاق ضباط وجنود عن الجيش كما أدت إلى رفض وحدات من الجيش تنفيذ أوامر إطلاق الرصاص على المواطنين الذين يتظاهرون ما أدى إلى إعدام أكثر من 120 ضابطا وجنديا في جسر الشغور واتهمت عصابات بقتلهم.

المراقبون السياسيون ضربوا مثلا على مأزق النظام السياسي، بأن الرئيس بشار أسد رفض الرد على مكالمة هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة "بان كيمون" يوم الجمعة 10 حزيران الجاري وقيل بأنه غير موجود في مكتبه، بينما يجد الرئيس السوري الوقت الكافي ليستقبل "وليد جنبلاط"، فيسر في أذنه بكلمة "السر" التي نقلها إلى "نجيب ميقاتي" الذي فاجأ اللبنانيين بإعلان تشكيلة حكومته اللبنانية يوم الاثنين 13 حزيران الجاري. وقد بادر الرئيس السوري بالاتصال فورا بالرئيس اللبناني مهنئا بتشكيل الحكومة.

الورقة اللبنانية كانت دائما أهم ورقة يلعب بها النظام السوري إقليميا ودوليا على مدار ثلاثة عقود اعتبارا من كانون الثاني عام 1976، يوم دخل الجيش السوري لبنان بموافقة أمريكية حماية للمسيحيين من قوات "ياسرعرفات".

كما كانت الورقة اللبنانية هي التي عصفت بالنظام وكادت تطيح به، ما دفعه للخروج من لبنان في 26 نيسان 2005 بعد اغتيال رئيس الحكومة "رفيق الحريري" في شباط عام 2005، وقد اتهمته واشنطن بالضلوع بهذا الاغتيال.

ما أصبح معروفا أن الرئيس السوري سعى جاهدا لإعادة الحيوية لعلاقة دمشق مع واشنطن، بعد أن سحبت هذه سفيرها من دمشق عام 2005عقب اغتيال الحريري.

وبدلا من أن تكون واشنطن وسيطا بين النظام السوري وإسرائيل، فقد سعى الرئيس السوري إلى إعادة العلاقة مع واشنطن، فأرسل "إبراهيم سليمان" الأمريكي من أصل سوري لفتح علاقة مع إسرائيل، كان الغاية منها إرضاء واشنطن كي تعيد سفيرها إلى دمشق.

كما دخل الزعيم التركي "رجب طيب أردوغان" وسيطا لإقامة سلام بين سورية وإسرائيل. وقد أراد الرئيس السوري بهذه الوساطة بث الروح في العلاقة مع واشنطن التي كانت وطيدة على مدى ثلاثة عقود وقطعتها واشنطن في عام 2005. لكن أحداث غزة أوقفت الوساطة التركية، لتعود مساعي إعادة العلاقة بين واشنطن ودمشق إلى المربع الأول.

ومع تصعيد النظام في دمشق للقمع ضد المتظاهرين السوريين، حيث زاد عدد الشهداء على ألف شهيد، ثم دخول الجيش السوري لاعبا أساسيا في المعركة بين النظام والشعب السوري، مبتدئا بمدينة جسر الشغور ما تسبب بنزوح آلاف السوريين إلى تركيا، ثم محاصرة الدبابات معرة النعمان على الطريق بين دمشق وحلب وتوجه أرتال أخرى من الدبابات إلى البوكمال على الحدود مع العراق.

كل ذلك دفع السفير الأمريكي في دمشق "روبرت ستيفن فورد" إلى محاولة الاتصال مرارا بالخارجية السورية لإبلاغها قلق واشنطن من ضخامة القمع السوري ضد المتظاهرين، لكن "فورد" فشل في أن يجد أحدا على الطرف السوري يرد عليه.

مصادر قريبة من السفارة الأمريكية بدمشق قالت إن الجفاء التام يخيم على علاقات واشنطن بدمشق، وإن الرئيس السوري بشار الأسد يرفض الرد على اتصالات هاتفية ترِد إلى القصر الرئاسي من مسئولين أمريكيين من البيت الأبيض أو من أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي.

وذهبت المصادر إلى القول بأن المتصلين من واشنطن ومنذ أيام عديدة يسمعون رداً مفاده أنه لا يمكن الحديث مع الأسد حالياً، علما أن الرئيس السوري كثيرا ما استقبل أعضاء من الكونغرس الأمريكي خلال فترة الجفاء بين واشنطن ودمشق بعد اغتيال "رفيق الحريري" في شباط عام 2005م.

