إنها 34 مليون مغربي يا عزيزي


شكك مغاربة عديدون في النتائج التي أعلنت عنها الدولة حول عدد سكان البلاد، والذي بحسب الأرقام الرسمية قارب 34 مليون نسمة. يتصور ناشطو "فيسبوك" أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، ويعتقدون أن ملايين أخرى من المواطنين لم يطلها الإحصاء، لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها أن المقدمات الخاطئة تؤدي إلى النتائج المغلوطة، كيف ذلك؟ الجواب عند هؤلاء أن استمارات الإحصاء لم تكن علمية بما يكفي، حتى تستوعب الحالات الكبيرة من البشر الذي يعيش في أحزمة البؤس ومدن الصفيح، في المدن الكبيرة، وهو بالفعل عدد كبير، لكنه لا يصل حتماً إلى الملايين التي ربما غفل عنها الإحصاء، أو لم تستوعبها جداداته. لكن، في كل الأحوال، الرقم الرسمي، حقيقيّاً كان أو تقريبيّاً، فذلك لن يغير شيئاً من أن هذه الملايين من المغاربة، تعيش وتتنفس وتحلم، تولد وتشب وتشيخ، وما بين المسافتين، الأولى والثانية، يكون على الدولة أن تركب تحديات، وأن توفر الحياة الكريمة والشغل والصحة والحق في الانتماء وفي العمل السياسي والاختلاف، وكل ما تقتضيه مدونة حقوق الإنسان. وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجه المغرب، مهما كان عدد سكانه، فالعبرة اليوم، ليس بالعدد ولا بالملايين، بل بالقدرة على استثمار هذا المورد البشري، وتحويله من خزان للتخلف والرعب والفوضى إلى منجم غني لبناء البلد وعملة صعبة تصدر للعالم وتبني اقتصاديات أخرى. نحن، اليوم، جزء من الشركة العالمية العملاقة التي لا تنظر باعتبار كبير إلى وطنك، ولا إلى الجنسية التي تحملها، بل إلى المؤهل العلمي الذي تحوزه، وكيف تكون فرداً منتجاً في هذه الشركة العملاقة التي تستوعب كل الجنسيات، وتطلب خدماتهم، وتقدم لهم الاستحقاق المالي اللازم، وربما في المستقبل قد تمنحهم نوعاً من الانتماء إليها، هي شكل جديد من أشكال المواطنة الكونية. تتلخص الملفات الكبرى الموضوعة على طاولة الحكومة المغربية الحالية، في ثلاثة استحقاقات: الأول، أن يكون المقياس العددي مدخلاً إلى العمل الكيفي، في مجال التنمية وتطوير الكفاءات البشرية، والمدخل هنا هو الارتقاء بجودة التعليم، وتطوير التعليم العمومي وجعل الفرص متكافئة أمام جميع المغاربة. الثاني، استحقاق الحقوق الاقتصادية، بالعمل على تقليص الفوارق الطبقية، وتوفير الحياة الكريمة الممكنة لهذا المحيط الهادر من البشر، من صحة وسكن وشغل. الثالث، فتح المشهد السياسي أمام الجميع للعمل الشرعي والمؤسسي، ومنح الفرصة للآلاف التي تختلف معها أجهزة الدولة، لكي تنتظم سياسيّاً من دون دفعها إلى محيط الإقصاء أو الحرمان من الحق في العمل السياسي، لأنها ستجد نفسها مجبرة في هذه الحالة على تشكيل "شعبها" الخاص بها. ويحضر في البال حال جمعيات سياسية، مثل "العدل والإحسان" وهي اليوم آلاف مؤلفة، تتحول، شيئاً فشيئاً من نمط ثقافي وسياسي إلى بنيات اقتصادية وكتلة بشرية تخترق المجتمع وتجرح تماسكه، في حال سد الطريق أمامها، وأمعن في عدم تسوية وضعيتها القانونية والسياسية، حتى تتمكن من العمل بشكل هادئ، خارج نبرة التشنج الحالية. يقول قانون الفيزياء، إن الضغط يولد الانفجار، وليس أخطر من الضغط الديمغرافي على الدول، لأن توفير بنيات الحياة الكريمة لهذه الكتل الهادرة ليس أمراً يسيراً، ولن يستطيع الحاكم تطويعها بالحديد والنار، ولا بالمحارق الجماعية. لن يكون ذلك مفيداً، ولا العصر يسمح به في اللحظة الراهنة. ولذلك، إن مسؤوليات من يوجد في الحكم مضاعفة، وليس أمامه من سبيل إلى إعمال كل طاقة الحس الاستباقي، عسى أن يبطل مفعول القنبلة البشرية الموقوتة، التي حين تتململ، الأرض تميد. خذ بالك! إنها 34 مليون مغربي يا عزيزي! -



كاتب المقالة : حكيم عتكر
تاريخ النشر : 23/03/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com