الجزائر: صراع الأجنحة يتفاقم داخل "جبهة التحرير"



لا تنتهي الأزمات داخل "جبهة التحرير الوطني" بقيادة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؛ إذ تشهد منذ نهاية عام 2003، سلسلة انقلابات وصراعات حادة داخل هياكلها المركزية، بلغت حد استعمال العنف والمصادمات بين كوادرها أكثر من مرة.

وشهد المقرّ المركزي لـ"الجبهة"، آخر مشهد في مسلسل الصراع، حين اعتصم العشرات من مناضليها وكوادرها المناوئين للأمين العام الحالي، عمار سعداني، أمام المقرّ المركزي وسط العاصمة الجزائرية، للمطالبة برحيل سعداني من منصبه، والدعوة إلى عقد اجتماع عاجل للجنة المركزية لاختيار أمين عام جديد.

وأعلنت قيادة الجناح المعارض للأمين العام الحالي في بيان، رفضها للممارسات الصادرة عما وصفتها بـ"القيادة غير الشرعية". وندّد البيان بـ"الممارسات والتجاوزات والخروقات، التي تستهدف تشتيت صفوف الحزب وزرع الفتنة والجهوية والعرقية، التي ظلّت جبهة التحرير الوطني تحاربها من أجل بناء مجتمع متضامن ومتكاتف وموحد".

واتُّهم سعداني بقيادة الحزب انطلاقاً من العاصمة الفرنسية باريس، بحسب معارضيه، كونه يتردد منذ فترة إلى هناك بسبب تواجد شقيقته للعلاج. ولم يتأخر سعداني المقرّب من بوتفليقة، في الردّ على الهجوم السياسي الموجّه ضده، واتهم رئيس الحكومة السابق عبد العزيز بلخادم، بالوقوف وراء محاولة زعزعة استقرار الحزب والبلاد.

وذهب إلى حدّ اتهامه بالوقوف وراء سلسلة الاعتصامات والاحتجاجات التي قام بها رجال الشرطة قبل أسبوعين، في العاصمة الجزائرية وعدد من الولايات. واللافت أنه على الرغم من الصراع الحاصل بين التيارين المتصادمين داخل الحزب، فإنهما يلتقيان عند مسألة دعم بوتفليقة، الذي يرأس الحزب أيضاً، وخياراته السياسية. ولا يتصل الخلاف بين الطرفين بخيارات أو توجّهات سياسية، بقدر ما يرتبط بصراع بين فئات صغيرة داخل النظام، تسعى كل منها إلى السيطرة على سلطة القرار داخل "الجبهة"، التي هي الحزب الحاكم، عشية استحقاقات هامة تتعلق بتعديل الدستور المقرر قبل نهاية السنة، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية المقررة عام 2017.

وكانت الجبهة شهدت في صيف 2003 انقساماً حاداً عشية الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 2004، بعد ترشح الأمين العام للحزب علي بن فليس ضد بوتفليقة. واستعملت السلطة القضاء كآلية لسحب "الجبهة" من بن فليس، بعدما أقرّت المحكمة الإدارية بعدم شرعية اجتماع اللجنة المركزية للحزب التي أقرّت ترشح بن فليس.

وسمح ذلك بصعود بلخادم إلى منصب الأمين العام لـ"الجبهة"، لكن الصراع الداخلي اندلع مجدداً بين أنصار بلخادم ومعارضيه، الذين اتهموه بالفساد وتسليم الحزب إلى المافيا المالية. وبعد مخاض عسير، نجح معارضو بلخادم في تنحيته من منصبه في يناير/كانون الثاني 2013، وتنصيب سعداني مكانه.

سريعاً، واجه سعداني تمرّداً جديداً من قبل أعضاء قياديين، بينهم رئيس البرلمان السابق عبد العزيز زياري. وزادت التصريحات المثيرة التي أطلقها سعداني، والتي هاجم فيها رئيس جهاز الاستخبارات الجنرال محمد مدين، المعروف بتوفيق، من حدة الغضب ضده، عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في أبريل/نيسان الماضي.

ويُعتبر مصير "الجبهة" غير المستقرّ، مدعاة للحزن لدى قطاع من الجزائريين. فقبل سنوات الاستقلال كانت "جبهة التحرير الوطني" الوعاء الثوري، الذي انصهرت فيه كل التيارات السياسية الوطنية في الجزائر. غير أن هذا الوعاء تحول إلى حزب سياسي عقب الاستقلال، وبات الجهاز السياسي الذي تدير من خلاله السلطة الحكم في الجزائر.

وبخلاف بولندا، التي كان الحزب الشيوعي يحكم من خلال البوليس السياسي، كان الجيش الذي سيطر على السلطة في الجزائر عام 1962، بحاجة إلى جهاز سياسي مدني للتستر وراءه، ورسم مشهد حكم مدني بخلفية عسكرية، يرافقه تمدّد جهاز الاستخبارات داخل هياكل الحزب.

ظلّ الجيش متحكماً في صناعة قرارات "الجبهة"، وعلى الرغم من انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي أنهت حكم الحزب الواحد، إلا أن السلطة في الجزائر ظلّت متمسكة بـ"الجبهة"، واستعادت من خلالها السيطرة على المشهد السياسي، على الرغم من المطالبات السياسية التي كانت تدفع باتجاه إلغاء وجود "الجبهة" كحزب سياسي، وإبقائها كهيئة تاريخية رمزية، كونها ملكا لكل الشعب الجزائري باعتبارها قادت "ثورة التحرير".

ويعتقد مراقبون كثر أن الصراعات التي شهدتها "الجبهة" في فترات مختلفة، لم تكن سوى مشهد من مشاهد الصراع بين مراكز القوى داخل السلطة. ذلك أن انتفاضة عام 1988 لم تكن سوى صدام بين أطراف في السلطة، والانقسام الذي شهدته عام 2003، لم يكن سوى انقسام في الخيارات السياسية بين مجموعات متنافسة داخل قيادة أركان الجيش والاستخبارات، كما أن الصراع الحالي يعكس أيضاً جزءاً من صراع بين عصب السلطة في ظل التصادم الخفي بين الرئاسة والاستخبارات.

 



كاتب المقالة : يقين حسام الدين
تاريخ النشر : 13/11/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com