الثورة السورية .. لم يتبق إلا القليل


كعادة الثورات الكبيرة في العالم عبر التاريخ، تدفع الثورة السورية فاتورة عالية التكاليف، من أجل تحقيق أهدافها السامية وهي تحرير الشعب السوري من نظام القهر والاستبداد الأسدي، الذي جثم على أنفاس السوريين لعقود طويلة.

وإذا كانت إرادة الله سبحانه قد قضت أن يتكالب على الثورة السورية قوى داخلية وعربية وإقليمية وعالمية كبرى، فإن هذا التحدي سيجعل نصر هذه الثورة المباركة مضاعفًا.

الآن أصبح عمر الثورة السورية يزيد عن الأربعة أعوام، كانت انتصارات العام الأول كبيرة، ثم تم وضع العراقيل والتحالفات في وجه هذه الثورة، لكن كان العام الرابع عامًا مباركًا، حيث أصبحت فصائل المعارضة السورية تفرض سيطرتها على أكثر من 70 بالمائة من الأراضي السورية، ويومًا بعد يوم تتقدم فصائل المعارضة وتحقق نصرًا تدريجيًا، بسيطًا لكنه مستمر ومتواصل.

تقدم فصائل المعارضة السورية وتضييقها الخناق تدريجيًا على قوات نظام بشار، رغم ما تلقاه من دعم إيراني وروسي غير محدود، جعل جنرالات في التحالف الدولي لمحاربة "داعش" يقولون إن عام 2015م هو آخر عام لبشار في السلطة وأن نظامه سيسقط قريبًا من هذا التاريخ.

ولعل هذا الموقف الحرج لنظام بشار أوجد حملة كبيرة داخل الكيان الصهيوني يقودها جنرالات ومعلقون، يدعون حكومة بنيامين نتنياهو للتدخل من أجل إنقاذ نظام بشار وعدم السماح بإسقاطه، عبر تقديم المساعدات العسكرية له، ونشرت الصحف والمواقع الإخبارية الصهيونية أكثر من مقال يحمل العنوان "أنقذوا نظام الأسد".

فقد قال الجنرال عيزر تسفرير، الذي تولى مناصب مهمة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، إن السماح بسقوط نظام الأسد يعني أن تتحول سوريا إلى "ثقب أسود" تعربد فيه الفوضى الضارة وتتحول المناطق المتاخمة للحدود إلى ساحات انطلاق لتنفيذ عمليات ضد العمل الصهيوني.

وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" نوه تسفرير إلى أن سقوط نظام الأسد يعني خضوع سوريا لهيمنة جماعات سنية متطرفة تعلن صراحة عزمها على تدمير إسرائيل.

وحذر تسفرير من أن الجماعات السنية المتطرفة "مدفوعة بأيدولوجيتها الخطرة"، ستتوجه لاستهداف العمق الإسرائيلي، بحيث تتحول إلى تهديد استراتيجي من الطراز الأول.

ونوه تسفرير إلى أن سيطرة الجماعات السنية على سوريا يعني أيضا السماح بالمس بالتوازنات المذهبية والطائفية في لبنان، وهي التوازنات التي سمحت لإسرائيل بهوامش كبيرة للمناورة.

وتحت عنوان "أنقذوا نظام الأسد"، قال معلق الشؤون العربية جاكي حوكي، في مقال نشره موقع "يسرائيل بالس"، إن بقاء نظام الأسد هو الضمانة التي تكفل الهدوء على طول الحدود مع سوريا.

وأوضح حوكي أنه بإمكان إسرائيل ممارسة الضغوط والعقوبات الاقتصادية لردع نظام الأسد في حال أقدم على أي سلوك يضر بأمنها، في حين أن الضغوط العسكرية والاقتصادية لا تترك أثرا رادعا لدى الجماعات الإسلامية السنية "المتطرفة".

وشدد حوكي على أن إسرائيل تفضل حالة العداء مع حزب الله البرغماتي، على العداء مع الجماعات السنية المتطرفة، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن عناصر حزب الله مقاتلون أشداء فإنهم لا يمكن أن يقدموا على عمليات كتلك التي لا يتردد عن الإقدام عليها عناصر التنظيمات السنية.

أما الولايات المتحدة التي تتظاهر بدعم المعارضة السورية المعتدلة، فإن تصريحات كثير من المسئولين الأمريكيين في هذا الصدد لا تصب في صالح قتال النظام السوري.

