مـاذا قالــوا عـن شهـــر رجـــــب ؟؟



الحمد للَّه الذي بتحميده يُستفتح كل كتاب، وبذكره يصدر كل خطاب، وبحمده يتنعم أهل التنعيم في دار الجزاء والثواب، وباسمه يشفى كل داء، وبه يكشف كل غمة وبلاء، إليه ترفع الأيدي بالتضرع والدعاء، في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، وهو سامع لجميع الأصوات، بفنون الخطاب على اختلاف اللغات، والمجيب للمضطر الدعاء، فله الحمد على ما أولى وأسدى، وله الشكر على ما أنعم وأعطى، وأوضح الحجة وهدى.
وصلواته على صفيه ورسوله الذي به من الضلالة هدى، محمد وآله وأصحابه وإخوانه المرسلين والملائكة المقرّبين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعــــد
كتب الكثير من أهل العلم وعلى ما فيهم من حلم في البدع والعجب التي تقع في شهر رجب، ومع ذكرهم لتلك المُحدثات لم يتطرقوا إلى الفضل الكبير والحرمة والتعظيم لهذا الشهر الكريم، فعقدت العزم على الجمع بين السنة والبدعة في هذا الشهر، لعل الله يتقبل منا ويكتب لنا ولكم الأجر.
رجب شهر الله الحرام
إن الأشهر الحرم أربعة، وهي ( ذو الحجة، ذو القعدة، محرم، رجب ). وهذه الأشهر الحُرُم يوضع فيها القتال ـ إلا ردًّا للعدوان ـ وتُضاعف فيها الحسنةُ كما تُضاعف السيئةُ. وكانت الأشهر الحرم معظمة في شريعة إبراهيم عليه السلام واستمر ذلك باقياً، فكان العرب قبل الإسلام يعظمونها، ويحرمون القتال فيها . ثم بقيت لهذه الأشهر حرمتها في الإسلام ونُهي المسلمون عن انتهاكها.
قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ التوبة: 36
قال قتادة: في قول الله تعالى: (فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ) إن الظلم في الأشهر الحُرُم أعظم خطيئةٍ ووِزْرًا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء. وقال: " إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رُسلا ومن الناس رُسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجدَ، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهرَ الحرمَ، واصطفى من الأيام يومَ الجمعةِ، واصطفى من الليالي ليلةَ القدرِ فعَظِّموا ما عظَّم الله ".
وقال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال.
العبادة في الأشهر الحرم
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في استحباب وتخصيص الأشهر الحرم بالصيام ، وروي النهي عن تخصيص رجب بالصوم دون سائر الشهور، فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب، ولكن هذا لا يصح لضعف الرواية. وقد ورد عن بعض السلف مشروعية صيام الأشهر الحرم كلها، منهم الحسن البصري وأبو إسحاق السبيعي، وقال الثوري: "الأشهر الحرم أحب إلي أن أصوم فيها . وهذا لمن يصوم الدهر كما نص على ذلك أحمد رحمه الله.
من بدع شهر رجب:
لقد تعود الناس في هذا الشهر بتخصيصه ببعض الطقوس والعبادات عن سائر الشهور منها:
 تخصيصه بصيام:
ليس هناك حديث صحيح يُحتج به لتخصيص رجب بصيامه إلا أن تكون عادة العبد صيام النوافل التي يأتي بها في سائر الأيام من يوم الأثنين والخميس وصيام الثلاثة أيام من نصف كل شهر أو صيام يوم وإفطار آخر.
2- تخصيصه بعمرة:
لم يرد دليل بفضل العمرة في شهر رجب ولا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر فيه .والعمرة مشروعة في سائر الشهور وكل ما ورد من فضل للعمرة فضلها في شهر رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " عمرة في رمضان تعدل حجة " وفي لفظ " عمرة في رمضان تعدل حجة معي " رواه مسلم.
3- تخصيصه بصلاة:
لا يوجد في الشرع ما يوجب صلاة مخصوصة بعينها في يوم من أيام شهر رجب، كما يفعل ذلك الجٌهَّال من (الصوفية القبوريين أفراخ الشيعة المنحرفين)
