تالة التونسية: صانعة الثورة المحرومة


يسود الاحتقان الشديد مدينة تالة التونسية في محافظة القصرين، منذ أيام، بسبب الحرمان الذي تقاسي منه، واستمرار معاناتها الكبيرة الموروثة منذ عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، هي التي كانت في طليعة الثورة التونسية (2011). وزاد الطين بلّة، تجاهل الدولة اعتصام أهالي المدينة أمام مقرّ المعتمدية (مكان التمثيل الإداري للمحافظة).

وأدّى التجاهل الرسمي إلى تحوّل الاعتصام إلى إضراب، ملامساً حالة العصيان المدني. وشمل الإضراب كل القطاعات في المدينة، باستثناء المستشفى والمخابز، وتحوّلت المدينة الثلجية (ترتفع 1017 متراً عن سطح البحر) إلى مدينة من رخام، نسبة إلى ما تنعم به من ثروة رخامية كبيرة، لم تستفد منها حتى الآن.

ويُعدّ تجاهل تالة، أمراً مأساوياً، فالمدينة قدّمت الكثير من الشهداء، في مواجهة 1500 عنصر أمني، وجّههم نظام بن علي لوأد ثورتها، بعد انتقال المشعل إليها من سيدي بوزيد، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2010، والتي بدأ الهدوء يعود إليها نسبياً. وشهدت المدينة وقتها حصاراً أمنياً واقتصادياً، ومُنع إدخال مواد التموين إليها، وأدى صمودها الخيالي إلى إصدار الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، بدءاً من مساء 8 يناير/كانون الثاني 2011، أسفر عن مقتل 6 أشخاص.

وعن الاحتجاجات الأخيرة، يقول أحد شباب المدينة، أيوب السائحي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أهالي تالة يعانون من حالة كبيرة من التهميش والحرمان والنسيان، وكل الأموال المرصودة للتنمية فيها منذ عام 2009 متوقفة، ولم يصل أي شيء منها". وتابع "هناك مستشفى جهوي نُشر قرار تشكيله في الرائد الرسمي (منشور قانوني حكومي ينشر كل القوانين والأوامر) ولم يُنجز، وكذلك السوق التجارية والملعب الرياضي والطريق الحزامية ومركز التكوين المهني وغيرها من المشاريع، التي ظلّت حبراً على ورق من دون أن نفهم لماذا".

يشرف أيوب على صفحة "تالة نيوز" على موقع "فيسبوك"، التي أنشأها لتقديم صورة حقيقية عن مدينته المحرومة، مشيراً إلى أنه "يتمّ الترويج بشكل خاطئ عن المدينة". ويضيف "يُروّج عنا أننا مصدر للشغب والعنف، ويتصوّر كثر أن المجتمع المدني مُغيَّب، وأن الحياة السياسية معطلة في المدينة. كلها معلومات خاطئة، لذلك قررت إنشاء صفحة تالة نيوز، لأقدم حقيقة الوضع في المدينة". وشدد أن "اعتصام أهالي تالة جمع كل الأطياف السياسية من دون تفرقة، من النهضة والجبهة الشعبية ونداء تونس وغيرهم، ولا تجمعهم سوى مصلحة المدينة".

ويضيف "بقيت تالة لعام ونصف العام بعد الثورة، من دون أي وجود أمني، ما اضطر الأهالي والمجتمع المدني إلى التحرك وترميم مركز الشرطة ومقر إقامة المسؤولين، من أجل توفير الأمن وإعادة الشرطة إلى المدينة، لأنه شرط أساسي للاستثمار".

وكشف أن "المجتمع المدني تحرّك كذلك في اتجاه حلّ المشاكل العقارية التي تواجه تنفيذ هذه المشاريع، ولكننا لا نستطيع حلّ هذه المشاكل وحدنا، ولا بدّ للدولة من أن تتحمّل مسؤوليتها، لذلك قمنا بالإضراب، والتقينا يوم الأربعاء في العاصمة، فريقاً حكومياً، تفاعل بإيجابية مع مطالبنا".


ودام اجتماع وفد المدينة بالوزراء نحو ثلاث ساعات، وكان إيجابياً، وفق تأكيد المتحدث الرسمي باسم اللجنة المنظمة لاعتصام أهالي تالة، بسام الحاجي. وقال الحاجي في تصريحات إلى "العربي الجديد"، إن "الاجتماع ضمّ عدداً من الوزراء والمسؤولين، الذين يمثلون قطاعات التجهيز والصحة والتنمية والمالية وأملاك الدولة".وأكد أن "الاعتصام سيبقى في مقرّ المعتمدية، ولن يُرفع إلا إذا لمسنا جدية من الحكومة في معالجة الملف". وأبدى استغرابه من عدم تنفيذ المشاريع المعطلة منذ سنوات، بسبب ما وصفها بـ"لوبيات محلية وجهوية تعمل على عرقلة التنمية في المدينة لأسباب غير مفهومة، وفي حين كنّا نتفهمها قبل الثورة، وخلال الخلاف بين النهضة والنداء، إلا أنه لا يُمكن أن نقبلها اليوم".

وأكد عضو كتلة "النهضة" في البرلمان، النائب وليد البناني، الذي شارك في اللقاء، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النواب سيلتقون، اليوم الجمعة، رئيس الحكومة الحبيب الصيد، للاتفاق حول زيارته إلى المدينة". وذكر أن "وفداً وزارياً سيزور تالة قريباً، للاطلاع عن قرب على مطالب أهلها"، مؤكدا أن "المطلب الرئيسي معقول وغير تعجيزي، ويتمثل في تفعيل وإنجاز المشاريع المبرمجة منذ سنوات والمعطلة، رغم رصد التمويل اللازم".

وقال البناني، إن "المدينة تعاني من أكبر نسبة بطالة في البلاد، وتصل نسبتها إلى 57 في المائة، في حين يبلغ المعدّل الوطني 16 في المائة فقط، وتُعدّ المنطقة منكوبة منذ 60 عاماً، على الرغم من وطنيتها". وأضاف "تالة من أفقر المدن التونسية، وتحتلّ المرتبة 200، من أصل 264 مدينة في مؤشر الفقر، في حين تأتي مدينة حاسي الفريد في المرتبة الأخيرة، ومدينة العيون في المرتبة 263، والمدينتان من محافظة القصرين أيضاً، التي تحتلّ بدورها المركز الـ24 الأخير، في مؤشر التنمية والفقر، على صعيد المحافظات".

وطالب البناني بـ"تخفيف حالة المعاناة والحرمان عن المدينة والمحافظة ككل، لا سيما امتلاكها ثروات كثيرة، كالرخام الذي يُستغلّ بشكل عشوائي، كما أُقفل المصنع الوحيد فيها منذ سنتين. بالإضافة إلى أن أنبوب الغاز الجزائري الموجّه إلى إيطاليا، يعبر أراضيها".

في المقابل، اعتبر النائب عن "الجبهة الشعبية" أيمن العلوي، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، أن "المدينة ليست في حاجة إلى اجتماعات ارتجالية لمدينة تُنهب ثرواتها بشكل ممنهج أمام الجميع، في ظلّ صمت السلطات الجهوية، وعلى رأسها محافظ القصرين، عاطف بوغطاس، الذي نحمّله المسؤولية". ودعا إلى أن "تتم اللقاءات في إطار المؤسسات الموجودة، كالمجلس الجهوي الذي يضمّ كل نواب الجهة، وهو ما سيتم مع رئيس الحكومة الصيد".




كاتب المقالة : وليد التليلي
تاريخ النشر : 13/03/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com