هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً ؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً:

اختلف العلماء في مسألة إخراج القيمة في زكاة الفطر على ثلاث أقوال:

القول الأول:

المنع من ذلك. قال به الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد. وهو مذهب الجمهور واختاره ابن حزم الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1ـ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: "كنَّا نُخرِجُها على عَهدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صاعًا مِن طعامٍ، وكان طعامُنا التَّمرَ والشَّعيرَ، والزَّبيبَ والأقِط " رواه البخاري ومسلم.
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ الصَّدقةَ في أنواعِ الطَّعامِ، فمَن عَدَل إلى القِيمةِ، فقد ترَكَ المفروضَ. المغنى لابن قدامه (3/87)
 
2ـ  عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: " فرَضَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ" رواه أبو داود والدارقطنى.  
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ صَدَقةَ الفِطرِ طُعمةً للمَساكينِ، فتعيَّنَ أن تكونَ طعامًا لا نقودًا .مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (18/278).
3ـ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ " رواه مسلم.
وجه الدَّلالة:
أولاً: أنَّ إخراجَ زكاةِ الفِطرِ مِن غَيرِ الطَّعامِ، مخالفٌ لأمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيكونُ مردودًا غيرَ مَقبولٍ.
ثانيًا: أنَّ زكاةَ الفِطرِ عبادةٌ مَفروضةٌ مِن جِنسٍ معيَّنٍ، فلا يُجزِئُ إخراجُها مِن غَيرِ الجِنسِ المعيَّنِ، كما لو أخرَجَها في غيرِ وَقتِها المعيَّنِ. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (18/284).
ثالثًا: أنَّ الزَّكاةَ وجَبَت لِدَفعِ حاجةِ الفَقيرِ، وشكرًا لنِعمةِ المالِ، والحاجاتُ متنوِّعةٌ، فينبغي أن يتنوَّعَ الواجِبُ؛ ليصِلَ إلى الفَقيرِ مِن كلِّ نوعٍ ما تندفِعُ به حاجَتُه، ويحصُلُ شُكرُ النِّعمةِ بالمواساةِ مِن جِنسِ ما أنعَمَ اللهُ عليه به. المغنى لابن قدامة (3/88).
رابعًا: أنَّ مُخرِجَ القِيمةِ قد عدل عن المنصوصِ، فلم يُجزِئْه، كما لو أخرَجَ الرَّديءَ مكانَ الجيِّدِ. المرجع السابق.  (

خامسًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَضَها من أجناسٍ مختلفةِ القيمةِ مع اتِّفاقِها في المقدارِ، ولو كانت القيمةُ مُعتبرةً لاختلف المقدارُ باختلافِ الجِنسِ. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (18/279).
سادسًا: أنَّ إخراجَ صَدقةِ الفِطرِ مِن الدَّراهِمِ مَظِنَّةٌ لحصولِ الخَطأِ في تقديرِها؛ فقد يُخرِجُها بأقلَّ، فلا تبرَأُ ذِمَّتُه بذلك. المرجع السابق.
سابعًا: أنَّ في اعتبارِ القيمةِ إخراجًا للفِطرةِ عَن كَونِها شعيرةً ظاهرةً، إلى كونِها صدقةً خفيَّةً؛ فإنَّ إخراجَها صاعًا مِن طعامٍ يجعَلُها ظاهرةً بين المُسلمينَ، معلومةً للصَّغيرِ والكبيرِ، يُشاهِدونَ كَيلَها وتوزيعَها، ويتعارَفونَها بينهم، بخلافِ ما لو كانت دراهِمَ يُخرِجُها الإنسانُ خُفيةً بينه وبين الآخِذِ. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (20/394).

واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه في الصحيحين «فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من بر، أو صاعاً من شعير، (وفي رواية أو صاعاً من أقط) على الصغير والكبير من المسلمين.

ووجه استدلالهم هو: أنه لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً نص في الحديث الآخر «أغنوهم في هذا اليوم» وقالوا: غنى الفقراء في هذا اليوم يوم العيد يكون فيما يأكلون حتى لا يضطروا لسؤال الناس الطعام يوم العيد.

القول الثاني:

ذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة وهو مذهب عطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه، قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. (فتح الباري 5/57)

قال أبو إسحاق السبيعي - وهو أحد أئمة التابعين- : أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام . (رواه ابن أبي شيبة 3/65)

واستدلوا بأمور:

1ـ أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .كما أن  الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها، بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.

2ـ ما  ذكره ابن المنذر من  أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم قدروه بالقيمة. (انظر فتح الباري 5/144)

3ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم (السنن الكبرى 4/175)، والإغناء يتحقق بالقيمة، كما يتحقق بالطعام، فالمقصود هو إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد . فكثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.

القول الثالث:

إخراج زكاة الفطر نقداً عند الحاجة والمصلحة:

ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فأبقى الأصل وهو إخراج العين المنصوص عليها، وأجاز القيمة للحاجة والمصلحة، فقال: " والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ... وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به" ومثل لذلك بأن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء. مجموع الفتاوى (25/82ـ83). وتبعه في هذا القول الإمام الشوكاني، فقال: " الحق أن الزكاة واجبة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر" نيل الأوطار (4/181).

ثانياً:

القول الراجح عندي في هذه المسألة هو قول الجمهور لعدة أمور منها:

1ـ إخراج زكاة الفطر من العين المنصوص عليها فيه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والتزام بالنص.

2ـ إخراجها عين عبادة منصوص عليها ونسك ، ولا يجوز العدول عن النسك أو الاجتهاد فيه والعدول عن غيره من الأقوال .

3ـ إخراج زكاة الفطر من العين فيه شعيرة ظاهرة للمسلمين مثل ذبح الأضاحي وسوق الهدي في الحج، فعليه شراء هذه الأصناف ومكيالها وتقديمها للفقير فيه إظهار للشعيرة بخلاف ما إن أخرجت مالاً فلا تفترق عن غيرها من الصدقات، وإظهار الشعائر عبادة.

4ـ إن كان القول الأول هو قول الجمهور وهو الراجح والأحوط، فأصحاب القول الثاني هم علماء أجلاء اتبعوا بعض الأدلة وليس عن هوى معاذ الله.

فإن أن كان هناك سعه لمن يخرج الزكاة له أن يجمع بين قول الجمهور وقول ابن تيمية والشوكانى رحمهما الله، وإن لم يكن فقول الجمهور هو المقدم والأولى في اتباعه.


والله تعالى أعلى وأعلم





كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 08/05/2021
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com