بصلاة تسمى " الرغائب " والحديث الذي ورد فيها عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من الموضوعات. قال: "ما من أحد يصوم يوم الخميس (أول خميس من رجب) ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة و(إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ) ثلاث مرات، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) اثنتي عشرة مرة ، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين، فيقول في سجوده سبعين مرة: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت العزيز الأعظم ، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ، ثم يسأل (الله تعالى) حاجته ، فإنها تقضى".. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ، ما من عبد ولا أَمَة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر ، وعدد الرمل ، ووزن الجبال ، وورق الأشجار ، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار" موضوع في الإحياء.
4- تخصيصه بذبح:
إن إراقة الدماء من أعظم القربات إلى رب الأرض والسماوات، بل إن الدم ليقع عند الله عز وجل قبل إن يقع على الأرض والغرض من الذبح ليس اللحم ولا الشحم ولكن التقوى.
قال تعالى:(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) الحج:37
وعليه فإن الذبح في أي وقت مباح ومشروع، ولكن التخصيص بالذبح في رجب دون غيره من الشهور فيه تشبيه بأهل الجاهلية بذبحهم في هذا الوقت بما يسمى ( العتيرة ) وقد اختلف أهل العلم في حكمها على قولين.
القول الأول: وهو رأي الجمهور بأن الإسلام أبطلها ونسخ العمل بها لقول أبو هريرة رضي الله عنه:( لا فرع ولا عتيرة ) رواه البخاري ومسلم.
وقول الحسن: "ليس في الإسلام عتيرة، إنما كانت العتيرة في الجاهلية ، كان أحدهم يصوم ويعتر"
القول الثاني: بأنها سنة مستحبة وهذا قول ابن سيرين.
وأنها منسوخة نسخ الوجوب فقط و ليس نسخ الأصل, فمن السّنة أنّ كلّ أهل بيت يذبحون ذبيحة في رجب, و هذه سُنّة مهجورة .
فعَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ، هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ) أخرجه البيهقي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي).
5- الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج:
اعتاد الناس في سائر البلدان على الاحتفال في ليلة السابع والعشرين من رجب بليلة الإسراء والمعراج، والذي لا خلاف فيه بأن الإسراء والمعراج بالنبي المختار صلى الله عليه وسلم من الآيات المعجزات.
قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الإسراء:1.
والصحيح بأنه لم يتم التعيين أو التصريح بتاريخ هذه الليلة المباركة ولا معرفة شهرها أو يومها أو ليلتها. ولم يثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بهذه الليلة
ولا الصحابة من بعده رضوان الله عليهم ولا التابعين من بعدهم بإحسان .
قال ابن تيمية: " لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به ".
الخلاصة:
إنَّ رجب من الأشهر الحرم التي يجري عليه الحكم كما يجري على باقي الشهور بعدم تخصيصه بعبادة معينة أو زيادة في أي نوع من العبادات إلا بنص وأنَّ كل ما ورد في فضائل رجب من أحاديث أو عبادة إما موضوعة أو ضعيفة لا تقوم مقام الاحتجاج بها.
قال ابن حجر: " لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة،وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، " انتهى كلام الحافظ
قلــــــت
ولكن لا يمنع هذا أنَّ نَجتهد في العبادة والطاعة ونغتنم هذا الشهر الحرام بالتقرب إلى الله عز وجل بالمحافظة على الفروض والزيادة في التطوع والنوافل، والبعد عن المعاصي والأوزار والآثام، والتوبة والنوبة والأوبة إلى الله الرحيم الرحمن، في حدود الشرع والدليل والبعض عن التكلف والبدع المُحدثَة والعادات المتبعة السيئة . وهذا من تقوى القلوب والتقرب إلى علام الغيوب الذي بعلمه لا يغيب عنه عَملنا ولا ما يَدور في فِكرنا وماتُخفي صُدورنا.
قال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج:23

وأخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

ولا تنسونا من صالح دعائكم




كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 01/02/2024
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com