المعارضة السورية والتيه السياسي


من الحقائق الإستراتيجية الثابتة في منطقة الشرق الأوسط ؛ أنه ليست ثمة سياسة أمريكية محددة تجاه هذه البقعة الخطيرة من العالم ، إنما هي سياسة إسرائيلية تتبناها الولايات المتحدة وتدافع عنها بكل قوة ، فما من خطوة أو قرار أو تحرك سياسي أو عسكري أو اقتصادي أمريكي في المنطقة إلا وهو  يصب في واقع الأمر لمصلحة الكيان الصهيوني الغاصب و يأتي حفاظا على أمنه واستقراره ، فلا دول المنطقة ولا شعوبها ولا حتى ثرواتها وخيراتها تهمّ أمريكا في شيء إلا بما يخدم أمن إسرائيل ويحقق استقرارها ، فقط أمن إسرائيل ولا شيء غير ذلك .

هذه الحقيقة الإستراتيجية الثابتة في منطقتنا العربية ونطاقنا الإقليمي إذا غابت عن أذهان من يتعامل مع الأمريكان ـ وهم بالمناسبة كثر ـ من الساسة والقادة والمسئولين وحتى قادة المعارضة سواء أكانت معارضة  سياسية أو عسكرية فإنهم سوف يتعرضون لإخفاقات متتالية ومفاجآت مدهشة تفقدهم صوابهم وتجعلهم مثل الراكض خلف سراب زائل ، وأوضح مثال على هذا التيه السياسي ؛ المعارضة السورية .

المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري ـ أقصد الجيش الحر وليس كتائب المجاهدين مثل جبهة النصرة ـ انشغلت طيلة الأسابيع الماضية في تبرير الضربة الأمريكية المتوقعة ومزاياها وأهميتها ووضعت خرائط الأماكن المرشحة للقصف ، وبنيت إستراتيجيتها على حتمية الضربة الأمريكية ،  وفجأة كانت الصدمة ؛ صدمة قوية ثلاثية الأبعاد ، باتفاق وزيري الخارجية الأمريكي " كيري " والروسي " لافروف " في جنيف في 14 سبتمبر الماضي على نزع سلاح سوريا الكيماوي ووضعه تحت الإشراف الدولي ، وذلك دون جدول زمني محدد ، ثم مسارعة كل الدول العربية التي كانت متحمسة من أيام قليلة لضرب سوريا بمباركة الاتفاق ، حتى دون الاطلاع على تفاصيله وجدوله ، وأيضا مباركة الدول الأوروبية التي أرسلت بعض دولها مثل فرنسا وانجلترا أساطيلها بالفعل إلى البحر الأبيض استعدادا للضرب ، وفوق ذلك شحنة سلاح ضخمة جدا أرسلتها روسيا إلى الأسد على متن السفينة (Nikolai Filchenko ) التي انضمت إلى مجموعة سفن قتالية تم إرسالها لتعزيز الأسطول الروسي المرابط قبالة السواحل السورية ، ليجد السوريون أنفسهم في قبالة الأسد وجنوده وحلفائه الشيعة بقيادة قاسم سليماني قائد فليق القدس الإيراني .

