الانسحاب في الحياة الزوجية


إن التصرف الطبيعي أمام حالة النزاع إما "الانسحاب والهروب, وإما الصراع والهجوم{flight- fight}  وهذا ما يقرره علم النفس.

وقد تحدثنا عن حالة الصراع والصدام في المقال السابق واليوم نتحدث عن حالة الانسحاب بعد سنوات من الزواج:

لقد مضى على زواج كاظم وهبة ما يزيد عن خمسة عشر عاما وهما لا يذكران أنه دار بينهما أي شجار وهما مصممان على عدم حدوث أي خلاف.. وعندما يصرح كاظم برأيه في أمر من الأمور العامة في المجتمع أو السياسة فإن زوجته هبة توافقه تماما على رأيه من غير أن تبدي رأيها الشخصي في الأمر.. وهو كذلك لا يناقشها في القرارات التي تتخذها في أمور المنزل والأولاد.

وتسمع الزوجة هبة تؤكد إنه ليس لدينا اختلاف في الرأي إطلاقا، ويشير كتظم برأسه أنه يوافق على هذا، ثم يقول: لقد اكتشفنا سر الزواج السعيد وهو أن يتجنب كل منا الآخر ولا يتدخل في أموره.

هل هذه الطريقة في الحياة الزوجية هي الأصوب؟

إن كل منهما مثل بعض الأزواج يخاف من الاعتراف بوجود الاختلافات والفروق كي لا يعرقلوا العلاقة بينهما، ولذلك يتجنب هؤلاء أي منطقة توتر عن طريق دفن الاختلافات ورفض رؤيتها ولكن هل هذه الطريقة في الحياة الزوجية هي الطريقة الأصوب؟ الغلاب أنها ليست الطريقة الصحيحة, لأن تجاهل  المشكلات والاختلافات ليس صحيًا لسبب بسيط أنه مهما كان الرابط الزوجي قويا، فإنه لابد من وجود بعض الفروق الفردية والاختلافات بين الزوجين،بل إن الزواج غالبا يجمع بين فردين لكل منهما شخصيته وأفكاره وميوله وذوقه وعواطفه واحتياجاته وما يحب وما يكره.

والأفضل من دفن هذه الفروق هو النضج والتكيف للتعامل معها بحكمة وموضوعية.

تحت السطح:

إن المشكلة الكبرى في هذا التجنب للاختلافات أنه لا يقوم بأكثر من إخفاء التوتر تحت السطح،أو تأجيله إلى وقت آخر يظهر فيه, وقد يظهرفي شكل الانفجار العنيف وبشكل تصعب السيطرة عليه...) [التفاهم في الحياة الزوجية – د/مأمون مبيض – ص 180 -186 بتصرف]

من آثار الانسحاب:

وقد يستمر هذا الأسلوب في التعامل بين الزوجين سنوات وسنوات وهذا يؤدي الى تآكل الأحاسيس الطيبة ويقلل من رصيد الذكريات الزوجية الجميلة ويزيد من الرصيد السلبي المر، فيعتاد الزوجان على حياة خالية من المشاركة الزوجية، ويصبح البيت فعلا قطعة من الجحيم، فتنطوي الزوجة على نفسها واهتماماتها الخاصة، ويهرب الزوج من البيت وتتسع الهوة وكان من الممكن ألا توجد لو كان هناك أسلوب ايجابي للتفاهم) [متاعب الزواج د/عادل صادق – ص (178)].

نعم قد يكون بينهما حبًا، ولكن العشرة الطويلة تدفع كلا من الزوجين إلى التضايق من الآخر بأسباب ليست كبيرة وإنما أمور صغيرة مثل:

أن يستعمل نفس فرشاة الأسنان الخاصة بالآخر، أو الانتهاء من الوضوء والبحث عن المنشفة فإذا بها غير موجودة في مكانها... وكل هذه العيوب الصغيرة ربما كانت السبب في غضب شريك الحياة.

ويحدث ذلك لأن أحد الزوجين أو كليهما يتعامل مع الأمور كما لو كانت بالغة الاهمية أو يبالغ في اظهار السلبيات، وهنا لا يستطيع الزوجان الاحتفاظ بهدوئه.

فإذا أضفنا إلى ذلك (الجفاف العاطفي بين كثير من الأزواج، وعدم التعبير عن مشاعر الحب والمودة وبقاؤها مكتومة يثقل على اللسان اخراجها وبثها، فالقليل منا من يسمع شيئا من العواطف والمحبة بين أبويه وهذا له أثره على حياتنا- بعدالزواج – أضف الى ذلك بعض العادات والتقاليد وطبيعة المعيشة والبيئة التي لها الأثر الكبير وبالأخص جنس الرجال.

