قرِّر الصفح


إن الحب عبارة عن اتخاذ قرار برعاية الطرف الآخر ومساعدته، وكذلك المسامحة والمغفرة تحتاج إلى قرار مشابه، فالمعذرة ليست مجرد عواطف وإنما موقف وقرار وتنفيذ، قرار بالعفو عن الآخر، وتنفيذ للصفح عنه.

لذلك نقول إذا قرر الطرفان الارتباط ابتداء وارتضى كل منهما هذا الارتباط فإنه يترتب على ذلك أن يكون بينهما مشاركة وتفاهم وتقبل وحب واحترام وثقة وتضحية لحد ما، وفي حالة الوقوع في الخطأ نحتاج الى التسامح والصفح.

عندما تشعر بالاحباط:

حين يشعر الزوج أو الزوجة بالاحباط، فإنه يبدأ في مراجعة أوجه النقص في شخصية شريك حياته, ويستشعر أنه لا يلبي احتياجاته، وأن علاقته بشريك الحياة هي السبب فيما يحس به من مشاعر سلبية .. فيكون التفكير "زوجتي لا تمدني بالمساندة الكافية " أو "زوجي لا يستمع لي" ولأنك تحس بانخفاض معنوياتك فسوف تحس دائما أنك على صواب بشأن هذا الأمر،وسيكون بإمكانك أن تؤكد على صدق مشاعرك بالعديد من الأمثلة .. سيؤدي انخفاض المعنويات لديك الى اللجوء إلى اللجوء إلى أي أمر لتجعله سببا في معاناتك، وستجهد نفسك في البحث في كل الأمور ... والأكثر من ذلك أن كل ما ستجده سيبدو لك منطقيا، فكيف يكون التصرف في هذه الحالة؟

عندما تشعر بالاستياء فلا تتعامل مع أفكارك وأحاسيسك على أنها بالغة الخطورة، ذلك أنك عند معاناتك سوف تكون أقل حكمة، وأقل تعاطفًا، ولن تستطيع تقدير الأمور بشكل صحيح وتذكر أن..

شريك حياتك إنسان:

إن شريك حياتك إنسان وبشر له مشاعر وأهداف ومنطلقات في الحياة ليس آلة نحركها كما نريد، وهو يحب أن يفهم كما يحب أن يطاع، ولا بد من التعامل معه على أساس من الكرامة الانسانية، وذلك بأن يحاول كلا الزوجين أن يكون المبادر أولًا إلى المسامحة والعفو، ولطف المعاملة .. ففي أجواء لطف المعاملة لا تتحول المناقشات إلى شجار.

اللطف في التعامل:

وهذا اللطف في التعامل يكون عبر أشياء صغيرة .. تستأذن عندما تريد الانصراف، وتعتذر حين تخطيء، وتحاول دائما معرفة احتياجات شريك حياتك، وتسأل نفسك دائما: "ما الذي يمكن أن يدخل السعادة الآن على شريك حياتي؟"

خطوات عملية للزوجين:

عندما نتلقى إساءة ممن نحب علينا عمل الآتي:

-كظم الغيظ: ولكنه قد يبقى في النفس ليحول بيننا وبين حبنا للزوج أو الزوجة لذا يتبع كظم الغيظ

-العفو عن الاساءة وذلك بعد مرور بعض الوقت وهدوء النفس والمشاعر.

-الدفع بالتي هي أحسن: وهي المرحلة الارقى والفعالة جدا، وهذا لا يحدث ما لم يسبقه العفو والمسامحة، لذا عندما امتدح الله المتقين قال عنهم: "وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض اعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" [آل عمران:133-134].

-وبما أنه من الصعب نسيان الإساءة وتجاوزها فإنه على الزوجين تحديد موعد للجلوس والحديث الهادئ في موضوع المشكلة للتخفيف من المشاعر السلبية، وتقليل احتمال تكرار ما حدث..

-يمكن للزوجين في هذه الجلسة التعبير عن مشاعرهما لما حدث ليس من باب الانتقاد، وانما لمشاركة الطرف الآخر المشاعر والافكار والعواطف، إن هذا الحديث يساعد على زيادة فهم كل من شريكي الحياة للآخر، ويمكنهما من تحسين الحوار بينهما

-بعد هذا يقرر كل منهما بأنه لن يعود لذكر الموضوع في ساعات الغضب والاختلاف، وقد يحتاج الزوجان بعد ذلك لبعض الوقت لتتعمق بينهما مشاعر الثقة والاطمئنان.

الابتعاد قليلًا:

في هذا الوقت من الأفضل للزوجين الابتعاد قليلا للتفكير في حلول للمشكلة سبب الخلاف والتي سببت المشاعر السلبية عند الزوجين ولكن بشرط أن نفكر في الموضوع مع وجود قرار التسامح والصفح والعفو عن شريك الحياة، وهذه هي العظمة الحقيقية أن يخاط كل شريك من شركاء الزوجية شريكه وهو مشبع بروح السماحة والعطف على ضعفه وخطئه، وروح الرغبة الحقيقية في تثقيفه وتفهيمه، ورفعه الى أعلى مستوى نستطيعه.

سامح ولكن تعلم من التجربة:

يمكنك أن تسامح، ولكن تعلم في نفس الوقت من تجاربك، وهناك الكثيرون من الناس يقولون "سامح وانسى الإساءة "ويقول الله تعالى: {والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.

وإليك هذه القصة:

يحكى أن أحد الأشخاص كان في زيارة لإحدى حدائق الحيوان فرأى لافتة كتب عليها "خطر لا تقترب من الأسد" ولكنه تجاهل اللافتة وأدخل يده إلى القفص فقفز الأسد وكاد يلتهم يده، ولكنه لحسن الحظ احتاجت الإصابة إلى إجراء جراحة بسيطة في اليد، ومع كل هذا كان الشخص مندهشًا وقال في نفسه: لماذا هجم الأسد علي، فأنا رجل طيب وكنت أريد فقط أن ألعب معه، ولا أعتقد إنه كان يتعمد أن يؤذيني، لقد سامحته ونسيت ما حدث منه، وبعد أسبوعين ذهب نفس الشخص مرة أخرى إلى نفس حديقة الحيوان وزار قفص الأسد وأدخل يده مرة أخرى داخل القفص، وفي هذه المرة التهم الأسد ذراعه كله، ونقل هذا الشخص على الفور إلى المستشفى، وتم إنقاذ حياته بمعجزة، وبعد ستة أشهر ذهب مرة ثالثة لكنه وقف أمام الأسد وقال (لأنا أعلم أنك لم تكن تقصد أن تؤذيني لقد سامحتك ولكنني في هذه المرة لن أنسى)، بالطبع يمكن أن تسامح أي شخص, وأن تطلق سراح الماضي والعواطف السلبية المصاحبة له, ولكن في نفس الوقت يجب أن نتذكر ما استوعبته من الدرس حتى تتمكن من مواجهته المواقف المتشابهة, وتتمكن من التصرف بطريقة صحيحة [قوة التحكم في الذات، د/ابراهيم الفقي ص64-56].

ماذا بعد:

-عندما تشعر بالإستياء تجاه شريك حياتك، فلا تتعامل مع أفكارك وأحاسيسك بشكل بالغ الخطورة.

-تذكر أن شريك حياتك انسان وبشر عليك أن تتقبل ضعفه وخطئه.

-بادر إلى التسامح والصفح والعفو عن شريك حياتك مع التعلم من التجارب



كاتب المقالة : أم عبد الرحمن
تاريخ النشر : 11/04/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com