هذه الحالة من التوافق الدولي التي فاجأ بها الأمريكان والروس وحلفاؤهما من العرب وغيرهم السوريين لم تكن مستغربة لمن تابع تطورات الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية ، فأمريكا منذ البداية وتنظر إلى الأزمة السورية على أنها مصدر تهديد قوي على أمن واستقرار الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ، حيث يلعب البعد الخارجي دورا مركزيا في توجيه مسار هذه الأزمة ، فالتاريخ والجغرافيا جعلا سوريا دوما عند مسافة تتقاطع فيها المصالح الإستراتيجية والخلافات ذات الأبعاد السياسية والدينية والعرقية بين القوي الرئيسية في المنطقة، بل ويمتد تأثير سوريا إلي بعض دول المنطقة بحكم طبيعة التركيبة الاجتماعية المكونة لأعراق وديانات ومذاهب شعبها وامتداداتها في قلب هذه الدول، وإلي جانب هذا البعد الإقليمي وعلاقات أطرافه بالعالم نجد سوريا دائما تكون رقما مهما تتقاطع عنده مصالح الدول المؤثرة في النظام الدولي، ومن ثم عملت جاهدة على بقاء الوضع السوري متأزما في نطاقه الداخلي ، متفجرا داخل حدوده ، وحرصت منتهى الحرص على عدم تناثر شظاياه إلى خارج الحدود السورية حيث حلفاء أمريكا المقربين ، لذلك فقد تركزت الجهود الدولية على حصر الصراع المسلح داخل سوريا ومنعه من الانتشار الإقليمي، دون الالتفات إلى حجم الخسائر البشرية والانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري والتي تم التوافق على تأجيل حسمها حتى انعقاد مؤتمر "جنيف2" الذي يبدو أنه لن ينعقد حتى إقدام الأسد على مجازر جديدة بحق شعبه .

وبجانب اعتماد ركيزة منع امتداد الصراع السوري إقليميا كأساس للجهود الدولية في التعامل مع الأزمة السورية ، تأتي مسألة ضرب الجماعات والتنظيمات الجهادية والسيطرة على سلاح الأسد الكيماوي في صدارة أولويات الأمريكان في المنطقة ، وعلى هامش هذه السياسات الثابتة تأتي مسألة مساعدة اللاجئين السوريين ، بصورة شرفية أو ثانوية ، وإمداد الجيش الحر ببعض العتاد الحربي الخفيف الذي يبقى الصراع داخل سوريا في دائرة التوازن الحرج ، حيث لا غالب ولا مغلوب فقط ضحايا من الطرفين وخسائر للوطن السوري .

لذلك فالمطلوب من المعارضة السورية بذراعيها السياسي والعسكري أن تخرج من حالة التيه السياسي الواقعة فيها ، وتخرج من جلباب الوصاية الأمريكية والدولية على مسار الأزمة السورية ، وأن تعي هذه المعارضة أن الطرف الخارجي من جملة أعداء سوريا ، وأنه حليف وثيق لنظام الأسد ، وإن بدا في صورة مغايرة لذلك . على المعارضة السورية توسيع دائرة الاعتماد على الداخل ، وتعزيز الجبهة الداخلية بجهود المخلصين من كل الاتجاهات والتيارات ، وإعادة لحمة النسيج الوطني المقاوم في مواجهة نظام عاتي لا يعنيه سوى مصالحه الخاصة .

من المهم أن تعي المعارضة السورية دروس التاريخ وتنظر للتاريخ القريب ؛كيف قادت التفاهمات الدولية لضياع وتفكيك العراق والصومال والبوسنة والهرسك ، بل لم يتدخل المجتمع الدولي أو هكذا يطلقون عليه ، في أزمة دولية إلا وأطاح باستقرار البلد موضوع الأزمة وفتتها وجزّئها ، على المعارضة السورية التركيز على وضع إستراتيجية بناء داخلية ، بدلاً من الانخراط في الدبلوماسية الدولية المتعثرة والخضوع لمشاريع التقسيم التي تطبخ نارها بهدوء دوائر صنع القرار في واشنطن وتل أبيب ، كما عليها الحذر من مخاطر الانزلاق في شرك الاستقطاب الإقليمي الذي لا يعود على الشعب السوري بخير، وأن تدرك مكامن قوتها المتمثلة في تشكيل جبهة موحدة لمعارضة سورية قوية ومؤثرة تملك قرارها وتستبد برأيها ، فتصبح  طرفاً مؤثراً فاعلا ، لا كما هي الآن طرف مفعولا به متأثرا بلعبة التوافقات والتجاذبات الدولية . دون ذلك فلن نرى حلا للأزمة السورية في المستقبل القريب ، وربما رأينا مصير سوريا قريبا من مصير العراق ؛ تجزئة وتفتت في إطار الدولة ، وتقسيم طائفي عرقي بطعم الفيدرالية .



كاتب المقالة : المفكرة
تاريخ النشر : 23/09/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com