آفاق حل الصراع في ليبيا


نشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا في السادس من يونيو الجاري عن الوضع في ليبيا، قالت فيه أنه كلما طال أمد الصراع العسكري هناك كلما ضعفت الأهداف المعلنة للثوار ولحلف شمال الأطلنطي في حماية  المدنيين، وكلما قوي فيه موقف القذافي وقواته، وأن إطالة أمد الصراع ليس في مصلحة المعارضة؛ حيث إن الإصرار على رحيل القذافي فورًا سيجعله أكثر شراسة ودموية وتشبثًا بمنصبه حتى آخر ليبي، وأن ذلك من شأنه أن يؤجل حل الصراع إلى عدة أسابيع وربما أشهر، وذلك في مصلحة القذافي المتحصن داخل قصوره، في حين أن ذلك يمثل مزيدًا من الضغوط على قوات حلف شمال الأطلنطي.

ويشير التقرير إلى أن الأزمة الليبية معقدة للغاية، ولكن تدخل منظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو) بتفويض من قرار أممي بالتدخل في ليبيا استطاع أن يحمي القوات المعارضة للقذافي من الهزيمة السريعة في بداية الأزمة أمام قوات القذافي، ولكن بالرغم من ذلك فإن تدخل الناتو لم يؤد حتى الآن إلى حل الصراع في البلاد. وبالرغم من أن الأهداف المعلنة لتدخل الناتو كان لحماية المدنيين، إلا أن المدنيين كانوا هم القطاع الأكبر من الضحايا لتلك الحرب، سواء كقتلى وجرحى أو كلاجئين، في حين أن الدول الغربية التي أيدت تدخل الناتو لم تخف هدفها الآخر، ألا وهو تغيير النظام في ليبيا. فالبلاد الآن مقسمة فعليً بين المعارضة وقوات القذافي في الشرق والغرب، وكلا الشطرين أصبح له طابع سياسي واجتماعي واقتصادي مختلف تمامًا، وكنتيجة لذلك الوضع الصعب فمن غير المحتمل أن تستطيع القوى الموالية للتغيير في الشرق من التعبير عن نفسها بصورة حاسمة وأن تفرض رؤاها السياسية.

وفي الوقت ذاته فإن تلك الحملة العسكرية المطولة للناتو وحالة عدم الاستقرار الجارية في ليبيا تمثل تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا على جيران ليبيا، فبالإضافة إلى أن تلك الأزمة أطلقت موجات متواصلة من اللاجئين الفارين من الوضع في ليبيا، فهناك مخاطر كبيرة بحسب التقرير من اختراق عناصر من القاعدة في المغرب الإسلامي التي تنشط شبكاتها في الجزائر ومالي والنيجر، للأوضاع في ليبيا وفرض أجندتها، وكل تلك الظروف بالإضافة إلى وجود المعاناة الكبيرة بين شطري ليبيا، فإن ذلك الوضع سيمثل تحديًا كبيرًا لأي حكومة لما بعد القذافي في البلاد.

فيقول هيو روبرتس، مدير مشروع مجموعة الأزمات الدولية لشمال أفريقيا: "إن الإصرار على أن يغادر القذافي البلاد وأن يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية يعني عملياً ضمان بقائه في ليبيا حتى آخر رمق؛ وذلك يجعل وقف إطلاق النار ضرباً من المستحيل ويزيد من احتمال استمرار الصراع المسلّح"، فعلى عكس الأحداث في تونس ومصر المجاورتين لليبيا، تحولت المواجهة التي بدأت في منتصف فبراير من حركة احتجاج شعبية ضد نظام القذافي إلى حرب أهلية في مرحلة مبكرة جداً.  ويعزى هذا بشكل كبير إلى تاريخ البلاد، خصوصاً الطابع المنفرد بذاته للنظام السياسي الذي أقامه العقيد القذافي ورفاقه في سبعينيات القرن المنصرم.  في حين كانت مصر وتونس دولتان راسختان قبل تسلم الرئيسين مبارك وزين العابدين بن علي مقاليد السلطة في عامي 1981 و 1987 على التوالي، وكان في كلا الحالتين للدولة وجود مستقل عن حكمهما الشخصيين، وتمكنت الدولة من الاستمرار بعد رحيلهما، فإن العكس كان صحيحاً في الحالة الليبية.  ونتيجة لذلك، اتخذ النزاع طابع الصراع العنيف على الحياة أو الموت.