فما عدا مما بدا" أن القصر الرئاسي السوري، بعد أن كان يغص بالزائرين من الكونغرس الأمريكي قبل عودة السفير الأمريكي أواخر عام 2010 إلى دمشق بإلحاح من دمشق، لنجد إعراضا من دمشق عن تلقي الاتصالات من واشنطن؟ فإذا قرنّا هذا الإعراض مع الخطوة الفجائية التي اتخذها الرئيس السوري بالإفراج عن تشكيل حكومة "نجيب ميقاتي" بعد تعطيل على مدى خمسة شهور من تاريخ التكليف، نجد أنفسنا في مواجهة أسئلة كثيرة يجب البحث عن أجوبة لها.

يقول مراقبون لبنانيون، إن تأخير إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة "ميقاتي"، وهي لن تضم أصلا إلا وزراء من قوى 8 آذار، بعد أن رفضت قوى 14 آذار المشاركة فيها، لم يكن له من مبرر إلا انتظار الإشارة من دمشق.

ويقول هؤلاء أيضا إن الرئيس السوري خلال هذه المدة كان ينتظر أن تساومه واشنطن حول تشكيل الحكومة، وعندها سيقدم لها شروطه مقابل تنفيذ رغباتها في شكل الحكومة وبيانها الوزاري.

ما حصل أن واشنطن، وبدلا من أن تساوم دمشق حول تشكيل حكومة "ميقاتي"، فإنها زادت الضغط على الرئيس السوري، وأصرت على "اللازمة" التي أعلنها الرئيس "باراك أوباما"، ورددتها وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" عدة مرات وفي كل مناسبة: "إن على الرئيس السوري أن يقود الإصلاح، أو أن يرحل". وهو لا يريد الرحيل ولا الإصلاح.

لا يعني هذا أن إدارة "أوباما" تريد رحيل الرئيس السوري عن الحكم، بقدر ما يعني أن عليه أن يغير من شكل النظام تغييرا جوهريا بحيث لا تبقى تركيبة النظام الحالية متحكمة لوحدها في القرار.

وبكلمة أوضح، فإن الإدارة الأمريكية تريد أن تنهي الابتزاز الذي يقوم به النظام السوري من خلال إمساكه بالورقة اللبنانية وبالورقة الفلسطينية.

بل إنها تريد أن يحصل في سورية ما حدث في تونس ومصر، ما يعني أنها لم تعد خائفة من وصول الإسلاميين إلى الحكم في دمشق، كما كان يلوّح بذلك النظام السوري.

حتى تكون قراءة مجموعة الأحداث المستجدة على الساحة الإقليمية قراءة صحيحة، ينبغي أن ننظر إليها في وقت واحد.

فعودة الزعيم التركي "رجب طيب أردوعان" إلى حكم تركيا بقوة، يعني أن الرئيس السوري فشل في تحريض العلويين في تركيا على إسقاط "أردوعان" أو إضعافه.

وانشقاق ضباط في الجيش السوري ضد النظام ينذر بتوسع هذه الظاهرة، وربما يؤدي إلى انشقاق وحدات عسكرية بأكملها.

وتوسع المظاهرات في المدن السورية واكتسابها مواقع جديدة في سورية، قد يؤدي بحلب إلى ساحات التظاهر.

وتأجيل إعلان تشكيل حكومة نجيب ميقاتي لم يؤد إلى أن تجلس واشنطن على طاولة المساومة مع النظام السوري.

إذن! لماذا لا يستخدم النظام ورقته الرابحة وهي العودة إلى الساحة اللبنانية بقوة، فيتم تشكيل حكومة يهيمن عليها النظام بشكل كامل؟ بعض اللبنانيين يؤكد أن هذه الحركة لم تعط النظام السوري شيئا، لأنه كان يهيمن على القرار اللبناني منذ الانقلاب على حكومة الحريري.

يبقى الحكم على مدى نجاح استخدام الورقة اللبنانية هذه مرهونا بردود أفعال جميع اللاعبين على الساحة السورية والدولية، وليس على الساحة اللبنانية فحسب... علينا إذن أن ننتظر، وسنرى!



كاتب المقالة : منقول
تاريخ النشر : 20/06/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com