وفي ظل هذا التصحر في العلاقات بين الزوجين تحدث المشكلات الزوجية على أمور تكاد أن تكون من السخافات، وفي أجواء التنافر الوجداني ينقطع التواصل الفكري بين الزوجين وإليكم مثالًا لذلك:

عبد الله: هل تذهبين إلى والدتك الآن؟

ليلى: بإمكانك أن تأخذ قسطا من النوم إذا كنت تريد

عبد الله:هل أوشكت على الانتهاء؟

ليلى أتريد تناول عشاءك الآن؟

هنا نجد الزوجة تبرر هذا الفعل منها،بأنها تتوقع رغبات زوجها ومطالبه.

 قصة من الحياة:

بعد العشاء جلس الزوجين صامتين...

الزوج: الحمد لله يوم مضى على خير.

الزوجة: تسرح بخيالها بعيدا, ويصرخ ما بداخلها،الحمد لله على كل حال.. أي خير يشعر به من يعيش معك..يقطع الأطفال صمت الزوجين، يطلب أحد الأطفال أن يذهب إلى الملعب الذي يبعد عن المنزل عدة أمتار، وترفض الأم ويبكي الطفل.. فتصرخ الأم في وجهه: لن تذهب قلت لك لن تذهب.. يبكي الطفل أكثر وتقبل الأم أن يذهب، وتطلب منه أن يحترس.. بينما تشعر من داخلها أنها ضائعة، وأنه لا أحد يستمع إليها في البيت، ولا أحد يأخذ برأيها.

تذهب الزوجة لغسيل الأطباق في المطبخ بينما الزوج يشاهد مباراة للكرة في التلفاز، تقول الزوجة في نفسها:أنا أعمل وأنت تلهو، أنا أقلق وأنت تهدأ, أنا أهتم وأنت لا تهتم بشيء، أنت تشعر أن كل شيء على ما يرام أنا أتألم، تمر الزوجة بغرفة المعيشة عدة مرات لكي لكي تقطع على زوجها مشاهدته للمباراة مع إلقاء نظرات الكراهية له، ولكنه يتجاهلهاتسأله الزوجة: متى يأتي اليوم الذي تساعدني فيه فب بعض الأعمال.

يقول الزوج: فيما بعد إن شاء الله.

الزوجة: إن فيما بعد هذا لا يأتي أبدًا، لقد اعتدت أن أقوم بكل شيء بنفسي...

وتشعر الزوجة بالاحباط الشديد، ويدور بداخلها حديث طويل "لقد توقعت أن أحقق الكثير من هذا الزواج، فقد كانت لدي احلام كثيرة ولك لم يتحقق أي منها، لقد خدعت، إن بيتي وعائلتي المكان والأشخاص الذين كان يجب أن أشعر معهم بالدفء والراحة والحنان، أصبحوا مجرد فخ لم أستطع الخروج منه، لقد كنت دائما أقول لنفسي إن الأمور سوف تتحسن، فبعد كل شيء فإن جميع هذه المشاكل كانت خطأ زوجي.. نعم إنه خطؤه هو [لا مزيد من الانغماس في هموم الآخرين –مليودي بيتي –ص 27].

هذا هو شكل الحياة الزوجية في واقع الجفاف العاطفي حيث يتلاشى "خيال" الحياة الزوجية ليحل محله الحقيقة، وعندها تبدأ الحياة من جديد أو تنتهي عند البداية.

وهكذا (تثار المشاكل بين كل طرف بسبب أنانية صاحبه، ويبدأ كل منهما بتصيد أخطاء الآخر من أجل إثارتها والتشكيك بصدق صاحبه، وتستمر السلسلة اليومية من النقاشات الحادة التي لا تحمد عقباها، وأول نتائجها هو إيغار الصدور وفقدان الاحترام وحصر الأخطاء وترديدها) [ماذا وراء الأبواب، أ م سفيان، ص 27].

ماذا بعد:

 -الانسحاب ليس هو الحل في حالات النزاع والصدام في الحياة الزوجية.

 -الأفضل من تجاهل المشكلات ودفنها هو النضج والتكيف للتعامل معها بحكمة وموضوعية.

 -التفاهم ثم التفاهم بين الزوجين هو الحل الصحيح للمشاكل الزوجية



كاتب المقالة : أم عبد الرحمن
تاريخ النشر : 08/09/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com