ويشير التقرير إلى إن تحقيق إنجاز سياسي يمثّل أفضل السبل للخروج من هذا الوضع المكلف ماديًا وبشريًا الذي سببه المأزق العسكري. ويتطلب هذا وقفاً لإطلاق النار بين النظام والمجلس الوطني الانتقالي المؤقت، ونشر قوة لحفظ السلام لمراقبة وضمان هذا الأمر وبتفويض من الأمم المتحدة،  والشروع بمفاوضات جدية بين النظام وممثلي المعارضة للتوصل إلى اتفاق على الانتقال السلمي إلى نظام سياسي جديد أكثر شرعية.  وينبغي على قوات حلف شمال الأطلسي والدول الداعمة لأعمالها العسكرية أن تيسّر هذا التطور، لا أن تعيقه.

ويختتم التقرير بأن الصراع الحالي في ليبيا يمثل عذابًا مضنيًا للجماهيرية، وأن مسار تحول ذلك الصراع سيعتمد بصورة كبيرة على كيفية وتوقيت رحيل القذافي، وهذا بدوره يعتمد على كيفية وتوقيت انحسار الصراع المسلح ليخلي الطريق أمام مفاوضات سياسية تسمح للاعبين السياسيين الليبيين، بما في ذلك الرأي العام الليبي ككل، من أن يخاطب المشكلات الاساسية المتعلقة بتعريف المبادئ الدستورية لدولة ما بعد القذافي، وموافقة الأطراف على شكل المرحلة الانتقالية، ويقول التقرير أن على المجتمع الدولي مسئولية التحكم في مسار الأحداث، فبدلاً من الاستمرار في الآلية الحالية بتداعياتها الخطيرة والفوضوية، يجب أن يتحرك المجتمع الدولي الآن لتسهيل عملية المفاوضات بين الطرفين من أجل إنهاء تلك الحرب الأهلية ومن أجل بداية جديدة للحياة السياسية في البلاد.

ويقدم التقرير عدة نقاط من أجل الوصول إلى تسوية للأوضاع في ليبيا، منها الخطوات التالية:

1.   وساطة أطراف ثالثة يثق بها الطرفان، ويمكن بتقديم اقتراحات مشتركة من الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.

2. إعلان وقف لإطلاق النار من مرحلتين، المرحلة الأولى تكون عبارة عن هدنة متبادلة بين النظام والمجلس الوطني الانتقالي للموافقة على قضايا مثل مواضع خطوط السلام، نشر قوات حفظ السلام وتقديم المساعدات الإنسانية، والمرحلةالثانية تكون عبارة عن إعلان متبادل من وقف القتال وإعلان بدء محادثات بشأن شكل الفترة الانتقالية نحو دولة ليبية جديدة.

3.   ضمان أن وقف إطلاق النار لن يؤدي فقط إلى وقف القتال، ولكن يؤدي مباشرة إلى مفاوضات سياسية بين الجانبين.

4. التوضيح بجلاء الفرق بين رحيل القذافي، بمعنى تخليه عن أي دور أو سلطة سياسية كعنصر أساسي من الصفقة السياسية بين الجانبين، وبين رحيله "فورًا" كشرط أساسي قبل أي شيء آخر.

5. التوضيح من البداية أنه لا يجب على القذافي أو على أي من أولاده أن يتطلعوا إلىأي منصب أو سلطة سياسية سواء في حكومة ما بعد جماهيرية القذافي أو في الإدارة الانتقالية التي سيتم وضعها في فترة المرحلة الانتقالية.

6. التوضيح بجلاء أن كافة الليبيين، بما في ذلك الذين خدموا وعملوا حتى الآن في نظام القذافي، سوف يتمتعون بحقوق مدنية متساوية، بما في ذلك الحق في التمثيل السياسي في دولة ما بعد الجماهيرية.

7.   تقديم بديل للقذافي عن محاكمته أمام محكمة جرائم الحرب الدولية.

8. التوضيح بجلاء أن أي دولة ما بعد جماهيرية القذافي يجب أن تتمتع بمؤسسات حقيقية وفاعلة وأن يحكمها القانون وأن تضمن بوضوح حق التمثيل السياسي لكافة المواطنين، وهو ما يعني ضمنًا وجود تعددية سياسية حقيقية.



كاتب المقالة : محمد سليمان الزواوي
تاريخ النشر : 12/06/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com