ويبدو أن قتال النظام السوري لم يكن حاضرًا على أجندة تدريب واشنطن للمعارضة السورية، مما يثير علامات استفهام كثيرة حول علاقة واشنطن بالنظام السوري، وهل تسعى فعلا لدعم المعارضة السورية دعما يسمح لهم بتحرير الأرض؟ أم أن إسقاط النظام السوري خارج حسابات واشنطن؟

واشنطن لا تريد إسقاط النظام السوري، خاصة أن هذا النظام يشكل صمام أمان للكيان الصهيوني الذي ظل آمنا قرابة أربعين عامًا، وكانت الحدود السورية الصهيونية آمنة طيلة فترة حكم حافظ الأسد، وأيضا بعد موته ومجيء بشار الابن، ورغم الضربات التي تلقاها النظام السوري من الكيان المحتل وقصف مواقع عسكرية سورية بصواريخ صهيونية لم يجرؤ النظام السوري على الرد أو قصف أي أهداف في الأراضي المحتلة.

ورغم دخول الحرب في سوريا عامها الرابع وسقوط قرابة ربع مليون قتيل وتشريد وتهجير الملايين بين الداخل والخارج، لم نجد واشنطن تتحدث عن إسقاط النظام السوري، كما أن الدعم الأمريكي للمعارضة لم يرق لمواجهة الترسانة العسكرية للنظام المدعوم من روسيا وإيران بأحدث الأسلحة.

جل اهتمام واشنطن هو تدريب مقاتلين سوريين، لقتال "تنظيم الدولة"، وضمان استمرار حالة الصراع في سوريا، لضمان تعويم الكيان الصهيوني عسكريًا.

آخر تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أنه سيكثف القصف على "داعش" في سوريا وسيضرب منشآت النفط والغاز السورية التي هي مصدر تمويل لـ "داعش" وسيستمر في مساعدة المعارضة السورية المعتدلة سعيًا إلى تغيير سياسي في سوريا من دون بشار.

الرئيس الأمريكي، بعد مقتل أكثر من ربع مليون سوري منذ شن بشار هجومه على شعبه في درعا، وبعد تشريد ملايين اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا وفي العالم، وبعد مرور 4 سنوات من القتل والتدمير بالبراميل المتفجرة، يستيقظ ليقول لنا إنه يسعى لانتقال سياسي من دون بشار وأنه يريد إنهاء "داعش".

الرئيس الأمريكي يتحدث منذ سنتين عن أن إدارته تساعد المعارضة السورية المعتدلة على الأرض، ونحن نتساءل: أين هي هذه المساعدات؟ ولمن هذه المساعدات؟ وكيف تساعد الإدارة الأمريكية ضد قصف جوي من النظام بالبراميل من دون أي حظر جوي أو صواريخ مضادة للطائرات؟ ومن هم هؤلاء المعتدلون من المعارضة الذين اختارتهم الإدارة الأمريكية وهي لا تريد التعامل مع الائتلاف السوري المعارض؟

التواطؤ الأمريكي ضد الثورة السورية واضح، فكما تركت الإدارة الأمريكية العراق لإيران عندما خرجت القوات الأمريكية منه، تركت إدارة أوباما إيران ووكيلها في لبنان "حزب الله" يقاتلان دفاعًا عن نظام بشار .

مفاوضات الملف النووي الإيراني وامتدادها لسنوات طويلة، أتاح لإيران أن تكثف تدخلها في سوريا من منطلق أن المفاوضات حول النووي ستعطيها المزيد من حرية التحرك في المنطقة من سورية إلى لبنان إلى العراق ومع الحوثيين في اليمن. في ٢٠١٣م كان أوباما عازمًا مع فرنسا على ضرب القواعد الجوية للنظام السوري، ولكنه غيّر رأيه في اللحظة الأخيرة ولا أحد يعرف لماذا.

أوباما يتحدث الآن عن أنه يريد التوصل إلى حل سياسي مع روسيا للقضية السورية من دون بشار، ولكن كيف يكون ذلك وروسيا تتعرض للعقوبات من الولايات المتحدة وأوروبا بسبب أوكرانيا؟ وكيف يمكن تغيير سياسة إيران في المنطقة بعد أن تم التوصل إلى اتفاق بينها وبين الدول الست، فيما إيران ستحصل على ١٤٥ بليون دولار من الأموال المجمدة في بنوك العالم سيسيطر عليها "الحرس الثوري" الإيراني الذي يتصرف فعليًا بالأموال في إيران؟ فمع رفع العقوبات عن إيران سيكون في متناول "الحرس الثوري" الذي يحمي بشار ونظامه و"حزب الله" وحربه في سوريا بلايين إضافية للقتال والتخريب أينما كان في المنطقة.

إننا لا نقول ذلك تعويلاً على الموقف الأمريكي، ولكن لنؤكد أنه موقف متواطئ متآمر، لكن الثورة ستنجح بفضل الله وحده، ثم بنضال السوريين ووحدة فصائلهم وتوحيد رايتهم .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



كاتب المقالة : د. ليلى بيومي
تاريخ النشر : 25/07/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com