البعد القبلي للثورة اليمنية


تمثل اليمن حالة خاصة في فورة الثورات العربية في المنطقة، وذلك للبعد القبلي الواضح للاحتجاجات الحالية على حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وكذلك لأهمية اليمن في الصراعات الدولية باعتبارها تقع في موقع استراتيجي على خليج عدن وعلى البحر الأحمر وتتحكم في باب المندب، وكذلك تأوي الكثير من الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين، وكلها أسباب تجعل الثورة اليمنية ذات أبعاد مختلفة محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وتهدف الدول الكبرى إلى تهدئة الصراع في اليمن بأي وسيلة كانت؛ وذلك لأن وجود دولة فاشلة في الجزيرة العربية من شأنه أن يعقد الأوضاع وسيكون له تداعيات على كافة دول المنطقة بل وعلى مسارات نقل النفط وعلى حركة التجارة والملاحة بصورة عامة، ومن هنا تنبع أهمية اليمن كونها حجر زاوية للعديد من المشكلات في المنطقة ولها أبعاد قبلية ومذهبية وسياسية وأمنية متعددة الطبقات.

وعن الأوضاع في اليمن نشرت مجموعة الأزمات الدولية في 27 مايو 2011 تقريرًا عن الحالة اليمنية تقول فيه أن الأوضاع في اليمن تتجه إلى التأزم مع فشل المفاوضات السياسية بين الحكومة والمعارضة، وما تلاه في الثالث والعشرين من مايو من اندلاع المواجهات بين القوات العسكرية بقيادة ابن علي عبد الله صالح وابن أخيه من جهة، وبين الشيخ صادق الأحمر شيخ قبيلة حاشد، لذا يشير التقرير إلى أنه ومن أجل تجنب المزيد من حمامات الدماء بين الجانبين يجب قبول وساطة بعض الساسة اليمنيين ورؤساء القبائل لوقف إطلاق النار العاجل بين الجانبين.

فيشير التقرير إلى وجود عداوة شخصية وتنافس بين أبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ـ الشيخ صادق الأحمر وأخوته التسعة ـ وبين أبناء وأبناء أخي علي عبد الله صالح، وهو ما يعتبر عقبة كؤود أمام المفاوضات والتوصل إلى حل وانتقال سلمي للسلطة، فتلك العداوة بين الجانبين تهدد بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية شاملة، فالقتال تمركز بصورة أساسية بين هاتين المجموعتين ولكنه مرشح للتصاعد ولإدخال فصائل قبلية أخرى في ذلك الصراع، وكذلك بين أهم الأطراف اليمنية الأخرى مثل الفرقة المدرعة الأولى التي يسيطر عليها القائد العسكري القوي علي محسن الأحمر.

وفي خضم المفاوضات القبلية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، قامت القوات الأمنية التابعة للرئيس علي عبد الله صالح بإطلاق النار على منزل صادق، مما أدى إلى مصرع عدة شيوخ بارزين وجرحت عشرات آخرين من الأفراد، بما في ذلك أحد أقرب حلفاء الرئيس وأحد مفاوضيه المؤتمنين، وهو غالب غاميش، رئيس الأمن السياسي والتي تعمل كوكالة الاستخبارات اليمنية. ومنذ 23 مايو أدت المواجهات المسلحة بين الجانبين إلى مقتل مائة شخص، كما أن السكان المدنيين داخل العاصمة اليمنية صنعاء في مخاطر كبيرة، حيث يتصارع الفريقان في المناطق المأهولة المكتظة بالسكان، مما أدى إلى نزوح المئات خوفًا من غزو قبلي للمدينة من المناطق المجاورة.

 ويعتقد أن الشباب الحضري وناشطي المجتمع المدني، والذي أطلقوا تلك الموجة من التظاهرات ضد الحكومة والحركة الاحتجاجية برمتها، هم الذين سيكونون الخاسر الأكبر من تلك الأحداث، فسوف يتم تهميش اصواتهم ومطالبهم في ذلك الصراع والتنافس على السلطة بين تلك الأطراف القبلية النافذة وجيدة التسليح، وإذا ما تطور الصراع وتصاعد فإن جماعات من الشباب اليمني في الجنوب ربما ترى هذه المواجهة المتصاعدة في الشمال على أنها فرصة لتكوين دولتهم المنفصلة الخاصة بهم في الجنوب.

