موسم الهجرة إلى «الريموت كونترول»


في عصر السماوات المفتوحة و«العالم قرية صغيرة وثورة التكنولوجيا وحريات الإعلام»، لا يعرف أحد على وجه الدقة ما يجري في رابعة العدوية وميدان نهضة مصر، وما يتناقله الناس على صفحات التواصل الاجتماعي من مشاهد رعب وحكايات مفزعة عن الأحداث في محافظة الشرقية.

في مفتتح عصر «الحرية بتتولد» يمتشق المصريون الريموت كونترول ويلهثون خلف ترددات جديدة لقنوات أجنبية كانت مجهولة لمتابعة ما يدور على أرض مصر، وتحولت قنوات مثل «اليرموك» و«القدس» و«الأقصى» إلى ملجأ معلوماتي وحيد لمن يريد أن يروي عطشه للمعرفة في زمن القحط الإعلامي الذي بدأ مؤخرًا.

إن آخر ما تحتفظ به الذاكرة من مظاهر ارتحال المصريين إلى وسائل الإعلام غير المصرية كان ما جرى بعد «كامب ديفيد» في أواخر السبعينيات، إبان هجرة المثقفين الثانية إلى عواصم أوروبية وعربية، وفي ذلك الوقت كان المواطن المصري يتسلل على أطراف أصابعه خلسة إلى أبعد غرفة في منزله عن أسماع الجيران ويدير مؤشر الراديو على محطات إذاعية تنقل أخبارًا عن المصريين المعارضين للتطبيع مع الكيان الصهيوني.. ويذكر تاريخ هذه الأيام قصص المنافي التي ارتحل إليها أدباء وكتاب لم يسمح لهم إعلام الصوت الواحد في ذلك الوقت بالكلام والمعارضة.

وها نحن بعد ما يقرب من أربعين عامًا نستعيد أجواء العتمة الإعلامية حيث عميت أبصار وبصائر القنوات والصحف المصرية وانسدت الآذان فلم تعد ترى أو تسمع أو تنقل إلا نصًّا واحدًا معممًا على الجميع لا يجوز لأحد الخروج عنه.

يحدث ذلك وسط صمت متواطئ من أنبياء الليبرالية والحرية المزيفين، ولا مبالاة تامة من ثوار سابقين يذكرون جيدًا كيف كانت القنوات المصابة بالخرس ــ الإرادي منه واللإرادي ــ تهرول خلف وقفات احتجاجية لا يزيد عدد حضورها عن عشرين شخصًا وتتعامل معها باعتبارها تظاهرة حاشدة.

لقد كانت الدنيا تقوم ولا تقعد لو أن قتيلاً سقط في تظاهرة هنا أو هناك، بينما الموت يحصد حياة العشرات من المصريين الآن فلا يلتفت لهم أحد، وإن التفت فإنه يحولهم من مجني عليهم إلى جناة وقتلة.

ومن المخجل أن قنوات فضائية أجنبية عريقة أصيبت هي الأخرى بما أصاب المنابر المصرية فأصبحت لا ترى إلا ما يراد لها أن تراه، ولا تنقل إلا في حدود الدور المرسوم لها، الذي إن تخطته فهي تضع أصابعها في فوهة النار، فتؤثر السلامة وتشارك في احتفالية الخرس الصاخب.

إن واحدًا من أهم حقوق إنسان العصر الحديث، عصر الحريات، هو الحق في المعرفة، وبالتالي فمن حق المصريين وفقًا لمواثيق حقوق الإنسان العالمية أن يعرفوا ما يدور في بلادهم.. نريد أن نعرف ماذا يحدث في ميادين مصر ومحافظاتها، من يطلق الرصاص ومن يسقط صريعًا.

وأظن أنه لا يليق بدولة صنعت ثورة من أجل الحرية والكرامة الإنسانية أن تشهد هذه الردة المخيفة في الممارسة الإعلامية حتى لو كانت الحجة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».




كاتب المقالة : وائل قنديل
تاريخ النشر : 10/07/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com