وإذا كان وقف إطلاق النار الفوري بين الجانبين هو الذي له الأولوية الأولى، فإن الخطوة التالية يجب أن تكون خفض حدود التوتر بين الجانبين، وذلك يمكن عمله عن طريق عملية انتقال سياسي يتم إدارتها بواسطة كل الأطراف، ويجب أن يقبل فيها الرئيس علي عبد الله صالح الانتقال السريع للسلطة لحكومة شاملة ومدنية وتمثل جميع الأطياف، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي تقترح أن يقوم الرئيس بنقل سلطاته إلى نائبه بعد شهر مقابل حصانة للرئيس وعدم محاكمته، وأن يتم تشكيل حكومة ائتلافية ترأسها أحزاب المعارضة، والتي تقوم بإجراء انتخابات رئاسية في غضون شهرين بعد استقالة الرئيس، وهذه المبادرة يمكن أن تعمل كأساس للانتقال السلمي للسلطة في اليمن.

ويقول التقرير أن تلك المبادرة يجب تعديلها سريعًا لمواكبة التطورات السياسية الجديدة، والحاجة إلى وجود عملية انتقال سلمي للسلطة شاملة، ويجب أن تشتمل على الآتي:

·       تقليل فترة الشهر لنقل الرئيس صالح لسلطاته إلى نائبه.

·   الوصف المفصل لمهام كل حزب في تلك الفترة الانتقالية والمهام المطلوبة لتنفيذ الجدول الزمني ومراقبة آليات الانتقال السلمي لضمان نجاحه.

·   توسيع المشاركة في الحكومة الانتقالية لتشمل الشباب وممثلي المجتمع المدني، والثوار الحوثيين في صعدة، وأعضاء من القيادة السابقة لليمن الجنوبي السابق الذين يعيشون حاليًا في المنفى بالإضافة إلى أعضاء الحراك الجنوبي الراغبة في تحقيق الإصلاح السياسي داخل اليمن الموحد.

·   توسيع مشاركة مجموعة أصدقاء اليمن، والتي تشتمل على أعضاء من مجلس التعاون الخليجي ومجموعة الثماني وممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وبتخصيص مساعدات اقتصادية من أجل التطبيق الناجح لمبادرة الانتقال السلمي للسلطة.

ويشير التقرير إلى أن التدخل مطلوب من أجل وقف انزلاق البلاد نحو الفوضى المسلحة، ولكن بالوضع في الاعتبار الطبيعة القبلية والشخصية للصراع بين قبيلتي صالح والأحمر، فإن الوساطة الدولية وحدها لن تكون مجدية، فالمصير السياسي لليمن سوف يتحدد بصورة أساسية عن طريق القوى السياسية والتغير في التحالفات داخل اليمن، لذا فإن المسئولية تقع الآن على عاتق الوسطاء المحليين من أجل تجنب التصعيد الخطير في العنف وذلك عبر اتفاقية وقف لإطلاق النار ثم بعد ذلك احتواء ذلك الصراع المسموم بين الأجيال الجديدة بين قبيلتي صالح والأحمر.

وإبعاد القبيلتين عن المشاركة في الفترة الانتقالية يمكن أن يكون الحل الأفضل، لأن ذلك سوف يقدم حوافز جديدة لصالح وعائلته بالتخلي عن السلطة، لأنهم يخشون من السيطرة الفورية لقبيلة الأحمر في أعقاب استقالة صالح، كما أن ذلك من شأنه إعطاء الشعب اليمني مساحة سياسية إضافية لعقد تحالفات جديدة خارج هاتين القبيلتين المهيمنتين على الحياة السياسية في البلاد، ولكن إذا تركت تلك الخصومة بين القبيلتين بدون معالجة فإن ذلك سوف يؤدي إلى إشعال مزيد من العنف ويستمر في تقويض طموحات الإصلاح السياسي الحقيقية لليمن.

 



كاتب المقالة : محمد سليمان الزواوي
تاريخ النشر : 31/05/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com